مجموعة "الضباط الأحرار"

كان للزعيم الراحل جمال عبد الناصر دور مهم في تشكيل وقيادة مجموعة "الضباط الأحرار"، التي قادت ثورة 23 يوليو/تموز عام 1952، حيث اجتمعت الخلية الأولى في منزله في يوليو/تموز 1949، وضم الاجتماع ضباطًا من مختلف الانتماءات والاتجاهات الفكرية، وانتخب في عام 1950 رئيسًا للهيئة التأسيسية للضباط الأحرار.

وكان بعد أن استقرت أوضاع الثورة ,أعيد تشكيل لجنة قيادة الضباط الأحرار، وأصبحت تعرف باسم مجلس قيادة الثورة وكان يتكون من 11 عضوًا برئاسة اللواء أركان حرب محمد نجيب، ثم حدثت خلافات بين عبد الناصر ومحمد نجيب مما أسفر في النهاية عن قيام مجلس قيادة الثورة برئاسة عبد الناصر بمهام رئيس الجمهورية، ثم أصبح في يونيو 1956 رئيساً منتخباً لمصر في استفتاء شعبي.

مذكرات تحية عبد الناصر

 كتبت زوجة الزعيم الراحل، تحية عبد الناصر مذكراتها على ورق مسطر في نحو 175 صفحة وأودعها أبناؤها وبناتها خزانة أحد البنوك لاختيار الوقت المناسب لنشرها وذلك في 24 سبتمبر /أيلول1973.

وتُعد المذكرات هي النسخة الثالثة لما كتبته تحية فقد سبق أن كتبتها أول مرة عام 1959 أيام الوحدة بين مصر وسوريا وأمضت في كتابتها ثلاث سنوات بعلم الرئيس، ثم قررت حرقها، قائلة: إنني سعيدة كما أنني لا أريد أن أكتب شيئًا، وبعد رحيله عاشت مع ذكرياته وكررت التجربة وسط دموعها لكنها وضعت القلم وتخلصت مما كتبت، قائلة: صحتي لم تتحمل، وفي المرة الثالثة طلب منها أصغر أبنائها عبد الحكيم أن تكتب وألح عليها لأنه متشوق لمعرفة كل شيء عن والده العظيم فكتبت ولم تتخلص مما كتبت .

 وكشفت تحية عبد الناصر في مذاكراتها , الجوانب الإنسانية في شخصية الزعيم الراحل، كما تكشف كواليس فترة ثورة يوليو/تموز .

"عبد الناصر" الإنسان

تقول تحية عبد الناصر في مذكراتها عن الزعيم الراحل: لم يكن يحب الاختلاط خاصة بين الضباط وكنت أعرف ضيوفه من أصواتهم وكان يستعمل بطارية صغيرة عند نزوله السلم ولو كان مضاءً، وكان منظمًا في كل شيء، ولا يحب أن يساعده أحد في لبسه ولا في تعليق ثيابه وكان يخرج معي مرة كل أسبوع وغالبًا إلى السينما.

وقالت "بالرغم مما فعله شقيقي عبد الحميد معه إلا أنه بعد إصابة عبد الحميد بالدرن ظل بجانبه لا يخشي العدوى، وعندما توفي عبد الحميد عاد حزينًا لم يأكل ولم يسمع أم كلثوم ورفض أن يخبرها بما جرى خوفًا عليها بعد أن أنجبت خالد بأيام قليلة.

وأوضحت أنه في يوم 16 مايو/أيار 1948 اليوم التالي لإعلان الحرب في فلسطين سافر إلى هناك كان ينزل السلالم مسرعًا ووقفت وأنا أبكي وهناك حزمة من الخطابات التي أرسلتها إليه وهو هناك لتطمئنه علي عائلته الصغيرة هدي ومني، لكن فوجئت عندما عاد في إجازة بإصابة في صدره ناحية القلب وبعد أن عاد للميدان انقطعت أخباره لتعرف بالمصادفة أنه أسير في الفالوجة لكنه رغم ذلك كان يطلب منها أن تفسح هدى دائمًا وتأخذها حديقة الحيوان وجنينة الأسماك وفي أيام انتظار عودته راحت تشغل له بلوفر من دون أكمام لونه رمادي وهو اللون المفضل لديه .

تابعت أنه "وبما فاض من مرتب الحرب المضاعف اشترى سيارته "الأوستن" السوداء ولكنه في الوقت نفسه بدأ في تخزين الأسلحة بالبيت وكتب بنفسه على الماكينة الكاتبة منشورات الضباط الأحرار، كما كان يقرأ كتابًا ممنوعا عن اشتراكية أبو ذر الغفاري، وكان كل شيء في بيته ضد السلطة.

