لويس فان غال ولويز سكولاري

كان يتمنى لويس فان غال ان يودع المنتخب الهولندي بافضل طريقة من خلال قيادته الى لقب بطل العالم للمرة الاولى في تاريخه، لكنه سيضطر الى الاكتفاء بمباراة وداعية "هامشية" ضد البرازيل المضيفة السبت في برازيليا على المركز الثالث لمونديال 2014.

كان فان غال وبامتياز نجم المدربين في النسخة العشرين من نهائيات كأس العالم بفضل جراءته وحنكته، وهو سيترك "البرتقالي" بذكرى جيدة بعد ان كان فريقه صاحب اجمل العروض في البطولة التي ودعها دون ان يخسر بعدما انتهى مشواره فيها بركلات الترجيح امام الارجنتين.

لكن لا يمكن قول الامر ذاته عن نظيره البرازيلي لويز فيليبي سكولاري الذي شاهد منتخبه يتقهقر في الدورين الثاني وربع النهائي وصولا الى السقوط التاريخي المذل امام المانيا (1-7) في دور الاربعة.

واذا كان مصير فان غال معروفا كونه اتخذ قراره قبل النهائيات بالانتقال الى انكلترا من اجل الاشراف على مانشستر يونايتد، فان سكولاري الذي عرف اقصى البياض واقصى السواد في مغامرتيه مع البرازيل اذ قادها عام 2002 الى لقبها الخامس والاخير وكان "مهندس" السقوط الاقسى لها في تاريخ مشاركاتها في النهائيات، لم يحسم امره بعد رغم عاصفة الانتقادات التي يواجهها وهو كشف بانه سيعلن عن قراره بعد مباراة المركز الثالث.

من المؤكد ان المجهود الذي قام به فان غال في مغامرته الثانية مع المنتخب الهولندي (الاولى كانت بين 2000 و2002) كان رائعا لكن احدا لن يتذكر العروض المميزة التي قدمها الفريق بقيادته بعد الفشل في الوصول حتى الى المباراة النهائية، وذلك لان هولندا ليست بالمنتخب الذي يرضى بالدور نصف النهائي وحسب، بل انها تتطلع دائما لتكون منافسة على اللقب الذي افلت من يديها في ثلاث مناسبات حتى الان (1974 و1978 و2010) رغم امتلاكها للاعبين اسطوريين خلال حملاتها في العرس الكروي العالمي.

"وحده فان غال يجرؤ على فعلها، هل كان يعلم ان تيم كرول صد ركلتي جزاء فقط من اصل 20 في في الدوري الانكليزي لكرة القدم؟"، هكذا علق الانكليزي غاري لينيكر هداف مونديال 1986 على السيناريو "الجهنمي" الذي خيم على اللحظات الاخيرة من مباراة هولندا وكوستاريكا في ربع نهائي مونديال في البرازيل.

فبرغم الارهاق الذي حل بلاعبيه بعد 120 دقيقة امام الشجاعة الكوستاريكية في الذود عن مرمى الحارس العملاق كيلور نافاس، ابى مدرب مانشستر يونايتد المقبل ان يستخدم تبديلاته الثلاث وانتظر حتى الدقيقة الاولى من الوقت بدل الضائع في الشوط الاضافي الثاني لادخال كرول حارس مرمى نيوكاسل يونايتد بدلا من ياسبر سيليسن حارس مرمى اياكس امستردام لاعتقاده ان الشاب الاشقر افضل في ركلات الحظ وهذا ما حصل بصده كرتي براين رويز وميكايل اومانيا.

لم تكن المرة الاولى التي يضرب فيها المدرب القوي الشخصية ضربة معلم، ففي التاسع والعشرين من حزيران/يونيو الماضي اعتمد الوقت المستقطع من اجل تزويد اللاعبين بالماء لاول مرة في تاريخ كأس العالم في مباراة هولندا والمكسيك في فورتاليزا.

