البث الإذاعي

 حتى ثمانينات القرن الماضي كان الراديو من القطع الأساسية في كل منزل، وكانت الأسر تتجمع حول هذا الجهاز الثوري لتستمع إلى الأغاني والمسلسلات والبرامج المنوعة، وتتعرف على ما يجري من حولها في العالم، وبالتأكيد لم تكن تكتمل متعة رحلة السفر بالسيارة أو بالقطار من دون الاستماع لمحطات الراديو.

لا يستطيع أحد أن ينكر أن الراديو غير العالم بأسره، إذ أثر هذا الابتكار في كل الثقافات والمجتمعات من حول العالم، وكان الوسيلة الوحيدة للاتصال والترفيه لأكثر من 50 عاماً.

ساهم العديد من العلماء في تطوير جهاز الراديو الذي يصادف اليوم الاحتفال به عالميا، ولا يمكن تحديد عالم بعينه بأنه مخترع هذا الجهاز، لكن يعود الفضل كثيراً لهذا الابتكار إلى العالم الإيطالي جوليلمو ماركوني، الذي أرسل أول إشارة بث إذاعي في عام 1895م. أما في وقتنا الراهن فإن موجات الراديو تُبث من آلاف المحطات والمصادر المختلفة، وتملأ الجو من حولنا بإشاراتها وبثها المتواصل.

أدى تطور الراديو الذي يستعمل الموجات الكهرومغناطيسية لإرسال أو بث الصوت أو أي نوع آخر من المعلومات في أواخر القرن التاسع عشر إلى ثورة في الاتصالات، ففي ذلك الوقت لم يكن هناك سوى وسيلتين للاتصال السريع بين المناطق البعيدة، هما: البرق والهاتف، وكلاهما كان يتطلب أسلاكاً لحمل الإشارات بين المناطق المختلفة، ولكن الإشارات التي تحملها موجات الراديو تنتقل خلال الهواء، ما مكن المجتمعات البشرية من الاتصال بسرعة بين أي نقطتين على الأرض أو البحر أو الجو وحتى في الفضاء الخارجي.

بدأ البث الإذاعي بشكل واسع خلال عشرينات القرن الماضي، وأدى إلى تحولات رئيسية في الحياة اليومية للناس، وجلب تنوعاً كبيراً في طرق التسلية داخل المنزل، ومكن الناس ولأول مرة من الاطلاع على تطور الأحداث أثناء حدوثها أو بعد حدوثها مباشرة. وبدأ البث الإذاعي التجريبي في عام 1910م، إذ قام المخترع الأمريكي لي دي فورست بنقل برنامج من مسرح غنائي في مدينة نيويورك، وكان نجمه المغني الشهير إنريكو كاروسو، وبثت أول محطة تجارية في مدينة ديترويت الأمريكية بشكل منتظم يوم 20 أغسطس 1920.

شكلت الفترة القصيرة الواقعة قبل وبعد الحرب العالمية الثانية العصر الذهبي للراديو، ففي تلك الفترة التي سبقت الانتشار الواسع للتلفاز حظيت البرامج الإذاعية في كل من أمريكا وأستراليا وأوروبا وبعض أجزاء من آسيا بشعبية كبيرة.

أنهى التلفاز في خمسينات القرن العشرين ما سمي بالعصر الذهبي للراديو، والتف الجمهور حول التلفاز لمشاهدة العروض الفكاهية والمسرحيات، واعتقد الكثيرون أن الجهاز الجديد سيقلل من الأهمية التي حظي بها الراديو، لقلة عدد المستمعين، ولكن على الرغم من ذلك استمر جمهور مستمعي الراديو في زيادة مستمرة.

ومع ظهور التلفاز تطورت برامج الراديو لتساعد في جذب المزيد من المستمعين، فشملت مثلاً المقابلات الإذاعية، والمكالمات الهاتفية بالإضافة إلى التخصص في إذاعة الأخبار فقط.