واستطردت "كان يحذرها من أن تفتح للغرباء في غيابه خوفا من تفتيش البيت، قائلًا" لا تخافي اقفلي الباب في وجوههم وذات يوم قالت له إنها تعرف أنه يخالف الحكومة لكن ما هو الهدف فكان رده الأحسن أن لا تعرفي شيئا وتظلي كما أنت فكان أن قالت خليني زي ما أنا أحسن لا أفهم شيئا، وهي حامل في خالد تمنى بنتا ثالثة شوفي يا تحية قد إيه هدى ومنى وهما رابطين الفيونكات في شعرهما شكلهم جميل إن شاء الله لما يبقوا ثلاث بنات بهذا الجمال والفيونكات سيكونون أجمل .

الأسبوع الأخير قبل الثورة

وقالت تحية عبد الناصر إن عدد الضباط المترددين على البيت أصبح يتزايد في الفترة ما قبل ثورة 23 يوليو/تموز، وكان منهم أنور السادات الذي حضر ولم يجد جمال ووصفته بأنه اسمر شديد السمرة، وقال جمال إنه متزوج حديثا وزوجته بيضاء جدًا، وعندما قالت له ذات يوم وقد عاد إلي البيت فجراً إنها تخاف عليه وعلي أولادها من التشرد رد قائلا يا للأنانية كل ما يهمك في البلد هو زوجك وأولادك يعني لا تفكري إلا في نفسك .

وتابعت قائلة "قبل الثورة بأيام قليلة قال لي إنه مشغول جدًا في امتحان كلية أركان حرب، وإنه يشتغل في تصحيح أوراق الامتحان، وقال لي: اخرجي واتسلي واذهبي إلى السينما مع أخواتك، واصحبي معك هدى ومنى وخالد ــ وكان عمره سنتين ونصف ــ ليروا ميكي ماوس، وتذهبي إلى سينما الفالوجة، وهى قريبة من منزلنا وممكن نذهب لها مشيا، أو أي سينما تعجبك في مصر الجديدة وأغلبها صيفي الآن والجو حار، فقلت: نعم سأذهب.. وبقيت كما أنا سعيدة هانئة كل وقتي مشغول، وذهبت للسينما واصطحبت الأولاد كما قال لي .

وأوضحت قائلة" الليلتين قبل الثورة لم ينم وظل بملابسه العادية جالسا في حجرة السفرة على الترابيزة يشتغل، وفي الصباح في الساعة السابعة يدخل الحجرة ليستبدل بملابسه الملابس الرسمية ونتناول الإفطار سويًا، وقبل خروجه يقول لي: جهزي غداء زيادة لأننا سنجلس كالأمس في تصحيح أوراق الامتحان، ويحييني ويخرج .

ليلة الثورة

وقالت"في الثاني والعشرون من يوليو/تموز سنة 1952 الساعة السابعة صباحًا، دخل جمال الحجرة وكان يلبس الملابس العادية، القميص والبنطلون ولم ينم طوال الليل، جلس في حجرة السفرة يشتغل كالليلة السابقة، حياني واستعد للخروج واستبدل بملابسه العادية الملابس العسكرية وتناولنا الإفطار سويًا .

وأكّدت قائلة "خرج ورجع عند الظهر، وتناول الغداء مع الضباط وظل معهم في الصالون وحجرة السفرة وقتا ثم خرج الضيوف، تحدث معي جمال وقال: لم لا تخرجين وتأخذين معك هدى ومنى وخالد وتذهبون للسينما والجو حار وتتسلون ويذهب معك إخوتي.. فقلت: نعم سأفكر في الذهاب، وحيّاني وخرج. 

واستطردت " فضلت أن أخرج أمشى بالقرب من الحديقة التي أمام قصر القبة، وكانت غير مزدحمة مثل الآن وأغلب البيوت فيلات والمشي لطيف بالقرب من القصر حيث رائحة الأزهار، خرجت ومعي هدى ومنى وخالد ومشينا حتى بعد الغروب ورجعنا وكانت الساعة قبل الثامنة.

