لندن ـ سليم كرم
أعيد افتتاح "معرض هايوارد" بعد عامين من الإغلاق لتجديده، ولم يتغير كثيرًا باستثناء الطابق العلوي، الذي لديه الآن تلك المناور المخروطية في المكان الذي أوصى "هنري مور" في بداية إنشائه عام 1964، وهي السنة التي قام فيها البيتلز بإبهار العالم بعرض "إد سوليفان".
وكانت النتيجة تغير بسيط في التصميم الأساسي ، فتجد الآن الاستفادة من الضوء الطبيعي يتدفق إلى أسفل , ولولا وجود مساحات لدخول الضوء فإنك ستجد المساحات في الطابق السفلي لا تزال معتمة، أما الدرج اللولبي الضيق جدًا، الذي يحملك فوقه، بجدار من الخرسانية المضلعة، لا يزال يشعرك بالقلق قليلًا، فهو لم يتغير .
ويعتبر "أندرياس غورسكي" هو مصور للمساحات الواسعة والتفاصيل الذي بدأ حياته المهنية من أوائل 1980 , و في المعرض يصعب عليك الانطلاق من اليمين أو من اليسار لتتعرف علي تسلسل الأعمال. فمعظم صور "غورسكي" هي كبيرة جدًا، قد تقول إنها جداريات تغطى الجدران البيضاء، وقد تصل إلى طابق كامل. كما أنها صعبة جدًا في تمثيلها للعالم . وفي الواقع فإن غورسكي يأخذ كميات هائلة من المحتوى يمكن رؤيته بدقة، وهذا ما يسمى التجريد أو التصوير التجريدي , لكن له عمق مميز لا تستوعبه من أول مرة وهو يغطي مساحات لا تغطيها العين البشرية بالعين المجردة فيستخدم عدسات مختلفة و دقيقة .
وما يثير الدهشة هو كيف يبدو أن كل شيء بهذا التركيز، وكيف الدقة المتناهية في المقدمة، الوسط والخلفية ويمكن رؤيتها مثل هذا التفصيل الرائعة - من صفوف السيارات الجديدة، إلى حاويات السفن في جانب الميناء، من كتل الشقة في ماونتن سكيب وما وراءها. و يخلق غورسكي مشاهده غير عادية و رائعة من خلال ربطها معًا، والصور متعددة و الأشياء المكررة الرتيبة تصبح مبدعة بمجرد أن يراها ، فغالبًا ما يتخذ زوايا مختلفة قليلاً . لهذا السبب يمكننا أن نشعر أننا نقف فوق بورصة طوكيو لأن أسراب من الأشكال البشرية تجعل أنماطها الإيقاعية باللون الأسود والأبيض تظهر في صورة واحدة. في بعض الأحيان يخلق ازدحامًا كبيرًا ومتقاربًا بين البشرية فتتساءل كيفية لعشرات من الميكانيكا أن تبدو هكذا حول بعضهم أو حول اثنين من السيارات المتوقفة مع السائقين المتنافسين, كل تلك التفاصيل ستجدها في صورة واحدة فقط لـ غورسكي .