رام الله - وليد أبوسرحان
باتت قصَّة الشقيقتان فاطمة وزينب مثار اهتمام إعلامي في الأوساط الفلسطينيَّة، عقب تداول قصة لقائمها في مطار الدَّوحة لمدة 15 دقيقة، بعد أن حرمتهم إجراءات الاحتلال الإسرائيلي من رؤية بعضهما البعض 15 عامًا على التَّوالي. فاطمة وزينب، هما شقيقتان فلسطينيتان تنحدران من قطاع غزة، فرقتهما ظروف الحياة وإجراءات الاحتلال والحصار، الذي قطع أوصال الأرض والشعب الفلسطيني، فلم يجتمع شملهما ولم تلتقيا منذ 15 عاما وأكثر، ففاطمة بعد زواجها في الضفة الغربية، استقرت مع زوجها في مدينة رام الله، فانقطعت جميع سبل الوصول لعائلتها في غزة، أما شقيقتها زينب، فبعد زواجها من فلسطيني الجنسية يقيم في دولة قطر استقر بها المقام هناك، وكلتاهما تعيشان وطأة الظروف القاهرة، بسبب بعدهما عن عائلتهما في قطاع غزة المحاصر منذ أعوام. ولم تتبدَّد أمنيات اللقاء، رغم جميع المآسي والمصاعب، لذلك كانت فرحة فاطمة كبيرة جدا، عندما علمت أن طريقها للمشاركة في دورة تدريبية في جاكرتا باندونيسيا تمر عبر مطار الدوحة في قطر، لأنها خططت لرؤية شقيقتها وزوجها وأطفالها، التي حالت الظروف السياسية من رؤيتهم لبعضهم البعض، وقبيل السفر، سارعت فاطمة للاتصال بشقيقتها، وأبلغتها بموعد وصولها من عمان، مقبلة من الضفة الغربية التي لا تزال ترزح تحت الاحتلال منذ العام 1967. فراقبت فاطمة وزينب عقارب الساعة، بانتظار لحظة العمر كما تصفها فاطمة التي استعادت في طريقها الشاق والطويل عبر المعابر التي يسيطر عليها الاحتلال شريط الذكريات التي تؤجج مشاعر الشوق والحنين والأمل لجمع شملها بشقيقتها، وعندما وطأت قدميها أرض مطار الدوحة، فسارعت للاتصال بشقيقتها وكلها أمل بعناق يمحي فراق الأعوام الطويلة، ولكن جرت الرياح بما لا تشتهي السفن، فالصدمة الكبرى وقعت عندما منعت سلطات المطار زينب وعائلتها من الدخول إلى أرض المطار تحت ذريعة أنهم غير مسافرين، ورفضت السماح لفاطمة بالخروج خارج أرض المطار، بحجة أنها لا تحمل تأشيرة دخول إلى دولة قطر. ووصف بعض الزملاء الذين كانوا مع فاطمة الوضع والمنظر بـ "المؤلم"، ولكن فاطمة التي تمتلك الخبرة في مقارعة وتحدي هذا الواقع، استمرت في محاولاتها، في الوقت ذاته، كانت زينب وزوجها يشاركانها استغاثة سلطات المطار القطرية منحهما هذه الفرصة التي لن تتكرر أبدا، لكن دون جدوى. ووفق تقرير نشرته صحيفة القدس المحلية، فإن زوج زينب لجأ لبعض معارفه الشخصية في دولة قطر، لمساعدته في حل هذه المعضلة، لكن دون جدوى. وطلب من شقيقة زوجته الذهاب إلى ضابط النظام في المطار والطلب منه ولأسباب إنسانية أن تتمكن من رؤية شقيقتها، وتصف فاطمة هذه اللحظات بأنها من أقسى اللحظات التي مرت بها في حياتها، وتقول: لا تكفي ممارسات سلطات الاحتلال، لتأتي إجراءات أشقائنا العرب، فلا أي اعتبار لظروف إنسانية وأية عواطف أو مشاعر أخوية، أو أية اعتبارات للمعاناة الفلسطينية. ورغم ذلك، لم تستسلم وسعت مع زملائها الفلسطينيين المسافرين معها والمغادرين إلى أندونيسيا للحديث مع مسؤولي سلطات المطار غير أن الرفض كان هو الرد بحجة أنها تحمل جواز سفر فلسطيني. وقال زملاء فاطمة في السفر للدورة التدريبية في أندونيسا: إنها لحظات مؤلمة وقاسية عاشتها فاطمة، فانهارت من الواقع الجلل، وانهمرت دموعها بغزارة، بعدما تبدد حلمها برؤية شقيقتها