وتابعت "قال لي شقيقه إن أخي حضر من وقت قصير وسأل عنك وعن الأولاد وأخبرناه بأنك تتمشين عند قصر القبة، وبعد قليل حضر جمال وكان يلبس القميص والبنطلون، وأخذ يتكلم مع أولاده ويلاطفهم ويقبلهم بحرارة ويقول لهم أسماء الدلع التي اعتاد أن يقولها لهم، ويقبل هدى ومنى وخالد وعبد الحميد وكنت أحمله على كتفي، وخرج بمفرده بنفس الملابس، القميص والبنطلون .

وقالت "تناول الأولاد العشاء وناموا مبكرين كعادتهم، وظل طفلي الصغير حتى تناول وجبة الساعة التاسعة ونام، وجلست مع الليثي وشوقي، وقبل الساعة الحادية عشرة مساء قمت ودخلت حجرة النوم، رجع جمال ودخل الحجرة، فقلت في نفسي: إنه لم ينم ولا ساعة منذ يومين وها هو ذا الليلة سينام مبكرًا، وجدته بعد أن غسل وجهه فتح الدولاب وأخرج البذلة العسكرية ووجدته يرتديها.

وأوضحت قائلة" وجلست وقلت له بالحرف: أنت رايح فين بالبذلة الرسمية دلوقت؟ وكانت أول مرة أسأله أنت رايح فين منذ زواجنا، فرد علىّ بكل هدوء وصدر رحب قائلا: أنا لم أكمل تصحيح أوراق كلية أركان حرب ويجب أن أنتهي من تصحيحها، وغدا تكون كلها كاملة التصحيح، ومنذ يومين وأنا أشتغل هنا، والضابط الذي يجلس معي ونشتغل سويّا قال لي نسهر الليلة في بيته نكمل تصحيح الأوراق، وسأذهب إلى الكلية وسوف لا أرجع البيت الليلة، وانتظريني غدا وقت الغداء، وحياني وقبل خروجه من الحجرة قال لي: لا تخرجي.

صوت رصاص

ووصلت زوجة الزعيم حديثها، قائلة: وفي الساعة الثانية عشرة، سمعت صوت طلقات رصاص كثيرة شعرت بأنها صادرة من ناحية قصر القبة، فقمت مسرعة وخرجت إلى الصالة ووجدت أخويه فقلت: هذا الضرب.. الطلقات في قصر الملك ولا بد أن يكون "جمال" من الذين يطلقون الرصاص ويهاجمون القصر وبكيت .

استمرت الطلقات الكثيرة نحو عشر دقائق ثم سكتت دقائق وعادت مرة أخرى لدقائق، واستمررت في البكاء فقال لي أخوه: إن صوت الطلقات كما هو معروف يصدر من الناحية المقابلة لها وليس من المكان الذي أطلقت منه، إنها ليست في القصر ولا تنشغلي، ونظر إلى المصحف وهمَّ بأخذه في يده فقلت له: لا تلمس المصحف، سوف لا أصدقك وأنت تحلف يمينا من دون أن تعلم شيئًا، فرجع ولم يلمس المصحف».

وأكّدت قائلة " في الساعة الواحدة بعد منتصف الليل رأيت شابا يقف في ناصية الشارع، وهو ميدان المستشفى العسكري في ذلك الوقت، يزعق بصوت عال ويقول: عندك , ثم يتحرك ويمشى بخطوات ثابتة أسمع صوتها ويروح ويجىء، ويرجع العربات ويقفل الشارع، وتبينت أنه البكباشي جمال عبد الناصر ,زوجي الحبيب.

وأشارت" قبل الساعة الثانية صباحًا رأيت العربات المصفحة والدبابات والجيش، وكان قد زود بأسلحة بعد حرب فلسطين، فرأيت وسمعت صوت الدبابات وهى تكركر وتمر في الشارع وتمشى في ميدان المستشفى العسكري، وكنت أعرف شوارع ثكنات الجيش وأمر عليها في خروجي، إذ كانت كلها قريبة من بيتنا.

وتابعت "رأيت أخويه يقفزان من الفرح ويقبلان بعضهما وقالا: افرحي افرحي.. فقلت: وأين جمال؟.. والطلقات التي سمعناها؟ وأخذت أبكى وقلت: الآن أنا فهمت.. إنه انقلاب عسكري ,
وأخذ أخواه يهنئاني فكنت أسكت عن البكاء ثم أعود أبكي وأقول بالحرف: بس لو كنت أعرف فين جمال، وطلقات الرصاص اللي سمعناها؟ قال شقيقاه: لقد أخبرنا قبل خروجه أنه ذاهب في مهمة خطيرة: فإذا رأيتم الجيش نازلا والدبابات والعربات اعرفوا أني نجحت .