محمد فائق

يصعب اختزال شخص بقيمة محمد فائق فى كونه رجل دولة من طراز رفيع أو مفوضًا ساميًا بحمل أهم الملفات المصرية في عصور مختلفة أو مجرد شاهد على عصور عدة  فارقة في عمر بلدنا ومنطقتنا،لم يملك تجاهه الجميع سوى التقدير والاحترام حتى من اختلفوا معه وسجنوه سنوات فقط لأنهم لم يستطيعوا شراء موافقته على سياستهم المغايرة لمبادئه، وبنبل حقيقى يترفع فائق عن الهجوم على من سجنوه، فقضيته دومًا هي مستقبل وطنه والتعلم من التجارب للنهوض بمصر.

جمعت محمد فائق علاقة وطيدة بالرئيس جمال عبد الناصر وقت أن كان طالبًا بالكلية الحربية بفرقة خاصة بمدرسة الشؤون الإدارية ودرّس له ناصر مادة التحركات، ثم قامت ثورة 52 ليكلفه ناصر بالعمل في تأسيس جهاز المخابرات العامة المصرية حاملًا حقيبة العلاقات المصرية الأفريقية على عاتقه منفذًا لأهداف النظام الناصرى تجاه أفريقيا، من دعم حركات تحرر الشعوب من الاستعمار وخلق علاقات قوية معهم كعمق استراتيجي حيوي لمصر،
 وكان فائق وقتها وزيرًا للإعلام فأعلن استقالته وقرر اعتزال العمل مع الدولة التى لم تعد تتوافق مبادئها مع قناعاته الشخصية، فكان جزاؤه الاتهام بالخيانة العظمى والسجن عشر سنوات من دون أي دليل سوى هوى النظام، وبعد مرور نصف المدة طُلب منه الإعتذار للسادات كى يتم الإفراج عنه ولينال حريته والعودة إلى أطفاله الصغار وحياته خارج أسوار السجن، لكنه رفض بإباء أن يعتذر عن جرم لم يرتكبه وأكمل عقوبته الظالمة حتى خرج منها مهمومًا أكثر بالحرية وحقوق الإنسان، فتم اختياره رئيسًا للمنظمة المصرية لحقوق الإنسان، ثم رئيساً للمجلس القومي لحقوق الإنسان، ليظل يعطي الوطن حتى إن تغيرت الأماكن والسياسات.

- ,وأكّد فائق أن ثورة 23 يوليو /تموز أحدثت تغييرًا عميقًا في المجتمع المصري فحتى اليوم نحن جمهورية مصر العربية ولسنا مملكة ، كذلك قضت ثورة يوليو/تموز على الإقطاع الذي كان به شكل كامل للعبودية وقللت الفوارق بين الطبقات بشكل كبير وأسست جيشًا حقيقيًا ولاؤه الأول والوحيد للوطن وهذا نلمس أهميته حتى اليوم من خلال ما مر بمصر وبالمنطقة العربية .

وأشار أن الأهداف أحيانًا تنتكس لكن يتم تصحيح مسارها والدليل على ذلك ثورة 25 يناير/كانون الثاني التي طالبت بالرجوع إلى مبادئ ثورة 23 يوليو/تموز من تحقيق العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية والاستقلال وتم رفع صور جمال عبد الناصر في الميدان ليس لتأليه الشخص لكن للمناداة بالعودة لمبادئه ومبادئ ثورته التى أجهضها الانفتاح وما تلاه من سياسات أعادت الفوارق الاجتماعية والمادية الهائلة بين الناس وجعلت الإنتاج يتراجع والديون تزيد، وبالتالى يزيد الفقر، وينهار التعليم والصحة والخدمات و العيش والحرية والعدالة الاجتماعية هي مبادئ ثورة 52 التي بقيت والتي ستستمر.

وأوضح أن ماعمل عليه عبدالناصر هو اشتراكية الكفاية وتوزيع الثروة بشكل عادل على الجميع كذلك زيادة الإنتاج ليعم الرخاء على كل البلد وليس على عدد محدود والبقية تعانى الفقر ولنا أن نرى كيف عمل عبدالناصر بل ونجح فى زيادة الإنتاج والتصدير للخارج، يكفى أن نعرف أن عبد الناصر بدأ حكمه بمشروع مكافحة الحفاء، حيث كان الفقراء لا يملكون حتى ثمن الحذاء وقضى على تلك الظاهرة ليعيش الفقير (وكان الفقراء على الأقل ربع تعداد الشعب، فكانت الاشتراكية هي اشتراكية الكرامة والعدل وليس اشتراكية الظلم أو الفقر.