التي تعد جزءا من عائلتها المشتتة بين الضفة الغربية وقطاع غزة والشتات، خصوصا بعد إغلاق هاتفها الجوال الذي فرغ من الشحن، ووسط أجواء الألم والتأثر، بعد قرابة ساعتين رن هاتف صديقة فاطمة المرافقة لها في رحلتها، وإذا بشقيقها عمر من قطاع غزة، يخبرها أن هناك خبرا سارا بانتظارها، ويليه اتصال من زوج شقيقتها في قطر، الذي طالبها بالتوجه إلى أحد المسؤولين في المطار لترى شقيقتها، فانتعش الأمل من جديد، وسارعت فاطمة للبحث عن الموظف الذي كان يبحث عنها أيضا، وبعد اللقاء اقتادها إلى غرفة صغيرة خاصة بموظفي المطار وسط استغراب جميع الموظفين من دخولها إلى هذا المكان وسؤالهم عن السبب. ورأت فاطمة اخهتا وعانقتها بشدة، لكنها سقطت أرضا، فتسارع الاطباء لفحصها وأخرجوا فاطمة بسرعة كبيرة، ورفضوا السماح لها بالاطمئنان عليها أو تسليمها الهدية التي اشترتها لها من مطار الدوحة. سارعت فاطمة وبعدما استقرت في جاكرتا لعرض قضيتها على سفير دولة فلسطين في إندونيسيا السيد فريز مهداوي، أثناء حفل استقبال رسمي نظمته الجهة المشرفة على الدورة التي تشارك بها والتي تأتي في إطار توثيق العلاقات بين حكومتي أندونيسا وفلسطين. وقصت عليها ما حدث في مطار الدوحة بقطر، ووعدها بالمساعدة وحصل منها على جواز سفرها وأسماء وعنوان شقيقتها وزوجها في قطر، وسألها عن رغبتها في الدخول إلى قطر يوم أو يومين لزيارة عائلة شقيقتها، غير أنها طلبت منه أن يمكنها من رؤيتها في المطار لدى عودتها من أندونيسيا بعد انتهاء هذه الرحلة خلال الأسبوع المقبل. مرة أخرى، بدأت فاطمة تحصي الدقائق والثواني بانتظار رحلة العودة، بعدما استعادت الأمل، إثر وعود السفير، خصوصا أنه قبيل سفرها سلمها نائب السفير جواز سفرها وأخبرها بأن السفير الفلسطيني قد تحدث بشأنها مع نظيره القطري ووعدها خيرًا، وفي اليوم النهائي للدورة وقبيل ساعات معدودة من التوجه إلى مطار جاكرتا، أبلغ السفير القطري فاطمة أنه قد تحدث مع السفير القطري وهو بانتظار معرفة موعد وصول الطائرة إلى مطار الدوحة للاتصال مع أشخاص يعرفهم داخل المطار لمحاولة تقديم المساعدة وحدوث اللقاء، فرحت فاطمة ولم تتوقف عن شكرهم على هذه الجهود، لكن في الجهة المقابلة، يواصل شقيقها عمر في قطاع غزة وزملائها في العمل في رام الله مع زوج شقيقتها في قطر السعي من أجل دخولها إلى دولة قطر. وفي انتظار اكتمال الأمل الذي لم يتحقق في الذهاب، تغادر فاطمة أرض أندونيسيا تلك الدولة التي يعيش فيها أكبر نسبة من المسلمين في العالم، وتحلق الطائرة في الجو حاملة معها المشاعر ذاتها في الإياب، فبحوزتها رزمة من الوعود، ولم تتوقع سوى الخير. قبيل نهاية رحلة السفر من أندونيسيا التي تستغرق 8 ساعات للوصول إلى قطر، تكرر فاطمة الاتصال بزوج شقيقتها عبر الرسائل القصيرة على الهاتف النقال، لإبلاغه بلحظة وصولها إلى أرض المطار، ولحظات معدودة وبعد هبوط الطائرة ودخول صالة الانتظار تذهب فاطمة إلى البوابة رقم 1 عند الجوازات، وفجأة تحضر شقيقتها و2 من أبنائها الـ 6، لتحضن بعضهما الأخرى وتتعانقان بكل حرارة، وذلك بعد أن حصلت زينب (32 عاما) وابنها وابنتها فقط على تأشيرات دخول لدولة البحرين، حتى تتمكن من الدخول إلى أرض المطار ومقابلة شقيقتها الكبرى فاطمة (38 عاما)، وسط مزيح من الدموع والابتسامات، ونظرات المسافرين استمرت لمدة 15 دقيقة.