القاهرة ـ مصر اليوم
تُعد المرأة المنصة الجمالية المثالية للفنان عبر العصور، إلا أنّها بالنسبة إلى بعض التشكيليين تتجاوز هذا المفهوم لتمثل كياناً قوياً مستقلاً يساعدهم على إيصال أفكارهم وأحاسيسهم المختلفة، ويحتفي الفنان المصري أحمد القط في معظم أعماله بتناول المرأة من منظور عربي شرق أوسطي عبر الغوص في حياتها وحالاتها المختلفة متأملاً أحوالها ومجسداً في الوقت ذاته لحظات تأملها لكل ما يدور بداخلها وما يحيط بها، وفي معرضه الحالي في غاليري «سماح» بالقاهرة نستطيع أن نلمس حضورها الآسر بين دفتي معاني اللوحات وجمالياتها.
ظهرت المرأة في اللوحات جميلة ناعمة صامتة لكنها على الرغم من ذلك تثير ريب المتلقي من موقفها في اللحظة المقبلة! فكأنما هي تستعد دوماً لفعل أو قول ما مفاجئ بعد قضاء وقت طويل في التفكير العميق وربما «التخطيط» لإنجاز أمر ما، فقد منحها الفنان عبر نظراتها الواثقة وثباتها وهدوئها الشديدين قدراً كبيراً من الغموض والسحر معاً، ما يُدخل المتلقي في حالة يمتزج فيها الترقب بالانجذاب إليها، يقول د.أحمد القط لـ«الشرق الأوسط»: «منذ بدأ الإنسان التعبير عن عواطفه وأفكاره بلغة بصرية جمالية كانت المرأة هي العنصر الأساسي لأعماله، وبقيت هي بمثابة محور أو عقدة الفن التشكيلي، فالمرأة كانت وستظل قضية شائكة، وإذا كان الإنسان بشكل عام لم ينجح في فهمها وكشف غموضها فكيف للفنان أن يفعل؟! إنه فقط يظل يحاول سبر أغوارها والبحث في دواخلها ورصد أحوالها كُلٌّ بأسلوبه الفني ولغته البصرية».
لوحات معرض «روح» يبلغ عددها 30 قطعة، تدور كلها حول المرأة استكمالاً لتجربته الفنية الممتدة منذ بداياته لا سيما بعد حصوله على جائزة صالون الشباب في الرسم في نسخته الثانية والعشرين، يقول: «تعبّر جميع لوحاتي عن روح المرأة منذ بداية حياتي الفنية ما يتفق مع تمسكي بأن يعبر فني عن الواقع وعن تفاعلي بما يحيط بي، فالمرأة هي أساس الحياة وهي التي تخلق التوازن في هذه الحياة رغم كل المصاعب التي تواجهها».
ورغم ذلك، لا يحمل المعرض ثيمة محددة، فقد سعى القط من خلال لوحاته إلى تجسيد المرأة في أكثر من مفهوم وحالة ومشاعر وأحلام تتجاوز حدود الزمان والمكان، ويستطيع المتلقي أن يلحظ حواراً بينها وبين الحياة بعناصرها وقضاياها ومفرداتها المختلفة لكنه لا يستطيع أن يستمع إليه بوضوح أو أن يفسر كلماته، فكأنه حديث صامت! يقول: «من جديد أقول إنه غموض المرأة، فمن منّا يستطيع أن يعرف مكنوناتها؟! حتى أنا حين قمت بعرض أحاديثها ونظراتها الموحية فإنني لا أعرف إلى ماذا ترمز، وغاية ما في الأمر أنها بمثابة مدوناتي الشخصية الإنسانية لمشاهد تخصها واستطعت رصدها سواء كانت غاضبة أو سعيدة أو رومانسية أو متطلعة لآفاق جديدة أو ربما يكون ذلك ما توهمته».
ومن اللافت أن الفنان نجح في تجسيد غموض المرأة من دون الركون إلى أسلوب المدرسة التجريدية التي يستخدمه كثير من الفنانين حين يقررون نقل مشاعرها وأفكارها الغامضة، محملين الأعمال عدداً من الرموز تشكل مفاتيح ومداخل للوحات، إذ جاءت أعمال أحمد القط مغايرة لذلك مستندة في الأساس إلى الواقعية التعبيرية، وهو ما جعل مهمته أكثر صعوبة لكنها في الوقت ذاته أكثر جذباً للمتلقي.
إلى جانب حضورها القوي في حياته الشخصية كالأم والأخت والخالة والعمة والصديقة وغير ذلك فقد تأثر الفنان أيضاً في تناوله للمرأة بالروايات والقصص والكتب التاريخية التي قرأها منذ طفولته بنهم: «أعشق القراءة، وفي معظم قراءاتي كان ثمة حضور خاص لها، لكن أكثر ما تأثرت به هي بطولاتها المتعددة منذ بداية التاريخ، كأنه لولا هذه البطولات ما عرفت البشرية إنسانيتها وربما لم يُكتب لها البقاء من الأصل».
تزخر اللوحات بتكوينات تأسست على رؤية جمالية حديثة تمزج عدة عناصر على سطح اللوحة الواحدة ومنها الحصان والطائر، وكان من العناصر الأكثر وجوداً هو القط، وعن ذلك يقول الفنان: «قمت برسم المرأة مع عدد كبير من المفردات بصورة ميتافيزيقية، وكان للقط (نصيب الأسد) بسبب وجود صفات مشتركة بينهما، ومنها الجمع بين النعومة والشراسة معاً إلى جانب الأمومة والعطف والحنان بين القطة وأبنائها، ولا ننسى أن للقط مكانة خاصة في الحضارة الفرعونية، أما الطيور فهي تعكس تطلع الأنثى إلى الحرية والانطلاق».
قد يهمك أيضا