ناشرون

شهدت السنوات الأخيرة حالة من السيولة والفوضى في سوق النشر المصرية، كما في البلدان العربية الأخرى، فتزايدت شكاوى الطرفين. المؤلفون يشتكون من تعرضهم للابتزاز المادي وضياع مستحقاتهم وتراجع مستوى طباعة الكتاب وعدم الكفاءة في تسويق إنتاجهم، بينما يشكو الناشر من ضعف إقبال القارئ وتراجع المبيعات والارتفاع الجنوني في مستلزمات الطباعة. هذه الشكاوى تقل حدتها مع دور النشر الحكومية، فلا تزال لديها لوائح وقواعد واضحة في حفظ حقوق الكتاب وتسويق أعمالهم، رغم ذلك، يؤكد المناخ العام أن صناعة النشر في أزمة، في هذا التحقيق آراء لعدد من الكتاب والناشرين حول هذه لقضية، وتصوراتهم لطبيعة العلاقة الصحيحة والعملية التي تحكم الطرفين.

- الشباب وعراقيل النشر
في البداية، يشير عبد الكريم الحجراوي، وهو أديب مصري شاب صدرت له مجموعة قصصية وديوان شعر وكتاب أكاديمي، إلى أن «فرص النشر باتت صعبة جداً، خاصة بالنسبة للمبدعين الشباب؛ فالأمر يحتاج إلى (واسطة) فالموهبة وحدها لا تكفي». لقد مر الحجراوي بتجربة أقل ما توصف به أنها «مريرة»، على حد تعبيره.
يقول «كانت البداية مع دور النشر الخاصة، فدور النشر الكبرى حين طفت عليها أحمل روايتي الأولى لم تهتم أصلاً بالرد، وكان التعامل غاية في السوء. التجربة الثانية كانت مع دور نشر أقل شهرة بعد أن نصحني روائي مصري كبير كان قد قرأ عملي، وأشاد به بأن أتوجه إليها وفوجئت بأنهم رحبوا بالرواية وحصلت على تقييم جيد، إلا أنهم طلبوا مني دفع مبلغ كبير لنشر العمل، فرفضت لأنه لا يليق بأديب يحترم فنه أن يدفع مقابل أن ينشر، بل العكس المفترض أن يحدث».
وحول تجربته مع جهات النشر الحكومية، أشار الحجراوي إلى أنه أرسل مخطوطة ديوانه الأول إلى «الهيئة العامة للكتاب» في منتصف عام 2018، وبعد انتظار مر وطويل أخبروه بأن النسخة التي أعطيتهم إياها قد فُقدت. ويبدو أن عزاءه الوحيد في أنه كان قد أرسل في التوقيت نفسه يونيو (حزيران) 2018 مجموعة قصصية إلى «الهيئة العامة لقصور الثقافة»، وبالفعل صدرت بعد عامين في 2020.

- إملاءات وابتزاز
الكاتب المتخصص في أدب الرحلات أيمن عبد العزيز اضطر إلى طبع كتابه «المغرب في عيون مصرية» على نفقته الخاصة بعد رحلة من «المعاناة» عاشها في كواليس دور النشر. ويقول عبد العزيز، إن المعاناة تبدأ مبكراً مع بدء جولة الاتصالات بدور النشر الخاصة والبحث عنهم والتعرف على اتجاهاتهم وسمعتهم وطريقة تعاملهم مع النصوص، حيث إن دور النشر الحكومية غالباً ما تحتاج إلى «واسطة» أو اسم مؤلف معروف، فضلاً عن القدرة على الانتظار فترة طويلة قد تصل إلى ثلاث سنوات. وإذا وجد المؤلف ناشراً خاصاً يوافق على عمله تبدأ معاناة أخرى في المفاوضات على قيمة «المبلغ» الذي سيدفعه الكاتب للمشاركة في عملية النشر، فالبعض يطلب من الكاتب أن يتحمل ثلثي التكلفة، والبعض قد يعرض ما يسميه «مناصفة»، في حين أن هذه الحصة التي سيتحملها الكاتب هي في الحقيقة التكلفة الإجمالية لعملية النشر، ثم تبدأ المفاوضات بعد ذلك على عدد النسخ التي سيحصل عليها المؤلف.يضيف عبد العزيز قائلاً «لم يكن نشر كتابي أمراً سهلاً على الإطلاق؛ فقد مررت بكل تلك المراحل إلى أن صادفت أحد أصحاب دور النشر، وهو عضو معروف باتحاد الكتاب، فاشترط أن أتحمل ثلثي التكلفة، وهو الثلث الباقي، كما سيكون له حق اختيار العنوان، وربما ترتيب وإعادة صياغة المادة المنشورة، فلما تأففت واعترضت على كل تلك (الإملاءات) وجدت أنه في الأخير زاد على كل ما سبق بقوله (لا تنس أن هذا كتابك الأول ولا أحد يعرفك وأننا سوف نصنع منك كاتباً). عندئذ قررت أن أنشر الكتاب على نفقتي بالكامل في دار أخرى، أرشدني لها زملاء مخلصون وأصحاب تجربة؛ لعدم رغبتي في تكرار المعاناة والإهانة من أشخاص كل همهم المكسب على حساب وكرامة الكتاب!».

