لندن- مصر اليوم
في العاشر من يونيو (حزيران) الماضي، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عزمه على «إحداث تحول عميق للوجود الفرنسي العسكري في منطقة الساحل» التي تشمل خمسة بلدان «موريتانيا، مالي، النيجر، بوركينا فاسو، وتشاد» ونهاية عملية «برخان» التي أطلقت بداية عام 2014. ورغم انقضاء سبع سنوات على عملها، لم يبرز في الأفق ما يدل على أن مهمة «برخان» أي دحر التنظيمات الإرهابية الناشطة والمرتبطة من جهة بتنظيم «القاعدة في المغرب» والآخر بتنظيم «داعش»، يمكن أن يتحقق في آجال معقولة. يضاف إلى ذلك، تكاثر تساؤلات الرأي العام الفرنسي بشأن المدى الزمني لاستمرار «برخان»؛ لذا، فإن المسؤولين السياسيين والعسكريين، أطلقوا، منذ أواخر العام الماضي، إشارات حول رغبة باريس في إعادة النظر بانتشار قوتها ومهامها الأمر الذي أعلنه ماكرون رسمياً بداية الشهر الماضي. بيد أن الرئيس الفرنسي لم يعط تفاصيل رسمية حول ما ستقوم به باريس وصورة حضورها العسكري المستقبلي. من هنا، فإن القمة التي جرت أمس عن بعد، «باستثناء رئيس النيجر الذي كان حاضراً في قصر الإليزيه إلى جانب ماكرون،» وضمت رؤساء الدول الأربع الساحلية كان غرضها أن يوضح الرئيس الفرنسي مهمات القوة التي ستحل محل «برخان» وروزنامة التحولات المرتقبة وكيفية التعامل مع القوة الأفريقية المشتركة «جي 5» وقوة التدخل الأوروبية قيد البروز المسماة «تاكوبا». وباختصار، كانت مهمة ماكرون أن يعلم القادة الأفارقة بمخططات بلاد للأشهر القادمة. وتجدر الإشارة إلى أن ماكرون أجرى جولة واسعة من المشاورات مع قادة هذه الدول واستقبل بداية الأسبوع المنتهي رئيس تشاد وأمس محمد بازوم، رئيس النيجر.
باكورة القرارات الفرنسية الإعلان عن عزم باريس إغلاق القواعد العسكرية التي تشغلها في شمال مالي بدءاً من «النصف الثاني من عام 2021» أي بدءاً من الآن بحيث تكتمل عملية الإخلاء مطلع عام 2022. وسيتم إغلاق قواعد كيدال وتيساليت وتمبكتو ما يشكل خطوة أولى في العملية المزدوجة التي تقوم على خفض عديد القوة الفرنسية البالغة في الوقت الحاضر 5100 رجل وإعادة انتشار القوة المتبقية وتحديد مهماتها المستقبلية بالتشارك مع القوة الأفريقية المسماة «جي 5» التي تتشكل من وحدات دول الساحل والتي تعمل فرنسا على تعزيزها عدداً وتسليحاً وتمويلاً وبالارتكاز إلى قوة الكوماندوز الأوروبية التي ما زال عددها ضئيلاً حتى اليوم. ووفق المعلومات المتوافرة، فإنها لا تزيد على 600 عنصر. نصفهم في الوقت الحاضر من أفراد القوة الفرنسية. وامتنع ماكرون عن الإدلاء بتفاصيل عن روزنامة الانسحابات الفرنسية وذلك «لدواعٍ أمنية»، إلا أنه أشار إلى أن عدد القوة الفرنسية في صيغتها الجديدة ومع انتهاء المرحلة الانتقالية سيتراوح ما بين 2500 و3000 عنصر الأمر الذي يتطابق مع الأرقام التي تسربت لاحقاً من مصادر عسكرية فرنسية. وأكد ماكرون أن هذه القوة ستحظى بدعم القوة الجوية الفرنسية المرابطة في تشاد، في جزء من مطار العاصمة نجامينا وبدعم القوة الفرنسية الموجودة في شاطئ العاج. ليس سراً أن قرار باريس أثار قلقاً أفريقياً. والرأي السائد أن القوة الأفريقية المشتركة لن تكون قادرة على الحلول محل قوة «برخان» وأن العواصم الخمس ستكون أكثر ضعفاً بمواجهة التنظيمات الجهادية والإرهابية.