اوقف الحكم المباراة ثلاث دقائق في كل شوط ليسمح للاعبين بان يتزودوا بالمياه تفاديا للجفاف فاضافها في نهاية كل شوط على الوقت بدل الضائع.

وقف فان غال بين لاعبيه على طريقة مدربي كرة السلة، وبدأ بتلقينهم تعديل طريقة اللعب لتعويض هدف التقدم المكسيكي بعد تخلفهم صفر-صفر. عاد روبن ورفاقه الى المستطيل فعادلوا بتسديدة ويسلي سنايدر وحصلوا على ركلة جزاء منحتهم بطاقة العبور الى ربع النهائي.

بعد المباراة كشف فان غال: "انتقلت الى الخطة باء خلال وقفة التزود بالمياه، لكنها كانت طريقة ذكية للاستفادة من هذه الوقفة... تمكنت من نقل الخطة للجميع".

في الدقيقة 76، دفع فان غال بكلاس يان هونتيلار، لاول مرة في البطولة، بدلا من روبن فان بيرسي غير الموفق. بعد لحظات، طرح خطته البديلة: "كنت اعلم اننا سنحصل على هذه الوقفة. تدربنا على ذلك مع هونتيلار وديرك كاوت في المقدمة وكرات طويلة في العمق".

لكن كل ما قام به فان غال ذهب ادراج الرياح في نصف النهائي اذ انقلبت الادوار ونجح الحارس الارجنتيني سيرخيو روميرو في صد ركلتين ترجيحيتين للهولنديين وجعلهم يكتفون بخوض مباراة "الترضية".

 

ما هو مؤكد ان فان غال سيسلم لخلفيته غوس هيدينك الاسس الصحيحة التي ستخول المنتخب الهولندي بشبابه الرائعين ستيفان دو فريي وبرونو مارتنز ايندي ودالي بليند والمخضرمين اريين روبن (30 عاما حاليا) وويسلي سنايدر (30 ايضا) وروبن فان بيرسي (30 ايضا) من ان يكون المرشح الاوفر حظا للفوز بكأس اوروبا المقبلة عام 2016 على الاراضي الفرنسية وعلى اللقب العالمي المقبل على الاراضي الروسية عام 2018.

لكن لا يمكن القول الامر ذاته عن سكولاري الذي كان الخيار البديهي للاتحاد البرازيلي بعد اقالة مانو مينيزيس في تشرين الثاني/نوفمبر 2012، خصوصا انه كان "مهندس" التتويج الاخير لبلاده عام 2002.

فسكولاري الذي سيعلن عن قرار بقائه مع المنتخب من عدمه بعد مباراة السبت، لن يترك لخلفه في حال رحيله سوى فريق "محطم" معنويا ويفتقد الى مكونات النجاح بسبب تواجد لاعبين غير قادرين على الارتقاء الى مستوى التحدي ولا الى اسم البرازيل في عالم الكرة المستديرة.

وكان النجم الدولي السابق زيكو اول من وصف بشكل معبر الوضع الذي يعيشه المنتخب البرازيلي الذي سقط بحسبه في اول عقبة حقيقية تعترض طريقه.

"تمكنت المانيا من تلقين البرازيل درسا في كرة القدم على ملعب مينيراو"، هذا ما قاله زيكو (61 عاما) الذي دافع عن الوان المنتخب البرازيلي في 71 مباراة بين 1976 و1987 وسجله له 48 هدفا، في مقال كتبه في صحيفة "ذي غارديان" البريطانية.

وتابع زيكو الذي لم يتمكن رغم موهبته واللاعبين الرائعين الذين لعبوا الى جانبه في المنتخب من الوصول لابعد من المركز الثالث في كأس العالم (عام 1978 اضافة الى ربع نهائي 1986 والدور الثاني عام 1986)، "الموضوع ان الامور كانت مكتوبة على الحائط (واضحة): قبل اربعة اعوام في جنوب افريقيا، كانت لدينا فكرة بان الكرة البرازيلية تعاني. ثم فشل سيليساو في وضع خطة بديلة للخروج من الحفرة امام هولندا (1-2 في ربع النهائي)، وهذا كان مؤشرا واضحا على اننا اصبحنا متخلفين في هذه المسابقة".

