القاهرة ـ مصر اليوم
من عجيب خلق الله أن جسم الإنسان يتكون من ترليونات الخلايا التي تعمل معا بشكل متناسق و مذهل. تقوم هذه الخلايا طبيعيا بالتكاثر (أو الانقسام) بطريقة منتظمة و تموت هذه الخلايا بعد فترة زمينة حين تصاب بالشيخوخة وتحل محلها خلايا جديدة.
يبدأ السرطان عندما تشذ واحدة من هذه الخلايا عن النظام المتبع و ترفض أن تموت وتبدأ بالانقسام والتكاثر بلا نهاية . حينها تبدأ الخلايا السرطانية في مزاحمة الخلايا الطبيعية مكونة ورما رئيسيا و مسببة مشاكل في عضو الجسم المصاب.
بعد فترة من الإصابة الرئيسية يمكن أن ينتقل السرطان إلى مناطق أخرى في الجسم حول منطقة الإصابة الرئيسية، مثل الغدد الليمفاوية أو حتى إلى أماكن بعيدة في الجسم في عملية تعرف بعملية الانتشار الخبيث. فمثلا يمكن لسرطان بدأ في الرئة أن ينتشر لاحقا إلى العظام مسببا أوراما ثانوية خبيثة.
مرحلة الانتشار الخبيث هي مرحلة متقدمة من المرض تعني أن السرطان أصبح مقاوما للعلاج مما يؤدي غالبا للوفاة، مما يجعل السرطان من أصعب الأمراض التي يعجز الأطباء عن إيجاد علاجات لها.
طبقا لجمعية السرطان الأمريكية و الوكالة الدولية لأبحاث السرطان التابعة لمنظمة الصحة العالمية فإن أكثر من ١٩ مليون حالة إصابة جديدة بالسرطان تم تشخيصها في عام ٢٠٢٠ بالإضافة إلى حوالي ١٠ مليون حالة وفاة في العالم نتيجة المضاعفات الناتجة عن الإصابة بالسرطان في نفس العام.
من المتوقع أن يصل عدد الحالات الجديدة إلى ٢٩ مليون حالة سنويا بحلول عام ٢٠٤٠. حوالي ٢٠ في المائة من البشر (واحد من كل أربع رجال و واحدة من كل ٥ سيدات ) يصابون بالسرطان مما يجعل السرطان سببا رئيسيا للوفاة (السبب الأول في الولايات المتحدة الأمريكية ، والثاني في مصر لمن هم بين سن الثلاثين و التاسعة والستين).
منذ إكتشاف السرطان لأول مرة ويحاول الأطباء إستخدام علاجات مختلفة مثل العلاجات الإشعاعية والكيماوية والموجهة والمناعية. يقرر الطبيب المعالج أفضل العلاجات على حسب نوع السرطان ومكانه ومرحلة الإصابة. عادة يعتمد الأطباء على الفحص السريري والأشعة المختلفة لتحديد مكان ومرحلة السرطان ودرجة خطورته.
وحديثا أصبح الأطباء يعتمدون أيضا على الفحص الجيني للورم الخبيث ومقارنته بالأنسجة الطبيعية لمعرفة الطفرات والتغيرات التي حدثت في السجل الجيني لخلايا الورم الخبيث. يعتمد الفحص الجيني على حقيقة أن كل خلية من خلايا الجسم سواء طبيعية أو سرطانية تحتوي على شريط من الحمض النووي الذي يحمل شفرة طويلة من الأوامر منقسمة الى ٢٣ زوج من الكروموسومات و يحتوي كل كروموسوم على عدد كبير من الجينات (يوجد حوالي ٢٠ ألف جينا معروفا حتى الآن). وبذلك يمكن تحليل هذه الجينات عن طريق تقنيات حديثة لمعرفة الطفرات والتغيرات التي تكون قد طرأت على أي من آلاف الجينات في الخلايا السرطانية.
السؤال المحير للأطباء والعلماء هو: لماذا يستجيب السرطان للعلاج في بعض المرضى بينما لا يستجيب في حالات أخري لنفس العلاج؟
لماذا تبقى بعض السرطانات في مكانها بينما تنتشر السرطانات الأخرى كالنار في الهشيم؟
مع أن هذا السؤال سيظل يؤرق العلماء لفترة طويلة ويحتاج إلى دراسات مطولة لسنوات قادمة إلا أن المجموعة البحثية المشتركة من عدة جامعات (جامعة الأزهر- معهد دانا فاربر للسرطان بجامعة هارفارد- جامعة مينيسوتا- معهد برود بجامعتي هارفارد ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا و جامعة إلينوي) لجأت لتقنيات الذكاء الاصطناعي لمحاولة إيجاد أسرار هذا المرض الخبيث في حالة مرضى سرطان البروستاتا. (لو تضع هنا تعريف للبروستاتا وأنها مرض يصيب الرجال ما بعد سن الأربعين)
قام الفريق البحثي والذي أحد باحثيه والباحث الأول في الدراسة التي نشرت مؤخرا في مجلة نيتشر العالمية، دكتور هيثم عبدالرحمن المراكبي، المدرس بقسم النظم والحاسبات بجامعة الأزهر والباحث بمركز دانا فاربر للسرطان بجامعة هارفارد، بدراسة السجل الجيني لأكثر من ألف مريض من مرضى السرطان و تحديد ما إذا كان السرطان في كل مريض من النوع المبكر أم من النوع المتقدم المقاوم للأدوية والذي انتشر أ قد ينتشر إلى أعضاء أخرى.
