لوجو موقع مصر اليوم

صدر حديثاً عن دار شهريار العراقية كتاب «رولان بارت... المراوغ الضجر»، يتضمن الكثير من الحوارات والمقابلات التي أجريت معه في الفترة من 1962 – 1980 وتدور حول السينما، والنقد الجديد، والتحليل البنيوي للحكايات وإمبراطورية العلامات وقضايا الكتابة المختلفة. وقد أجرى الحوارات عدد من مفكري عصره ومثقفيه، فضلاً عن محرري صفحات ثقافية شهيرة.

- المحكي والمنسوخ

لم يضع مترجم المقابلات الكاتب المصري لطفي السيد منصور مقدمة للكتاب يتحدث فيها عما أثارته الحوارات من قضايا وتساؤلات، لكنه ترك القارئ مع وصف المفكر الفرنسي، الذي يُحلِّل فيه الانتقال من الكلام المحكي إلى الكلام المكتوب، وما يتكبده الكلام حين يتم نسخه من خسارات، حيث يشير إلى أنه بالانتقال من المحكي إلى المكتوب، فإن براءة هذا التكتيك نفسها، التي يدركها أولئك الذين يمكنهم الإصغاء، هي التي يتم محوها، فالبراءة دائماً مكشوفة، ومن خلال إعادة كتابة ما يقال، يحمي الكتّاب أنفسهم، يلاحظونها ويمارسون الرقابة عليها، يشطبون حماقاتهم، وأخيلتهم، تردُّدهم، وجهلهم، وتساهلهم، وإخفاقاتهم، أما الكلام من وجهة نظره فخطير لأنه فوري ولا يُستعاد، بخلاف النَّسخ، الذي لديه دائما متَّسع من الوقت.

خلال الحوارات يعبر بارت عن انطباعه حول الوضع الراهن للرواية الفرنسية، ويراها ظاهرة تحتاج إلى تدقيق، فبعد أن تمكن المجتمع من دمج الكاتب، لم يعد منبوذاً، أو يخدم طبقة معينة، أو يعتمد على راعٍ، إلا أنه رغم ذلك يواجه، في الوقت نفسه، مجتمعاً معقداً وغضاً، ومليئاً بالتناقضات، ومن هنا اتخذت الرواية الجديدة ملجأً بعيداً عن الواقع، وتخلَّت عن مسؤولياتها بحثاً عن تقنية معينة.ويقول بارت في حوار أجراه معه بيير فيسون لصحيفة الفيجارو الأدبي في أكتوبر (تشرين الأول) 1962: «حين نقول هذا، فإننا نشير إلى نماذج عظيمة من الأدب، أبدعها «بلزاك»، و«ستندال»، وآخرون، وهؤلاء الروائيون كانوا يعبِّرون عن مجتمع محدد ومبني بشكل جيد، وكانت رواياتهم حينئذ واقعية، وتدل على واقع. لكن اليوم، لا تحضر الأحداث السياسية والاضطرابات الاجتماعية وحرب الجزائر إلا قليلاً في الرواية الجديدة، وهو ما يجعل البعض يقول إن الأعمال ليست ملتزمة. وهذا صحيح، لكن القول بأنه يجب على الكاتب أن يكون ملتزماً في أعماله كلام يأتي من جانب النظرية، ويثبت كل يوم فشله».

ويكمل بارت: «الرواية الجديدة طرحت سؤالاً حيوياً، جديداً وبسيطاً بشكل مدهش، وهو: هل تعني الأشياء شيئاً؟ وأهمية هذا السؤال تأتي من أن الإنسان يزود الأشياء دائماً بالمعنى، لكنه مع ذلك لم يستخدمها قط كمادة أدبية، حيث لا يُعوَّل على الأشياء في الروايات، ولنأخذ مثلاً رواية «علاقات خطرة» التي أبدعها الكاتب الفرنسي بيير كوديرلوس دو لاكلو، ونجد فيها أن الشيء الوحيد الذي يتحدث عنه هو القيثارة، وقد جعله الكاتب مخبأ لدس الرسائل، لذلك يمكن القول إن الرواية الجديدة حاولت رؤية الأشياء مجرَّدة من دلالتها الراهنة، وهذا ما فعله الروائي آلن روب جرييه، والذي ألقى ضوءاً جديداً على الشيء، أظهره بدون ذكريات، بدون شِعر، وبدون هالة المعاني، وهذا ما يولد القلق الذي هو بمثابة معنى عميق وميتافيزيقي».

