تحسن الاقتصاد في نشرات الأخبار والمصريون ينتظرون بسكون

تدفقات بالبلايين، وأرباح بالملايين، وإنجازات بالمئات، وأخبار يومية بالعشرات، ومواطنون لا حصر لهم يتساءلون عن موقفهم من هذه الأرقام وتلك. ولكن لأن علاقة المصريين بالأرقام البليونية والتقديرات المليونية ليست وليدة الأمس أو أول قبله، فهم يتعاملون مع تساؤلاتهم تعاملاً هادئاً رصيناً لا يعكس ثورة أو ينبئ بفورة. فقد باتت تصريحات الاقتصاد المتعافي والأداء المتعاظم واقعاً تاريخياً يتعايشون معه.

فقد تعايش المصريون مع تصريحات شتى وتأكيدات لا حصر لها عن الأداء الاقتصادي المقارب لحد المعجزات على مر التاريخ المعاصر. وعلى رغم تفاوت صدقية المعجزات، بين الحقيقة ونصفها وربعها، فإن الغالبية لا تتعامل معها بجدية كبيرة.

وتتوالى عناوين نشرات الأخبار وصفحات الجرائد ومقدمات برامج "التوك شو" لتطرب آذان الملايين وتسعد القلوب التي أعيتها الجيوب السريعة النضب، عندما تسمع العناوين التالية: "مصر على طريق الريادة، مصر تعود وجهة للاستثمار العالمي، مؤشرات إيجابية للسوق المصرية، الإصلاح النقدي أنقذ الاقتصاد، ارتفاع احتياطي النقد الأجنبي، تحسن كبير في أداء الاقتصاد، الاقتصاد المصري تجاوز مرحلة التدهور، تحسن كبير، تقدم كبير، تقدم أكيد ... ".

لكن النبض المتسارع نتيجة الإرهاق المادي والضغط العصبي والانتظار الذي طال لا تداويه التصريحات الاقتصادية المتتالية وحدها. سائقو أجرة يسمعون نشرات الأخبار عشرات المرات أثناء التجوال، ومترددون على المقاهي يتداولون أخباراً معاداً تدويرها عن إنجازات اقتصادية وطفرات مالية، وركاب ومارة وقراء صحف وغيرهم ملايين من المصريين يلاحظون تصاعداً في وتيرة أخبار الاقتصاد الإيجابية، ولا ينتظرون سوى التفعيل.

ماذا نفعل بهذا الكم من الأخبار والتصريحات التي يفترض أن تسعد المواطنين وتبهجهم لكنها لا تغذي جيوبهم أو تلبي مطالبهم؟ تساءل الموظف الذي أصر على المشاركة الهاتفية في برنامج إذاعي طرح سؤالاً قوامه: هل تشعر بتحسن الأداء الاقتصادي؟

تحسن الأداء الاقتصادي موضوع الحلقة تم الإعداد له بمقتطفات من إحصاءات تشير إلى تحقيق الاحتياطي النقدي الأجنبي أعلى مستوياته منذ عام 2011، وانخفاض معدل البطالة إلى 11.98 في المئة في الربع الثاني من العام الحالي مقابل 12.5 في المئة في الفترة نفسها من العام الماضي، وارتفاع إيرادات قناة السويس في تموز/يوليو الماضي إلى 447.1 مليون دولار مقارنة بـ427.2 مليون دولار في حزيران/يونيو الماضي، وتحسن ميزان المدفوعات محققاً فائضاً بنحو 11 بليون دولار.

المقدمة التي تم اختيارها بعناية من عناوين الصحف المتداولة هذه الأيام كان يفترض أن تنزل برداً وسلاماً على صدور المستمعين. لكن ما جرى هو أن البعض أدار المؤشر بعيداً، والبعض الآخر فضل أن يتنهد عميقاً، وفريق ثالث انتظر ما ستسفر عنه الحلقة من آثار قد تكون حميدة.

احتياطي أجنبي متصاعد، وبطالة محلية متقلصة، وأرباح وطنية متفاقمة، وخسائر مالية متقزمة، ومشروعات كبرى مقبلة، وقائمة الأخبار المتداولة طويلة، والخبراء الذين يدلون بدلوهم رسموا صورة جميلة قوامها طمأنة وإطارها إيجابية وصدقية. لكن يظل الشارع قاتماً والمواطن الذي اتصل في بداية الحلقة متسائلاً: وكيف يؤثر كل ذلك في جيبي؟

جيوب المواطنين التي تئن بدرجات متفاوتة لا تعني غضباً عارماً أو ثورة مقبلة أو حتى حراكاً قائماً. وحتى مطالب تحسين الأوضاع عبر تثبيت الأسعار أو مراقبة الأسواق أو معاقبة التجار لم تعد تتردد كثيراً. مال المصريون إلى مناحٍ نظرية ومطالبات فلسفية. هناك من يطالب بأن يوحد المسؤولون تصريحاتهم الخاصة بتوقيت التحسين، حيث وزراء ومسؤولون من الحكومة نفسها يؤكدون أن الإصلاح الاقتصادي سيكشف عن مفاجآت سعيدة بعد ستة أشهر أو عام أو عام ونصف عام أو عامين أو ثلاثة. وهناك من يلتمس تدخلاً حكومياً رادعاً في الأيام القليلة التي تسبق عيد الأضحى وما يليه من كابوس عام دراسي جديد، ما يعني حملاً اقتصادياً مضاعفاً. وهناك من نزل بسقف طموحاته طواعية فلم يعد يخطط لشراء كيلو لحم في العيد أو حذاء جديد للابن قبل المدرسة أو ما شابه، لكنه يعبر عن قلق بالغ من القدرة على سداد فاتورة الكهرباء المقبلة، ومعدل زيادة أسعار الغذاء المتوقعة، وسبل استبدال الاحتياجات الرئيسية بأخرى أقل منها سعراً.

قبل عامين قال 80 في المئة من المصريين إنهم يرون مستقبل مصر الاقتصادي متراوحاً بين ممتاز إلى جيد خلال السنوات الخمس التالية، وقال 15 في المئة إنهم يرونه سيئاً. (استطلاع أجراه المركز المصري بحوث الرأي العام في 2015). هذه الأيام، يرجح أن تكون الكتلتان قد تبادلتا موقعيهما، حيث الأقلية تتوقع تحسناً جيداً، والغالبية إما تتوقع الأسوأ أو فقدت القدرة على التوقع من الأصل. أما الاستمرارية فهي من نصيب الانتظار الساكن الذي يشوبه قليل من الملل وكثير من القلق.