البحر الأحمر - محمد بكر عبد الوهاب
في فجر مثل هذا اليوم 9 نيسان/ أبريل عام 1948م ، بعد أسبوعين من توقيع معاهدة سلام طلبها رؤساء المستوطنات اليهودية، والتي وافق عليها أهالي قرية "دير ياسين" الفلسطينية العربية ، دخلت قوات "الأرجون" من شرق قرية "دير ياسين" وجنوبها، ودخلت قوات "شتيرن" من الشمال ليحاصروا القرية من كل جانب ما عدا الطريق الغربي ، حتى يفاجئوا السكان وهم نائمين
كان يسكن قرية "دير ياسين" الفلسطينية العربية الصغيرة 400 شخص يتعاملون تجارياً مع المستوطنات المجاورة ، ولا يملكون إلا أسلحة قديمة، ويرجع تاريخها إلى الحرب العالمية الأولى.
وقد قوبل الهجوم بالمقاومة - في بادئ الأمر - وهو ما أدَّى إلى مصرع أربعة وجرح 40 من المهاجمين الصهاينة.
وارتكب المذبحة منظمتان عسكريتان صهيونيتان متطرفتان ، وهما منظمة "الأرجون" التي كان يتزعمها "مناحم بيجين" رئيس وزراء إسرائيل - فيما بعد - ومنظمة "شتيرن ليحي" التي كان يترأسها "إسحق شامير" الذى خلف "بيجين" في رئاسة الوزارة.
وتم الهجوم باتفاق - مسبق - مع "الهاغانا" وراح ضحيتها زهاء 260 فلسطينياً من أهالي القرية العزل .
وتحت صمود أهل القرية ، أجبر المهاجمون على استدعاء دعم من قوات "البالماخ" في أحد المعسكرات بالقرب من القدس، حيث قامت من جانبها بقصف القرية بمدافع الهاون لتسهيل مهمة المهاجمين، ومع حلول الظهيرة أصبحت القرية خالية تماماً من أية مقاومة، فقررت قوات "الأرجون" و"شتيرن" استخدام الأسلوب الوحيد الذي يعرفونه جيداً، وهو الديناميت.
وهكذا استولوا على القرية عن طريق تفجيرها منزلا - منزلا ، وبعد أن انتهت المتفجرات لديهم قاموا "بتنظيف" المكان من آخر عناصر المقاومة عن طريق القنابل والمدافع الرشاشة، وكانوا يطلقون النيران على كل ما يتحرك داخل المنزل من رجال، ونساء، وأطفال، وشيوخ، وأوقفوا العشرات من أهل القرية إلى الحائط وأطلقوا النار عليهم، واستمرت أعمال القتل على مدى يومين.
ثم جاء دور اخفاء جريمتهم حيث قاموا بإلقاء الجثث في بئر القرية وأُغلق بابه بإحكام لإخفاء معالم الجريمة، وخلال دقائق، وفى مواجهة مقاومة - غير مسبوقة - تحوَّل رجال وفتيات "الأرجون" و"شتيرن" الذين كانوا شباباً، يدعون أنهم ذوى مُثُل عليا، إلى "جزارين" يقتلون بقسوة وبرودة ونظام، ومنعت المنظمات العسكرية الصهيونية مبعوث الصليب الأحمر "جاك دي رينييه" من دخول القرية لأكثر من يوم ، بينما جمع أفراد "الهاغانا" الذين احتلوا القرية جثثًا أخرى في عناية وفجروها لتضليل مندوبي الهيئات الدولية، وللإيحاء بأن الضحايا لقوا حتفهم خلال صدامات مسلحة، ولكن مبعوث الصليب الأحمر عثر على الجثث التي أُلقيت في البئر فيما بعد.
وقد عبَّرت الدولة الصهيونية عن فخرها ب"مذبحة دير ياسين" بعد 32 عاماً من وقوعها ، حيث قررت إطلاق أسماء المنظمات الصهيونية {الأرجون ، أتسل ، البالماخ ، الهاغانا} على شوارع المستوطنة التي أُقيمت على أطلال القرية الفلسطينية.