في هذه الدراسة قام الفريق البحثي بتطوير نموذج حاسوبي غير تقليدي يعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة وتحديدا التعلم العميق ( Deep Neural Networking) والذي يمكنه تحديد مرحلة السرطان اوتوماتيكيا بعد تدريبه على السجلات الجينية للمرضى. استطاع النموذج الحسابي المطور (لوغاريتمات التعلم العميق) بتحديد مرحلة السرطان بدقة للمرضى مما يعني أن النموذج يستطيع التمييز بين السرطان المبكر والمتقدم عن طريق تحليل السجل الجيني للمريض.
من الجدير بالذكر أنه يمكن استخدام هذا النموذج لمعرفة احتمالية أن يبدأ السرطان لدى المريض في عملية الانتشار الخبيث مما يسهل على الطبيب المعالج اتخاذ التدابير اللازمة مبكرا وقبل فوات الأوان.
بالنظر لأبعد من مجرد التنبؤ باحتمالية تطور السرطان فإن أحد مخرجات البحث المذكور القيمة هو تقديم تفسيرات لهذه التنبؤات. إذ أن أحد أهم عيوب النماذج الحاسوبية المعتمدة على تقنيات الذكاء الصناعي المستخدمة حاليا هو عدم القدرة على معرفة كيفية عمل هذه النماذج من الداخل أو إيجاد تفسير للقرارات التي اتخذتها هذه النماذج فهي تعتبر كصندوق أسود يقوم بأداء مهمته دون الإفصاح عن تفسير لطريقة عملها. على العكس من ذلك استطاع الفريق البحثي بناء آلية مبتكرة تتيح للنموذج الحاسوبي المستخدم ليس فقط التمييز بين السرطان المبكر و المتقدم بل و أيضا تقديم تفسيرات عن التغيرات والجينات والعمليات الحيوية المرتبطة بعملية انتشار السرطان.
باستخدام هذه الآلية المبتكرة إستطاع الدكتور هيثم المراكبي والفريق البحثي تحديد عدد من الجينات المهمة المعروفة والتي أمضى العلماء سنوات طويلة في دراستها ومعرفة مدى تأثيرها على انتشار السرطان بينما اكتشفها النموذج الحاسوبي تلقائيا.
بالإضافة الى قدرة النموذج المبتكر على إعادة اكتشاف عدد من الجينات المعروفة، فإن الفريق البحثي استخدم نفس الطريقة لاكتشاف عدد من الجينات الجديدة التي لم تكن معروفة في عملية انتشار سرطان البروستاتا من قبل. كذلك قام الفريق بإجراء تجارب مكثفة معملية على أحد هذه الجينات الجديدة و تبين أن نشاط هذا الجين يزيد من مقاومة الخلايا السرطانية للعلاج في المعمل.
واستخدم الفريق البحثي تقنية حديثة لتعديل الجينات تسمى كريسبر ( مكتشفي هذه الطريقة هما الحاصلتين على جائزة نوبل لعام ٢٠٢٠ في الكيمياء) لإيقاف عمل هذا الجين المكتشف. وجد الفريق البحثي أن الخلايا السرطانية المعملية بدأت في الاستجابة للعلاج بعد إيقاف عمل هذا الجين، مما يفتح الباب أمام بدء التجارب السريرية لتجربة العلاج الذي يوقف نشاط هذا الجين على المرضى.
يأمل الباحثون أن تقوم أحد الشركات العالمية في بدء التجارب السريرية على هذا الجين المكتشف في البحث لدراسة إمكانية استخدامه في علاج سرطان البروستاتا.يأمل الفريق البحثي في تكرار هذه الدراسة الناجحة والتي تجمع بين المعرفة الطبية و البيولوجية و الحاسوبية على سرطانات مختلفة مثل سرطان الرئة وسرطان الجلد.
كما يعتقد الفريق البحثي أن هذه الدراسة ستكون مفيدة في معرفة طرق استجابة مرضى السرطان للعلاجات المناعية مما يسمح بتطوير علاجات جديدة للسرطان. كما يعتقد د هيثم عبدالرحمن المراكبي أن التوسع في استخدام التحليل الجيني للمرضى وتقنيات الذكاء الصناعي سيفتح آفاقا غير مسبوقة في البحث والمعرفة وتطوير الأدوية للأمراض المستعصية وأن مصر يمكنها الدخول لهذا المجال الجديد بقوة إذا ما توفرت الموارد والدعم اللازمين لشباب الباحثين.
قد يهمك أيضــــــــــــــــًا :
أعراض الجهاز الهضمي من فيروس كورونا ما نعرفه حتى الآن
دراسة تكشف أمراضا في الجهاز الهضمي تزيد من خطر الإصابة بفيروس كورونا