وتابع "رغم ذلك، سمعت في الاعوام الاربعة الاخيرة وبشكل متكرر المقولة القديمة حول ان البرازيل تملك افضل كرة قدم في العالم وبان كؤوس العالم الخمس التي توجنا بها هي دليل على تفوقنا، وبان لا حاجة للقلق. كل ذلك سقط في بيلو هوريزونتي (حيث اقيمت المباراة ضد المانيا). يجب علينا العودة الى الاساسيات، تنفس الصعداء وتحليل ما حصل على ارضية الملعب وخارجها".

وتابع "لا يمكننا القول اننا الافضل في ما يفتقد منتخبنا الوطني 11 لاعبا يلعبون اساسيين في انديتهم... حان الوقت لتغيير فلسفتنا. حان الوقت للبرازيل لكي تعترف بانه يجب التغيير... لا يجب على البرازيليين الاعتقاد بان تاريخهم سيسمح لهم باحراز الانتصارات... لقد اصبحت هذه الايام خلفنا ولا شيء يجسد هذا الواقع افضل من هذه الهزيمة النكراء التي تلقينها في كأس العالم التي حلموا بالفوز بها امام جماهيرهم".

كان سكولاري يدرك تماما انه سيصبح اسطورة كروية خالدة في بلاده بحال نجح بقيادة البرازيل للقب عالمي على ارضها، لكن عوضا عن ذلك سيبقى اسمه مترافقا مع اسوأ هزيمة يتلقاها "سيليساو" في تاريخ النهائيات.

ورغم "الكارثة" التي سقطت على البرازيل في بيلو هوريزونتي، حافظ "بيغ فيل" على عنفوانه برد ليس في مكانه على الاطلاق، قائلا: "لن يموت احد" بسبب الهزيمة النكراء امام "ناسيونال مانشافت"، محاولا الحديث عن ايجابيات من مغامرته الثانية مع منتخب بلاده: "انها المرة الاولى التي نصل فيها الى الدور نصف النهائي منذ 2002... خلال عام ونصف معا، لعبنا 28 مباراة وفزنا ب19، تعادلنا في ست وخسرنا ثلاث. في المباريات الرسمية فزنا بثماني مباريات، تعادلنا في اثنتين وخسرنا هذه المباراة (ضد المانيا)... حسنا، بطريقة كارثية. لكن هذه الحلقة انتهت الان. يجب التطلع الى الامام".

وببدو ان سكولاري يعيش في عالمه الخاص ولم يستمع الى رأي الشارع البرازيلي الغاضب بكل فئاته او الى عنواين مثل ذلك الذي كتبته صحيفة "او ديا": "اذهب الى الجحيم فيليباو".

ويركز "فيل الكبير" على ان المنتخب البرازيلي لم يقدم المستوى الذي كان عليه في كأس القارات الصيف الماضي التي توج بها على حساب اسبانيا (3-صفر)، متناسيا ان تلك البطولة ورغم صفتها "الرسمية" لا تدخل في الحسابات الفعلية للمنتخبات، خصوصا انه لا يشارك فيها سوى حفنة من المنتخبات التي تخوض بعضها البطولة كتحضير لها للحدث الكروي الاكبر على الاطلاق.

دخل سكولاري (65 عاما) الى نهائيات النسخة العشرين وهو يشدد على انه ليس خائفا من تحدي ان يصبح ثاني مدرب يحرز اللقب مرتين بعد الايطالي فيتوريو بوتزو في 1934 و1938: "لو كانت خائفا من التحديات لما كنت قد حققت اي شيء في مسيرتي".

لكن هذا الحلم اصبح سراب ومغامرة "فيليباو" مع بلاده وصلت على الارجح الى نهايتها ولن يتمكن من الارتقاء الى مستوى التحدي الذي وضعه لنفسه.