العدوان الإسرائيلي على غزة

تساءل الكاتب الصحفي مايكل كوهين عن كيفية إنهاء الصراع العربي - الإسرائيلي ، مشيرا إلى أن هذا التساؤل يتم طرحه منذ قبل ولادة معظم الأحياء ، ولا يزال مستعصيا على الإجابة في ظل الوضع الراهن في غزة.
ورأى كوهين - في مقال نشرته صحيفة (الأوبزرفر) البريطانية - أن ثمة مأساة لا تقل عن مأساة سقوط قتلى في غزة وإسرائيل ، وهي أنه برغم كافة الجهود الدبلوماسية الأمريكية لوضع حدّ لهذا الصراع ، فإن أيا من الطرفين المتقاتلين لا يبدو مهتما بوضع هذا الحد ، أو البحث عن حل طويل المدى للصراع.
وقال " إن حماس ألزمت نفسها بانتهاج سياسة مهاجمة إسرائيل بصواريخ بدائية معظمها لا يصيب شيئا أو يتم التصدي له ، وهي على يقين بأن إطلاقها لتلك الصواريخ سيُكبّد الشعب الفلسطيني ثمنا فادحا".
وعلى الجانب الآخر ، رصد الكاتب استعدادا إسرائيليا لعمل ما هو أكثر في هذا المضمار ، فقال " لقد قتلت إسرائيل أكثر من ألف فلسطيني لإيقاف صواريخ أضرت بحفنة مدنيين إسرائيليين".
ورأى كوهين " أن هذه الموجة القتالية تخدم حركة حماس ، بالضغط على إسرائيل لتخفيف حدة الحصار الإقتصادي المفروض على قطاع غزة ، بالإضافة إلى ما تمثله من نصر سياسي رمزي ، إذ تؤكد على تصدّر الحركة جبهة المقاومة الفلسطينية ضد إسرائيل ، في ظل تراجع دور السلطة الفلسطينية في الضفة بقيادة محمود عباس الذي يشاهد الأوضاع الدامية يوميا دون القدرة على عمل أي شيء".
وقال " إن القضية ليست متمثلة في القتال من عدمه ، بقدر ما هي متمثلة في درجة العدوانية التي يتصف بها القتال ، فثمة فريقا في إسرائيل في مقدمته رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ، لا يريد أكثر من إنهاء هذه الحرب قبل خروجها عن السيطرة أكثر من ذلك ، خشية ارتفاع الثمن على الصعيد الدبلوماسي في ظل فظاعة الوضع الإنساني الذي خلفته الحرب في غزة ، لكن ثمة فريقا آخر متمثلا في متطرفي اليمين بحكومة نتنياهو ممن يرغبون في استمرار العدوان على غزة لحين إلحاق الهزيمة بحماس أو على الأقل تركها عاجزة عن شن أي هجوم مؤثر على إسرائيل".
ونوه كوهين ـ في هذا الصدد ـ بقول وزير الاقتصاد الإسرائيلي نفتالي بينيت ـ وهو يميني متطرف ـ " لا تلقوا السلاح ولا تتوقفوا حتى تحقيق الهدف ، إضربوا حماس بلا رحمة حتى نزع سلاحها ، حتى النصر ، حتى ننجز العمل".
وعقب علي ذلك بالقول " إن هذه الاستراتيجية غير مجدية ، بل وتبدو مستحيلة على الصعيد العسكري ، ذلك أن هذا الهدف الذي يتحدث عنه الوزير نفتالي بينيت لا يمكن تحقيقه في الواقع إلا عبر إعادة احتلال قطاع غزة ، وهو سيناريو من غير المحتمل أن يجد قبولا في الشارع الإسرائيلي ، إلا أن الحديث عن اختطاف ضابط إسرائيلي وخرق الهدنة من شأنه وضع مزيد من الضغوط على كاهل نتنياهو ودفعه صوب تصعيد العمليات العسكرية ، إن تبعات هذا القرار تبقى بمثابة سؤال مفتوح ، تماما مثل السؤال الذي يتعلق بمدى انغماس إسرائيل في هذه الحرب ، فكلما انغمست إسرائيل أكثر في غزة ، كان من الصعب خروجها منها".
والتفت الكاتب إلى دور الولايات المتحدة المعتاد في مثل هذا التوقيت بالمشاهد المشابهة ، مشيرا إلى صعوبة الدور هذه المرة في ظل هذا المناخ ، والتي ترجع في جزء منها إلى أن أيا من الطرفين لا يبدو مهتما بالإستماع للنصح الأمريكي.
واعتبر عجز الولايات المتحدة عن إيقاف رحى الحرب الدائرة في غزة حتى الآن بمثابة ضربة للدبلوماسية الأمريكية ودليل آخر على أن كلا الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني يركز اهتمامه فيما يعتقد أنه يصّب في مصلحته الضيقة ، دون الإكتراث كثيرا بما تقوله واشنطن.
وقال كوهين " إننا لو كنا في عالم مثالي ، لأدرك الإسرائيليون أن شنّ حروب على غزة كل بضع سنين ليس استراتيجية ناجحة على المدى الطويل ، وأن الطريق الوحيد لضمان أمن إسرائيل هو البحث عن حلّ دبلوماسي للصراع ، ولكن وصفَيّ (عالم مثالي) و(الشرق الأوسط ) لا يجتمعان ".
ووضع صاحب المقال تصورا لحل رآه الأفضل على المدى القصير ، وهو أن يتم تولية السلطة الفلسطينية السيطرة على المعابر الحدودية في قطاع غزة ، بما يخفف من وطأة الحصار بعض الشيء الأمر الذي يحقق لحماس انتصارا معنويا ، بالإضافة إلى ما أوقعته من خسائر بشرية في صفوف القوات الإسرائيلية.
على الجانب الآخر ، رأى كوهين إمكانية أن تتراجع إسرائيل وراء حدود غزة بعد تدمير أنفاق حماس ، بما يمثل تحقيقا لأهداف استراتيجية ، وتابع " لكن بالنسبة لكل الأطراف ، ستبقى هذه المحصلة نتيجة جوفاء إن لم تكن بلا معنى لحرب أخيرة استعدادا لحرب مقبلة وأخرى تالية وأخرى لاحقة ".
واختتم مقاله " ولكن ، كيف ينتهي هذا الوضع ؟ أظن أن ثمة تواردا للخواطر فيما بيننا ، لكَمْ يصعُب الهرب من الحقيقة الحزينة والمرعبة وهي أنه لا نهاية لهذه المأساة ".

/أ ش أ/