والرد الفرنسي أن باريس «لا تنسحب وإنما تعيد انتشار قواتها». وقال ماكرون أمس في المؤتمر الصحافي الذي أعقب القمة وإلى جانبه رئيس النيجر إن التحولات التي أراها «سببها الحاجة للتأقلم مع التغيرات التي تحصل لدى المجموعات الإرهابية ومواكبة تحمل دول المنطكقة لمسؤولياتها».
وباختصار، فإن ماكرون يريد أن تقوم الجيوش الوطنية والقوة الأفريقية المشتركة بدعم من قوة «تاكوبا» الأوروبية والغطاء الجوي الذي تستطيع باريس تقديمه بالمهمات التي كانت تقوم بها قوة «برخان» فيما سينصب عمل القوة التي ستحل محلها على ملاحقة التنظيمات الإرهابية في إطار «التحالف لدول الساحل» الذي يريده أفريقياً ــ فرنسياً ــ أوروبياً ودولياً. وفي هذا السياق، أعلن رئيس النيجر، في المؤتمر الصحافي نفسه أمس، أن الأفارقة «بحاجة إلى ما يمكن أن توفره لنا فرنسا ونحن لا نملكه» مشيراً إلى أمرين اثنين: «المعلومات الاستخبارية الإلكترونية التي تستطيع وسائل الرصد الفرنسية الحصول عليها وليس لنا قدرة على ذلك والدعم الجوي الذي لا نملكه وهو يكمل عملنا على الأرض». وجاء إعلان ماكرون أن باريس عازمة على تعزيز حضورها الجوي القائم في الوقت الحاضر في نيامي «عاصمة النيجر» فيما خص الطائرات المقاتلة أو الطائرات المسيرة «درون» كأنه استجابة لما طلبه الرئيس بازوم. وكشف ماكرون أن شركاء فرنسا سيستمرون في الاستفادة من قدرات قوة الرد السريع الموجودة في مالي فيما ستلغى قيادة برخان الموجودة حالياً في تشاد ولكن من غير المس بالقوة الجوية والأرضية المنتشرة هناك التي وصفها بأنها ستكون «عنصراً أساسياً» من عناصر الوجود العسكري الفرنسي في المنطقة. ومن المنتظر أن تحافظ باريس على قوة «سابر» المشكلة من وحدات خاصة والتي يرجح ضمها إلى «تاكوبا». عملياً، سيكون التركيز الفرنسي، وفق الرئيس ماكرون، على مهمتين اثنتين: الأولى، ملاحقة قادة التنظيمين الإرهابيين الرئيسيين المنتشرين في المنطقة «أي داعش والقاعدة» وضرب قدراته التنظيمية، والثانية توفير الدعم الضروري لدول المنطقة. وبأي حال، لن تقوم القوة الفرنسية في المستقبل بالمهمات التي يتعين على حكومات الدول المعنية القيام بها من توفير حضور لمؤسسات الدولة من أمن وقضاء وتعليم ورعاية صحية وفرض سلطتها في المناطق التي يتم تنظيفها من التنظيمات الجهادية والإرهابية. لا تنحصر مخاوف باريس في منطقة الساحل التي كانت سابقاً جزءاً من مستعمراتها بل تمتد إلى بلدان أخرة في أفريقيا الغربية. وتنظر الدوائر الفرنسية العسكرية والاستخبارية «وهو ما أكده ماكرون أمس»، بكثير من القلق إلى تمدد العمليات الإرهابية باتجاه دول كانت بمنأى عنها في الماضي، لافتاً الانتباه بشكل خاص إلى «الضغوط التي تمارسها المجموعات الإرهابية في المنطقة الواقعة على الحدود بين بوركينا فاسو وشاطئ العاج».
قد يهمك ايضا
ماكرون يزور عائلة ضحية هجوم رامبوييه وسط استنفار حكومي
مدرسة النخبة في فرنسا تستعد لإغلاق أبوابها بأمر من الرئيس