وصلت اول مجموعة من مقاتلي حزب العمال الكردستاني المنسحب من تركيا الى شمال العراق صباح الثلاثاء، لتدشن رسميا المرحلة الثانية من عملية السلام بين الحزب وانقرة. غير ان هذه الخطوة قوبلت برفض السلطات العراقية في بغداد التي رات فيها "انتهاكا صارخا" لسيادة العراق حيث انها تمت "دون الرجوع اليه"، معلنة عن شكوى الى مجلس الامن الدولي ومحذرة من "ضرر بالغ" بالعلاقة مع تركيا المتدهورة اصلا على خلفية الازمة السورية. ووصل 15 مقاتلا هم تسعة رجال وست نساء الى منطقة هرور في جبل متين في محافظة دهوك الواقعة ضمن اقليم كردستان العراق والمقابلة لمنطقة جلي التركية، عند الساعة 06,00 (03,00 تغ) وهم يحملون امتعة واسلحة رشاشة وقذائف ار بي جي. ولقي الواصلون استقبالا حافلا من مقاتلي حزب العمال الكردستاني المتمركزين في هذه المنطقة الجبلية النائية، حيث وقف هؤلاء في صفين، واحد للنساء واخر للرجال، وبداوا يعانقون زملاءهم ويصافحونهم فور وصولهم. وما ان انتهت مراسم استقبال المقاتلين المنسحبين الذين بدا عليهم الارهاق الشديد جراء الطقس البارد، حتى وضعوا اسلحتهم جانبا والتفوا حول نار مشتعلة. وقال قائد المجموعة الذي عرف عن نفسه باسم جكر للصحافيين في المكان "نحن اول مجموعة تصل الى منطقة الحماية". واضاف وهو يتحدث باللغة الكردية "جئنا من منطقة بوتان في تركيا بعدما امضينا سبعة ايام في الطريق، وجاء انسحابنا بعد توجيهات الزعيم (عبد الله) اوجلان حيث اننا نريد ان نفتح طريقا للسلام بهذا الانسحاب". وتابع "عانينا الكثير من المصاعب الجوية بسبب الامطار والثلوج، ومراقبة الطائرات التركية لنا، وبشكل عام نعاني من صعوبات من الانسحاب بسبب مراقبة الجيش التركي لنا، عدا البرد القارس". وفي خطوة تاريخية ترمي الى انهاء نزاع دام مستمر منذ ثلاثين عاما وقتل فيه اكثر من 45 الف شخص، بدأ مقاتلو حزب العمال الكردستاني الاربعاء الماضي انسحابهم من تركيا الى شمال العراق. ويشكل هذا الانسحاب المرحلة الثانية من عملية السلام التي بدأت بين انقرة وحزب العمال الكردستاني بعد الاعلان عن وقف لاطلاق النار من جانب واحد في نهاية آذار/مارس الماضي. ويقدر عدد مقاتلي حزب العمال الكردستاني في تركيا بحوالى الفي مقاتل يضاف اليهم 2500 في القواعد الخلفية في شمال العراق. وقالت المقاتلة ميديا عفرين التي كانت ضمن المجموعة المنسحبة لفرانس برس "لدينا ثقة كبيرة بقيادتنا وبانفسنا وخلال الفترة الماضية حققنا مكاسب كبيرة". واضافت عفرين وهي في الثلاثينات من عمرها "كنا نستعد لبدء قتال كبير مع تركيا لكننا استجبنا لنداء زعيمنا اوجلان وانسحبنا"، مشددة على ان "هذه مرحلة جديدة وهي مرحلة السلام". من جهته، اكد روهات وهو احد قياديي الحزب في شمال العراق "سوف نستمر في التنظيم والتدريب وننتظر الحكومة التركية لاتخاذ الخطوات المناسبة لاحلال السلام، ومنها اجراء تعديلات على الدستور التركي والاعتراف بالحقوق القومية للشعب الكردي". وتابع ردا على سؤال فرانس برس حول اعداد المقاتلين المنسحبين من تركيا "انهم بالالاف". ويطالب اكراد تركيا بالاعتراف بحقوق محددة لهم مثل حق التعلم باللغة الكردية اضافة الى الحكم الذاتي لهذه القومية التي يتراوح عدد افرادها في تركيا بين 12 الى 15 مليونا. وكان العراق الذي تتعرض اراضيه في اقليم كردستان باستمرار الى قصف الطائرات التركية التي تلاحق مقاتلي حزب العمال، اكد رفضه دخول "مجموعات مسلحة" اليه، وكرر اليوم موقفه معلنا عن خطوات في هذا المجال. وجاء في بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء ان الحكومة ترفض "انسحاب وتواجد مسلحي حزب العمال الكردستاني داخل الاراضي العراقية، الذي يعد انتهاكا صارخا لسيادة العراق واستقلاله ويلحق ضررا بالغا بعلاقات الجوار بين البلدين وبمصالهما المشتركة". وبناء على ذلك، قررت الحكومة العراقية ان "يتقدم العراق بشكوى الى مجلس الامن الدولي لممارسة مهامه في الحفاظ على السلم والامن الدوليين واتخاذ القرار المناسب بمنع التجاوز على السيادة العراقية". كما قررت الحكومة "تكليف وزارة الخارجية بابلاغ الجانب التركي اعتراض العراق ورفضه المطلق لدخول اي شخص مسلح او غير مسلح للاراضي العراقية او اي ترتيبات تتعلق بالعراق دون الرجوع اليه". وشددت الحكومة على حق العراق "في الدفاع عن سيادته واستقلاله بما يراه مناسبا وضمن القوانين والقرارات الدولية". والحكومة المحلية في اقليم كردستان العراق الذي يتمتع بحكم ذاتي ادت دورا كبيرا في تسريع عملية السلام بين حزب العمال الكردستاني وتركيا وضمان نجاحها بالشكل المطلوب، من خلال المفاوضات التي جرت سواء في الاقليم او في تركيا.