القاهرة – محمد فتحي
القاهرة – محمد فتحي
اعتبر الأستاذ في كلية الآداب، في جامعة القاهرة، ورئيس "الجمعية المصرية للتاريخ"، الدكتور محمد عفيفي, في حديث خاص إلى "مصر اليوم"، أن "ما حدث في جنوب مصر، وتحديدًا في النوبة، كان شيء
غير مُتوقَّع".
وأضاف عفيفي، أن "للمرة الأولى يحمل أهل النوبة الطيبين السلاح, فمنذ فجر التاريخ والعالم كله يعرف أنهم طيبين ومسالمين، ويكرهون العنف بكل أشكاله وأنواعه، وإن كانت هناك مشاكل ثأر، وعادات تتأصل في الصعيد دون غيره، إلا أن النوبة كانت الاستثناء الوحيد، وحدث على مر التاريخ الحديث والقديم، مشاكل بين القبائل في الصعيدية، وخلفت الكثير من الضحايا، وحدثت أيضًا مشاكل دينية، وفتن، مثل فتنة الكشح وغيرها, وكانت أيضًا النوبة هي الاستثناء, وما أدهشني هو الصدام الدموي، والقتل السريع، وهناك علامات استفهام عن أسباب التغيير المفاجئ في سلوك أهل النوبة".
وتابع, إن "التاريخ يرصد أشياءً فيها العبرة والعظة، ويحتوي على الكثير من الدروس، وتعلمنا أن وقت الثورات والأزمات الكبرى التي تمر بها الدول وتضعف على إثرها الإدارة المركزية للدولة، يكون أول رد فعل قوي في الأطراف, وهذا ما حدث عقب ثورة كانون الثاني/يناير في العام 2011، حيث ضعفت الإدارة المركزية للدولة في القاهرة, فوجدنا قلاقل في سيناء، ووجدنا حرب ضروس بين المتمردين من الإرهابيين، والعملاء ضد الدولة، ولا تزال الدولة تحارب هناك حتى الآن؛ لأن هؤلاء استغلوا ضعف الدولة بعد سقوط نظام مبارك, ثم دفع الوطن ثمن إهمال النوبة طوال العقود الفائتة، فتحول الناس من مشهد الطيبة إلى مشهد العنف الذي شاهدناه".
وحذَّر رئيس الجمعية المصرية للتاريخ, من "تزايد العنف في النوبة إذا لم تحسم الدولة الموقف, وستشهد دماء جديدة, وتعجَّب من سعي رئيس الوزراء إلى الصلح دون فرض قوة القانون، وإعادة هيبة الدولة".
وأضاف، "كنت أتمني أن يتدخل الجيش، ويحكم قبضته على هؤلاء القتلة، ويتم تقديم كل المتورطين إلى محكمة عاجلة، وتفرض الأحكام العرفية، ويُطبَّق حذر التجول حتى يعلم الجميع، أن هناك دولة قادرة على فرض قوتها على البلاد, بدل من البحث عن الصلح الذي كان نتائجه سقوط قتلى جُدد، بعد زيارة رئيس الوزراء، المهندس إبراهيم محلب، ووزير الداخلية، اللواء محمد إبراهيم".
وأبدى عفيفي، "تعجبه من التناول الإعلامي للقضية, ومحاولة وضعها في إطار سياسي، وأن من أشعل الفتنة ينتمي إلى تيار معين"، مضيفًا "كنت أتمنى من الإعلام أن يبحث عن الحقائق، ويساعد الدولة في فرض قوة القانون، بدل من الجدل الذي لا فائدة منه، ولابد من دراسة وافية عن أسباب تخلي أهل النوبة الطيبين عن سلميتهم، وحملهم للسلاح، واستخدامه بهذا الشكل المخيف, والتاريخ لا يعترف بالضعفاء، وقوة الدولة وهيبتها لابد أن تكون في تطبيق القانون على الجميع".
وأشار إلى أن "من يقرأ مشهد الانتخابات الرئاسية الماضية، يدرك أن أهل النوبة والأقباط صوَّتوا للفريق أحمد شفيق، في الانتخابات الماضية، لأنهم يرغبون في دولة قوية تحمي حقوقهم, وتفسيري للأحداث الحالية هو أن الناس أدركت أن الدولة ضعيفة، وأن الحقوق لا تأخذ إلا بالقوة والسلاح, فوقعت الأحداث الأخيرة, فلو علم الناس أن المعتدي سينال عقابه، ما كان ليعتدي، "ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب" صدق الله العظيم".
وعن الشأن السياسي والانتخابات الرئاسية، قال رئيس "الجمعية المصرية للتاريخ",إن "كفة المشير السيسي هي الأرجح، والسبب يعود إلى أنه ينتمي إلى المؤسسة العسكرية, وهناك قطاعات عديدة من الشعب تسانده، وبالتالي لن تكون هناك منافسة مع أحد، ولكن سيحصل حمدين على نسبة ضئيلة بالمشاركة مع المستشار مرتضي منصور في حال نجاحهما في جمع التوكيلات، والترشح رسميًّا".
واختتم عفيفي حديثه مع "مصر اليوم"، قائلًا إن "كتابة التاريخ بحيادية يرجع إلى المؤرخين أنفسهم، وأن التاريخ مثل الصحافة، فإذا كان هناك صحافي حر، يكتب ما يرضى ربه، وضميره، سيكون المؤرخ كذلك، واعتقد أن رؤوس الأموال والميول الشخصية والحزبية تعلب دورًا كبيرًا في أي عمل, فهناك الكثير من الأشخاص ظَلَمهم التاريخ، وتجنَّي عليهم، ونَسب لهم الكثير من الصفات والأفعال وهم بعيدون عنها".