أمستردام ـ مصر اليوم
يوم 29 تموز/يوليو 1890، فارق الرسّام الهولندي فنسنت فان غوخ (Vincent van Gogh) الحياة عن عمر يناهز 37 سنة بسبب تبعات إصابته برصاصة عند مستوى الصدر حيث أقدم الأخير قبل يومين على إطلاق النار على نفسه في محاولة منه لوضع حد لحياته عقب معاناة شديدة مع الاكتئاب، وخلال فترة إبداعاته الفنية التي استمرت لنحو عقد من الزمن وانتهت بانتحاره، قدّم فان غوخ أكثر من ألفي عمل فني كان من ضمنها 900 لوحة زيتية فشل في الترويج لها ليموت بعد حياة صعبة دون أن يبيع أيا منها.
في الأثناء، كاد فنسنت فان غوخ أن يغيب للأبد بين طيّات التاريخ لولا عمل جبّار قادته امرأة هولندية عرفت باسم جوانا فان غوخ بونجر (Johanna van Gogh-Bonger) حيث كانت الأخيرة زوجة ثيودوريوس، المعروف بثيو، الشقيق الأصغر للمبدع فنسنت فان غوخ. فمنذ العام 1891، حملت هذه المرأة على عاتقها مهمة الترويج لإبداعات فان غوخ وإبراز نجمه للعالم.
ولدت جوانا خلال شهر تشرين الأول/أكتوبر 1862 بمدينة أمستردام الهولندية لعائلة ميسورة فعاشت طفولة سعيدة رفقة إخوتها السبعة والتحقت بالمدرسة وتعلّمت العزف على البيانو قبل أن تحصل في النهاية على شهادة لتدريس اللغة الإنجليزية. سنة 1887، تعرّفت هذه الفتاة الهولندية البالغة من العمر 25 سنة على ثيو، شقيق فنسنت فان غوخ، وتبادلت معه العديد من رسائل الحب. وبادئ الأمر، رفضت جوانا فكرة الزواج من ثيو فان غوخ قبل أن ترضخ وتوافق على ذلك بحلول العام 1889.
أقرأ أيضًا:
بيع لوحة لفان غوخ بأكثر من سبعة ملايين يورو في مزاد بالعاصمة الفرنسية باريس
وخلال حياتهما الزوجية التي استمرت لأشهر، رزق الزوجان بابنهما الوحيد فنسنت وليام فان غوخ (Vincent Willem van Gogh). فعقب حادثة انتحار شقيقه فنسنت فان غوخ أواخر تموز/يوليو 1890، أصيب ثيو بحالة اكتئاب عكّرت حالته وزادت من معاناته مع المرض ليفارق يوم 25 يناير/كانون الثاني 1891، أي بعد 6 أشهر فقط من وفاة فنسنت، الحياة عن عمر يناهز 33 عاما.
ومع رحيل زوجها، ورثت جوانا مجموعة أعمال فنسنت فان غوخ الفنية. وبينما عجز الأخير عن بيعها وتحقيق الشهرة خلال حياته بسبب مرضه وانطوائه على نفسه، أدركت جوانا القيمة الفنية الهامة لهذه الأعمال فرفضت جميع عروض بيعها واتجهت بدلا من ذلك لشراء منزل بقرية بوسوم (Bussum) القريبة من أمستردام الهولندية لتفتتح هنالك متحفا صغيرا خصص لعرض لوحات فنسنت فان غوخ.
ساهم هذا المتحف الصغير لأعمال فنسنت فان غوخ في توفير الموارد المالية اللازمة لجوانا للاعتناء بابنها. وما بين العام 1892 و1900، استغلت هذه المرأة معرفتها بعدد من تجار الأعمال الفنية لتنظم نحو 20 معرضا للوحات شقيق زوجها الذي قضى منتحرا.
ومع مطلع القرن العشرين، اتجهت جوانا لمنح فنسنت فان غوخ مكانته العالمية التي يستحقّها فأنشأت بمساعدة عدد من كبار الفنانين وأصدقاء فان غوخ شبكة بأوروبا الغربية للتعريف بأعمال هذا الرسام الهولندي، كما أبرمت اتفاقيات مع عدد من أشهر تجار اللوحات الفنية لمنحهم نسبة من الأرباح في حال عرضهم وبيعهم لبعض من أعمال فان غوخ.
وبمساعدة زوجها الجديد، يوهان كوهين غوشالك (Johan Cohen Gosschalk)، واصلت جوانا صناعة نجم فنسنت فان غوخ. وخلال سنة 1905، عرضت العديد من أعمال هذا الرسام الهولندي، الذي فارق الحياة قبل ذلك بـ15 عاما، بمتحف ستيدليك (Stedelijk Museum) بأمستردام. وبحلول العام 1914، كسب فنسنت فان غوخ مزيدا من الشهرة بفضل جوانا التي لم تتردد في نشر العديد من الرسائل التي تبادلها زوجها الأول ثيو مع شقيقه الفنان حيث ساهمت هذه الرسائل في التعريف بفنسنت ورسمت جانبا من ملامح حياته القصيرة والكئيبة.
ومع وفاتها سنة 1925، تمكنت جوانا من بيع 190 لوحة زيتية و55 رسما من إبداعات فنسنت فان غوخ. وعلى إثر ذلك ورث ابنها فنسنت وليام لوحات عمّه فأسس متحف فان غوخ الذي فتح أبوابه للزوار بأمستردام سنة 1973.
قد يهمك أيضاً :
تفاصيل البيئة المرعبة التي عاش فيها الفنان فان غوخ