- رقابة مسبقة
مشاكل الأدباء، خصوصاً الشبان منهم، لا تتعلق فقط بقوائم الانتظار في دور النشر الحكومية أو «الابتزاز المادي» مع دور النشر الخاصة فقط، وإنما تتلخص الأزمة في الرقابة المسبقة التي يمارسها الناشر. هذا ما حدث مع الشاعر الطبيب إسلام نوار؛ فرغم علاقته الشخصية القوية بعدد من الناشرين وعمله في فترة من الفترات «محرراً عاماً» بدار نشر معروفة، إلا أن ديوانيه صدرا على نفقته الشخصية أو ما يفضل هو تسميته «النشر الذاتي».
يقول إسلام «كنت أرى مبالغة شديدة في المحاذير الرقابية المسبقة التي قذف بها أكثر من ناشر بوجهي، فهي تتعلق أساساً بنوع من الوصاية على لغة الجيل الجديد، وبالتالي قررت أن أنشر الكتاب على نفقتي الخاصة، وهو ما تكرر مع ديواني الثاني أيضاً (كارمينا بورانا في إذاعة مترو القاهرة)».
- على طريق الحل
خبير النشر محمود عبد النبي محمود يكشف عن بعضٍ من كواليس أزمة النشر في مصر والعالم العربي، مشيراً إلى أن تفاقم الأزمة مؤخراً سببه ظهور الكثير من دور النشر الصغيرة التي تهدف إلى التجارة والربح السريع فقط، وأيضاً ظهور مؤلفين وكتاب في مُقتبل أعمارهم الأدبية لا يهمهم غير نشر أعمالهم بأي طريقة كانت وبصرف النظر عن مستواها؛ لذلك ظهرت الكثير من الأعمال المُخالفة لقواعد النشر، كما لا تلتزم بحماية حقوق المُؤلف مع العلم أن مصر من أوائل الدول التي وقعت على اتفاقية «وايبو wipo» عام 2005 الخاصة بحقوق المؤلف. ويعدد عبد النبي حالات إهدار حقوق المؤلف، بداية من عدم حصوله على عدد كافٍ من النسخ إلى مطالبته بمبالغ كبيرة أو في أحسن الأحوال عدم دفع مستحقاته، وكثيراً ما يصل الأمر إلى المحاكم الاقتصادية إذا لم يتم حل تلك المشاكل بالطرق الودية، كما يلجأ بعض المُؤلفين إلى اتحاد الناشرين للشكوى من بعض دور النشر! ويطالب عبد النبي الدولة بالتدخل لإنقاذ صناعة النشر بداية من خفض سعر الضريبة على الورق المستورد، وكذلك الأعباء الضريبية المفروضة على المطابع، وتخفيض أسعار الأحبار.
- اتهامات باطلة
من جانبها، تلقي نورا رشاد، المديرة التنفيذية لـ«الدار المصرية - اللبنانية»، باللائمة في هدر حقوق المؤلفين فوق كاهل «الدخلاء على المهنة»، مؤكدة أن الدور الكبرى ومنها (المصرية – اللبنانية) لديها تقاليد راسخة في العقود ودفع مستحقات الكتاب بانتظام». وتضيف رشاد «خلال السنوات الأربع الماضية عقدنا أربع ورشات للكتابة مجانية، والعمل الفائز يتم نشره على نفقة الدار، كما اشترطنا أن تكون هذه هي تجربة الكاتب الأولى لتشجيع المواهب الشابة ودعماً للشباب».
ويعترف الشاعر جرجس شكري، أمين عام النشر بالهيئة العامة لقصور الثقافة، أن المؤلف هو الحلقة الأضعف في سوق النشر، رغم أنه العنصر الأساسي، مضيفاً أن هيئة قصور الثقافة لديها قواعد شفافة في دفع مستحقات المؤلفين إلا أنها «مكافآت رمزية»، على حد تعبيره، ورغم ذلك تخلق تلك المكافأة إحساساً طيباً لدى الكاتب. ويوضح شكري، أن المشكلة الأخرى تتمثل في طول فترة الانتظار حتى يرى الكاتب كتابه الصادر عن الناشر الحكومي النور، مرجعاً السبب في ذلك إلى كثرة أعداد الأعمال الجيدة التي تصلح للنشر ويتم الدفع بها في السلاسل المختلفة في دور النشر الحكومية.
من جهته، يصف سعيد عبده، رئيس اتحاد الناشرين المصريين، معظم الاتهامات الصادرة عن المؤلفين بحق دور النشر بأنها «اتهامات مرسلة»، وإن كان لا ينكر وجود دور نشر صغيرة تستغل شباب الأدباء. يقول عبده «العلاقة بين الناشر والمؤلف تحكمها العقود، وليس ذنبنا أن بعض المؤلفين الشبان يقبلون بشروط متعسفة وبنود تمس حقوقه لمجرد الرغبة المتسرعة في أن يرى عمله النور. دورنا كاتحاد يأتي عند ورود أي شكوى لمؤلف فيتم التحقيق بها فوراً وبمنتهى الحزم والجدية من خلال (لجنة فض المنازعات) ورد الحق لأصحابه، كما سبق لنا في مواقف كثيرة أن اتخذنا إجراءات قانونية رادعة ضد استغلال المؤلف». وينصح رئيس اتحاد الناشرين المؤلف باللجوء للاتحاد قبل توقيع عقده لضمان حقوقه؛ فهناك دور نشر غير مسجلة بالاتحاد، كما أن هناك بنوداً يوقّعها الكاتب تغل يد الاتحاد.

المصدر: الشرق الأوسط

وقد يهمك أيضًا:

صدور "أحلام مؤجلة" أول مجموعة قصصية للكاتبة هبة حامد

سلسلة قصصية مصرية جديدة "سعادة السوبر ماركت" تترجم إلى الروسية