واشنطن ـ مصر اليوم
حذرت الولايات المتحدة، الدول العربية والجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، من تبني مواقف تصعيدية ضد قرار الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل والذي أثار موجة واسعة من الرفض الرسمي والشعبي في العالم العربي والإسلامي، وتتخوف من واشنطن من ممارسة ضغوط على عدد من الدول العربية محذرة من تعرض المصالح الأميركية للخطر.
وحملت الرسائل الأميركية في فحواها تحذيرات بمنع أي شكل من الأشكال التحريض، سواء السياسي أو الديني على الولايات المتحدة وإسرائيل، مع التعهد في الوقت ذاته بالضغط على إسرائيل للمضي قدمًا في إجراء تسوية تدور في فلك حل الدولتين إذا توافق الإسرائيليون والفلسطينيون على ذلك.
وتخشى الولايات المتحدة من انعكاسات قرارها على مصالحها وعلاقاتها بالعديد من الحلفاء الإقليميين، في حال إقدام أي منها على اتخاذ إجراءات اقتصادية تمس استثمارات الصناديق السيادية العربية بالولايات المتحدة، أو التراجع عن الصفقات العسكرية والتجارية التي أبرمتها معها.
وتعتزم الإدارة الأمريكية إيفاد نائب الرئيس مايك بنس - الذي يعتبر مع السفير الأمريكي بإسرائيل فيلد مان بمثابة "المهندسين" لقرار نقل السفارة الأمريكية للقدس – إلى العديد من دول المنطقة خلال الفترة المقبلة، في محاولة للتخفيف من وقع القرار، وإعطاء تطمينات وضمانات لممارسة ضغوط على إسرائيل، من أجل المضي قدمًا في عملية السلام المجمدة مع الفلسطينيين.
يأتي هذا فيما استبعدت مصادر دبلوماسية، اتخاذ الجامعة العربية موقفًا تصعيديًا، مرجحة ألا يتجاوز الأمر إعلانات شجب وإدانة دون الاقتراب من الصيغ المطروحة المتمثلة في تجميد الاتصالات مع الولايات المتحدة، أو حتى إصدار تهديدات بقطع العلاقات الدبلوماسية مع أي دول تقوم بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.
وقال الدكتور عبدالله الأشعل، مساعد وزير الخارجية السابق، إنه "من الصعب أن تقدم الجامعة العربية أو منظمة التعاون الإسلامي على اتخاذ أي خطوات جادة لمواجهة القرار الأمريكي، لاسيما أن وأن هناك رسائل تهديد مبطنة وجهت إلى العديد من الدول العربية من أجل عدم اتخاذ أي موقف رافض بشكل جاد للتوجه الأمريكي".
وعلى الرغم من تثمينه للخطوة التركية بالتلويح بقطع العلاقات مع إسرائيل حال الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، رأى الأشعل أن "الأمر لن يجد تماهيًا من الدول العربية والإسلامية الكبرى، في اتخاذ خطوة مماثلة للتهديد التركي"، مشيرًا إلى أن "الأوراق بيد الدولة العربية باتت محدودة، في ظل علاقاتها الوثيقة بالولايات المتحدة".
وأوضح أن "غياب أوراق التأثير العربية في واشنطن، كرّس شعورًا لدى الرأي العام بأن الأمر سينتهي إلى الاعتراف بالأمر الواقع مهما كانت ردود الفعل الشعبية لرفض الانصياع للقرار الأمريكي، فالفلسطينيون ورغم تلويحهم بانتفاضة ثالثة ودعوتهم للإضراب العام سيجدون نفسهم في النهاية وحدهم في المواجهة، فضلاً عن ضغوط عربية شديد سيتعرضون لها للقبول بالأمر الواقع والموافقة على أن تكون أبو ديس والعيزرية بالقرب من القدس الشرقية هي عاصمة الدولة الفلسطينية في المستقبل". وأشار إلى أن "وجهة النظر الأخيرة حول ضعف أوراق الضغط العربية تواجه مقاومة شديدة من قطاعات عريضة من الشعب العربي ترى أنه مهما كان الموقف العربي ضعيفًا؛ فهو يملك أوراقًا مهمة تجبر واشنطن على التراجع في اعترافها بالقدس وعدم المضي قدمًا في نقل السفارة الأمريكية للقدس".
واقترح عبود الزمر، عضو مجلس شورى "الجماعة الإسلامية"، حزمة من الخطوات الواجب اتخاذها لمواجهة عبث ترامب بالهوية العربية للقدس، منها ضرورة تجميد العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل لحين التراجع عن القرار، ووقف الاتصالات مع الولايات المتحدة، مع إمكانية استدعاء السفراء بشكل جماعي لدفعها للتراجع، ومراجعة موقف الاستثمارات العربية في الولايات المتحدة، وسحب ما أمكن منها من الأسواق الأميركية، واستثمار جزء كبير منها في المحيطين العربي والإفريقي. وشدد الزمر في تصريحات إلى "المصريون" على أهمية ووقف تدفق باقي الأموال التي تم التعهد بدفعها للولايات المتحدة في القمة الإسلامية والأمريكية بالرياض ورفض استقبال نائب الرئيس الأمريكي في زيارته المرتقبة للمنطقة لشرح دوافع القرار الأمريكي، لاسيما أن قرار ترامب أوضح الرؤية وبالتالي لا نحتاج لمن يشرحها لنا. وحض الزمر، الزعماء العرب والمسلمين "على رفض قبول الولايات المتحدة كوسيط في أي أزمة، واستبدالها بالأوروبيين والروس، وقطع العلاقة مع أي دولة تنقل سفارتها مع القدس، إذ كانوا جادين فعلاً في الدفاع عن المدينة المقدسة وهويتها، وأولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين".
ورأى الزمر أن "الموقف الآن مناسب لجمع شمل الأمتين العربية والإسلامية، وتوحيد الصفة، وتصفية الخلافات وفي مقدمتها أزمة الخليج"، مشيرًا إلى "إمكانية إجبار واشنطن علي التراجع عن قرارها الأخير حيال القدس إذا تمت إدارة هذه الأزمة بحكمة وقوة". واستدرك قائلاً: "نستطيع صنع أزمة كبيرة للولايات المتحدة قد تطيح بالرئيس ترامب خصوصًا أن السياسة الأمريكية تهتم بالعالمين العربي والإسلامي ولا تستغني عن العلاقة القوية بهما، فضلاً عن أن ترامب يواجه أزمات شديدة حولته لبطة عرجاء في عامه الأول في البيت الأبيض". ودعا عضو مجلس شورى "الجماعة الإسلامية"، الحكومات العربية إلى أن "تفسح للشعوب حق التعبير عن إرادتها ورأيها في هذه القضية، خصوصًا أن هذه الشعوب تدعم أية خطوات جادة للحفاظ على القدس وهويتها انطلاقًا من قناعتها بعروبة وإسلامية القدس وأن فلسطين كلها محتلة ويجب تحريرها".