وتابع أن ثورة يوليو/تموز حققت كل الأهداف وقتها  مضيفًا "نتعرض كأي بلد في العالم لإخفاقات أو انتكاسات لكن المهم هي فلسفة الحكم، هل هي فلسفة انهزامية أم تسعى للمقاومة والحرية طول الوقت، فالثورات تغير المجتمع بعمق، والنسيج الوطنى بناء مكتمل لا نستطيع فصل فترة عن أخرى أو حاكم عن آخر، ولا نستطيع أن نقارن عهدا بعهد أو ثورة بثورة، فالمسيرة متكاملة، يكون حدث ما انتكاسة فيحدث بعدها إفاقة أو تصحيح للمسار واستعادة للمبادئ. 
وأوضح قائلًا "لا أرى فرقًا بين ثورة 19 ويوليو 52 و25 يناير و30 يونيو/حزيران، مع اختلاف الوسائل والنتائج واختلاف المجتمع، لكن المبادئ واحدة يتم أخذ خطوات فى طريقها أو التراجع قليلًا عنها أو حتى الانتكاسة لكن بالنهاية هى مسيرة وطن نحو الأفضل.

والاتجاه نحو القومية العربية وتحرير الدول الافريقية وحرب اليمن التى أنهكت الجيش قبل النكسة وإنفاق كل هذه الأموال من أجل تلك الغاية، كيف يراها السيد محمد فائق مهندس العلاقات المصرية الافريقية؟

وأكّد أن الله مصر واختصها بهذا المكان والمكانة للقيام بدور، فهي ليست مجرد دولة مثل أي دولة من دول العالم الثالث، لكن اتحاد مصر والعرب يجعلها دولة كبيرة لها ألف حساب إقليميًا ودوليًا، وبالنسبة لأفريقيا هى عمقنا الإستراتيجى ومساعدتنا لها لم تفقدنا المال لكن تواجدنا هناك من خلال الشركات الاستثمارية والأجهزة المخابراتية التى عملت لمصلحة مصر بخاصة بعد زراعة إسرائيل فى المنطقة العربية، وتوغل المخابرات الإسرائيلية في أفريقيا وتهديدنا المباشر بتخفيض حصتنا من مياه النيل، والعمل ضد مصالحنا، وهذا يؤكد كم كان دورنا في أفريقيا أمرًا مهمًا، وبالنسبة لحرب اليمن بالفعل معكِ حق فى خسارة مصر من الناحية المادية وقتها وكذلك إنهاك الجيش بالطبع، لكن تخيلي إذا لم نكن قد ساندنا اليمن واتحدنا مع العرب كيف كنا سنتمكن من إغلاق مضيق باب المندب وقت الحرب و علينا أن ننظر للصورة الكاملة.

وقال " في فترة يوليو كان الغرب يدافع عن فكرة التمييز العنصرى واستعمار البلاد ونهبها بينما ندافع نحن عن حقوق الإنسان وحقوق الشعوب، كنا سابقين للعالم فى المناداة بحقوق الإنسان، فاحتلال فلسطين ضد حقوق الإنسان، والمجازر في أفريقيا ضد حقوق الإنسان، واستعباد البشر ضد حقوق الإنسان، ونحن من حارب ذلك، الآن يدعون أنهم مع حقوق الإنسان وفقًا لمصالحهم فقط وليس لوجه العدالة، ليس معنى كلامي أنني أدافع عن وضعنا فى حقوق الإنسان فأوضاعنا كانت وما زالت تحتاج إلى تغيير، ونحن ككل الشعوب نتطلع دائمًا إلى المزيد من الحرية والديمقراطية وغيرهما، ونسعى إليها، ونتقدم فيها قدر الاستطاعة، لكن يجب أن نعي أن "كارت" حقوق الإنسان يستخدمه الغرب فقط فى قضايا التفاوض السياسي واذا وصلوا إلى هدفهم نسوه.