- حول السينما

وفي حوار حول السينما نشرته «كراسات سينمائية»، في سبتمبر (أيلول) 1963، أجراه ميشيل ديلاهاي وجاك ريفت، قال بارت إنه يفضل الذهاب إلى السينما بمفرده، لأن السينما بالنسبة له نشاط إسقاطي تماماً؛ لكن، نتيجة الحياة الاجتماعية، غالباً ما يذهب إلى السينما مع اثنين أو أكثر، وهنا يصبح الخيار محرجاً، خاصة إذا كان بطريقة عفوية بحتة، ارتجاليّاً كليّاً، وخالياً من أي نوع من الضرورة الثقافية أو التشفير الثقافي، مسترشداً بأشد القوى غموضاً بداخله، وهذا حسب وجهة نظره يطرح مشكلة في حياة «معتاد السينما»، وهي أن هناك ما يشبه المبدأ الأخلاقي الرائج إلى حد ما عن الأفلام التي يجب رؤيتها، هناك حتماً أولويات، ذات أصل ثقافي، تكون قوية جدّاً عندما ينتمي الفرد إلى بيئة ثقافية، فعندما تتاح له فرصة الاختيار، تدخل الأفلام التي يجب مشاهدتها في صراع مع فكرة عدم القدرة على التنبؤ، والتوافر الكليين اللذين لا يزالان يمثلان السينما بالنسبة إليه، وبشكل أكثر تحديداً، مع الأفلام التي، تلقائيّاً، يود مشاهدتها، وهي بالطبع غير الأفلام التي تُختار من قبل الثقافة الرائجة التي يجري إنتاجها، والتي يراها بارت مشوَّشة؛ تأتي ضمن وضع ثقافي سينمائي متناقض.

- الموضة والنقد

وفي حديث نشرته صحيفة الفيجارو ليتيرير في أكتوبر 1965، أجراه «جي لو كليه»، قال بارت عن مسعى النقد الجديد إنه لا يقتصر على التعبير عن الرأي وفقاً لمزاج الشخص وميوله، بل يعد بمثابة مقارنة بين ما نوى المؤلف فعله وما أنجزه بالفعل، من هنا يأتي «نقد القيمة»، وهو الذي يدعمه النقد الجديد، حيث يتناول باهتمام بالغ براعة العلاقة بين العمل السابق والقارئ الحالي، فالنقد الجديد من وجهة نظر بارت غير معزول عن المشاكل التي تهم المجتمع، ومن الهذيان أن يدَّعي أحد أن النقد الجديد لا يحبُّ الأدب؛ لأنَّه يعيش فقط على حبِّه له، ويعترف ليس فقط بالحق في لمس موضوع الحب، بل باستثماره أيضاً، ويطرح سؤالاً شائكاً يرتكز حول استطاعة نقاد اليوم قراءة الكلاسيكيات، فما يهمه في نهاية المطاف هو الاهتمام الذي يوليه النقد المعاصر للكلاسيكيات ورغبته في تجديد فهمه مع أوسع جمهور ممكن.

وفور إصداره كتاب «نظام الموضة» نشرت صحيفة الآداب الفرنسية، في مارس (آذار) 1967، مقابلة أجراها «ريمون بيلور»، وتحدث خلالها بارت عن نظام الأزياء، قائلاً إنه أخذ مكانَه في حياته عندما اكتشف أن هناك إمكانية لتحليل محايث لأنظمة علامات أخرى غير اللغة، وقد تولدت لديه رغبة في إعادة بناء أحد هذه الأنظمة خطوة بخطوة، وقد اكتشف أن هناك لغة يتحدَّث بها الجميع وهي في الوقت نفسه غير معروفة لهم، وذكر أن كتَّاباً مثل «بلزاك»، «بروست» أو «ميشيليه» كانوا افترضوا بالفعل وجود نوع من لغة الملابس، لكن كان ينبغي القيام بمحاولة تقديم محتوى فني، وليس مجازياً، ما يسمَّى بكلِّ سهولة «اللغات الاصطلاحية» (لغة السينما، التصوير الفوتوغرافي، اللوحة، وما إلى ذلك).من وجهة النظر هذه، تعدُّ الملابس إحدى مواد التواصل، مثل الطعام والإيماءات والسلوكيات، فهي لديها وجود يومي وتمثل بالنسبة إليه فرصة للتعرف على نفسه، على المستوى الأكثر مباشرة.

قد يهمك أيضا:

فيلم الأوسكار «The Revenant» في مركز الثقافة السينمائية الأربعاء
بيتر ميمي يعلن عن موعد طرح فيلم موسي في السينمات