واستطرد قائلًا" ما يتبقى من فكرة ممارسة الديمقراطية بالشكل المفهوم كالتنوع الحزبي وغيره لا يمكن تطبيقها بشكل كامل فى يوم وليلة لكن الأمور تتطور، فمثلًا الآن يمكن إنشاء الأحزاب من دون الرجوع للدولة، وكذلك تم تعديل قوانين كثيرة تشمل المشاركة السياسية الحقيقية، فنجد الآن الانتخابات بكل مراحلها نزيهة بالفعل بما فى ذلك انتخاب محمد مرسى نفسه، وبعدها انتخابات الرئيس عبدالفتاح السيسي، كذلك انتخابات المجالس النيابية وغيرها، ونعمل الآن على قانون لتحديد مدة الحبس الاحتياطي، وتقصيرها، وقريبًا سيخرج للنور ويتم تطبيقه.

وكشف التعاون مع الهيئة العامة للاستعلامات وكذلك معظم الدوريات العربية والدولية ونرفع تقاريرنا للأمم المتحدة ونكّرم الأعمال الدرامية المتوافقة مع مبادئ حقوق الإنسان لأننا نعتقد أن حقوق الإنسان ثقافة يجب أن يتعلمها الناس، قائلًا" معنا في المجلس القومي لحقوق الإنسان المخرجة الكبيرة أنعام محمد علي والفنان محمد صبحي، ولدينا العديد من البرامج التي ترسخ هذا المفهوم لدى أكبر قطاع من الناس.

> إذا تحدثنا بشكل أكثر تحديدًا، هل نجد مثلا أن السجون المصرية تتوافق قديماً وحديثاً مع مبادئ حقوق الإنسان؟

وقال ردًا على سؤال بشأن   توافق السجون المصرية قديمًا وحديثًا مع مبادئ حقوق الإنسان,"لا أريد أن أدافع عن الدولة لأن دور المجلس القومي لحقوق الإنسان الرقابة على أجهزتها أو المطالبة بتطوير بعض الهيئات لكننا نرصد الانتهاكات ونقدم بها تقارير لرئيس الدولة ولرئيس الوزراء ويتم صياغة قوانين يقرها فيما بعد مجلس النواب،  فالتعذيب كان في فترات سابقة منهجيًا والآن أصبح مجرمًا، وإذا تم توقيف ضابط يمارس ذلك يتم عقابه على الملأ ويحصل على أقصى عقوبة.

وتابع "لا يمكن إغفال الظرف الاستثنائي الذي نعيشه اليوم فى ظل الحرب على الإرهاب، على المعتقلين بخاصة مع الإجرام الذب مارسته الجماعات المتطرفة بعد فض رابعة وتعمدهم تفجير هذا العدد الكبير من الكنائس والاعتداء على رجال الشرطة والجيش وقتل الأقباط لذلك نقدم كل فترة بيانًا بعدد من أسماء الشباب غير المتورطين فى العنف ونقدمه لطلب العفو عنهم، وبالفعل يتم العفو الرئاسي عن عدد كبير كل فترة والبقية تأتي، وتستجيب لنا الدولة فى العفو عن آلاف الشباب المقبوض عليهم فى قانون التظاهر وغيره، بعد أن عملنا على تعديل القانون وسنعمل على تعديله مرة أخرى لتحتفل مصر قريبًا بخروج آخر سجين سياسى بها بإذن الله.

وأكّد أن ربط التنمية بحقوق الإنسان هو السبيل الوحيد لمستقبل أفضل، فمن أهم حقوق الإنسان للمواطن فى مصر أن توفر له الدولة التعليم الجيد المتوافق مع المعايير الدولية (كحق من حقوق الإنسان وليس مجرد احتياج)، وكذلك الرعاية الصحية المحترمة، ويجب أن تكون التنمية من أجل الإنسان بهدف ألا يكون هناك فقير، ويجب أن نعمل على هذا فى ظل زيادة سكانية تبتلع كل جهد تنموى. تلك سياسة بعيدة المدى لن تظهر آثارها فى يوم وليلة لكن الطريق واضح والجميع يعمل عليه، ونجد أن برنامج الأمم المتحدة للقضاء على الفقر تماما قبل 2030 يعمل على ذلك أيضًا.