تحيى منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) يوم 21 مارس الاحتفال باليوم الدولى للغابات، والذى يهدف لرفع الوعى بالإدارة والتنمية المستدامتين لجميع أنواع الغابات لصالح أجيال الحاضر والمستقبل. وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد اعتمدت فى ديسمبر عام 2012 يوم 21 مارس بوصفه اليوم الدولى للغابات والأشجار، ويشجع القرار جميع الدول الأعضاء على تنظيم أنشطة متعلقة بجميع أنواع الغابات والأشجار الموجودة خارج الغابات، مثل حملات زرع الأشجار. وأشار بن كى مون، الأمين العام للأمم المتحدة، فى رسالته بهذه المناسبة، إلى أن الغابات هى الرئة التى يتنفس بها كوكبنا. فهى تغطى ثلث مساحة اليابسة، وفيها يعيش 80% من الأنواع البيولوجية الموجودة على وجه البسيطة. ولذلك فهى تكتسى أهمية بالغة فى الاستجابة للعديد من متطلبات التنمية المستدامة التى تتراوح بين القضاء على الفقر وتحقيق الأمن الغذائى، وبين التخفيف من آثار تغير المناخ والتكيف معه والحد من أخطار الكوارث. وتشير التقديرات إلى أن بقاء 1.6 بليون شخص رهين باستدامة الغابات التى توفر لهم الغذاء والوقود والمأوى والدخل. وتشير تقديرات منظمة الصحة العالمية إلى أن نسبة تتراوح ما بين 65 و80% من السكان تعتمد على الأدوية المستخرجة من النباتات التى تنمو فى الغابات كشكل من أشكال الرعاية الصحية الأولية. ولفت مون إلى أن الغابات لا تتيح شبكات أمان اقتصادى أساسية لعدد كبير من فقراء العالم فحسب، وإنما هى أيضا دعامة من دعامات الاقتصاد على جميع المستويات. ويبلغ إنتاج صناعات الأخشاب المستديرة وتجهيز الأخشاب واللباب والورق نسبة 1% تقريبا من الناتج المحلى الإجمالى على الصعيد العالمى. ويقدر أن يبلغ حجم المنافع غير النقدية المتأتية من الغابات من قبيل المياه والطاقة والمأوى والأدوية ما بين ضعفى هذه النسبة وثلاثة أضعافها، أما مستجمعات مياه الأمطار فى الغابات فتوفر ثلاثة أرباع الإمدادات من المياه العذبة التى تعد موردا لا غنى عنه فى الزراعة والصناعة وإمدادات الطاقة والاستخدام المنزلى. وأكد مون أن اليوم الدولى للغابات يكرس لإذكاء الوعى بأهمية جميع أنواع الغابات والأشجار فى كفالة رفاهنا الاقتصادى والاجتماعى والبيئى والثقافى، ولكن لا بد أن يقترن الوعى باتخاذ إجراءات ملموسة. فلنسلم ونحن نتداول بشأن خطة التنمية لما بعد عام 2015، بالدور الحيوى الذى تؤديه الغابات، ولنتعهد بالعمل معا على حماية هذه النظم الإيكولوجية الحيوية وإدارتها على نحو مستدا. إن الغابات عبارة عن أنظمة متنوعة بيولوجيا، حيث تمثل بعضا من أكثر المساحات البيولوجية ثراء على وجه الأرض، وتغطى الغابات ثلث مساحة اليابسة على كوكب الأرض مما يتيح لها الاضطلاع بوظائف حيوية فى جميع أنحاء العالم. فزهاء 1.6 فرد (بمن فيهم أكثر من ألفى ثقافة أصلية) يعتمدون عليها فى الحصول على معايشهم. والغابات هى النظام الإيكولوجى الأكثر تنوعا على اليابسة، وهى موطن لأكثر من نصف الأنواع البرية من الحيوانات والنباتات والحشرات. وتوفر الغابات المأوى وفرص العمل لفئات السكان التى تعتمد عليها. وتضطلع الغابات أيضا بدور رئيسى فى التصدى لظاهرة التغير المناخى. فهى تسهم فى توازن الأكسجين وثانى أكسيد الكربون والرطوبة فى الجو، كما أنها تحمى المستجمعات المائية التى تزود الأنهار بالمياه العذبة. وعلى الرغم من تلك الفوائد الإيكولوجية والاقتصادية والاجتماعية والصحية التى لا تقدر بثمن، فإننا ندمر الغابات نفسها التى نحتاجها من أجل البقاء. فإزالة الغابات لم يزل مستمرا على الصعيد العالمى بمعدل ينذر بالخطر حيث يدمر سنويا 13 مليون هكتار من الغابات. وتعتبر إزالة الغابات السبب فى 12 إلى 20% من انبعاثات غازات الدفيئة التى تسهم بدورها فى ظاهرة الاحترار العالمى. وقد تمكن علماء أمريكيون استعانوا ببرنامج "جوجل إيرث" من رسم خارطة عالية الدقة تعرض وضع الغابات فى العالم. وأكد العلماء أن الأرض فقدت 1.5 مليون كيلومتر مربع من الغابات فى 12 عاما. وتظهر الخارطة التى استخدمت لإنشائها 650 ألف صورة التقطها القمر الاصطناعى "لاند سات 7"، تغيرات انتشار الغابات فى جميع القارات فى الأعوام 2000 – 2012، وتدل معلومات البحث على أن الأراضى المغطاة بالغابات اقتصرت خلال الأعوام 2000 – 2012 على مساحة مساوية لمنغوليا أو لستة أضعاف مساحة الأراضى البريطانية. وقال البروفيسور ماتيو هانسين من جامعة ماريلاند الأمريكية، الذى أشرف على تنفيذ برنامج إنشاء الخريطة إن هذه هى أول خريطة من هذا النوع تظهر التغيرات التدريجية فى مجال فقدان الغابات، مشيرا إلى أن تكنولوجيات جوجل إيرث سمحت له ولزملائه بالقيام بعمل يتطلب تنفيذه باستخدام أجهزة الكومبيوتر العادية أكثر من 15 عاما. وتشير نتائج البحث إلى أن كوكب الأرض فقد فى الفترة المذكورة 2.3 مليون كيلومتر مربع من الغابات بسبب قطع الأشجار والحرائق والأمراض والعواصف. وظهرت على سطح الأرض فى الوقت نفسه 800 ألف كيلومتر مربع من الغابات الجديدة، ويعنى ذلك أن المساحة الإجمالية لفقدان الغابات تبلغ 1.5 مليون كيلومتر مربع، ويضيف العلماء أن البرازيل حققت تقدما كبيرا فى مجال حماية الغابات إذ نجحت فى تخفيض تراجع الغابات السنوى فى أراضيها بمقدار 50%. وتتصدر أندونيسيا قائمة الدول التى تتميز بأكبر وتائر زوال الغابات ويبلغ 20 ألف كيلومتر مربع سنويا، كما تلاحظ الوتائر العالية لزوال الغابات فى الولايات المتحدة وباراجواى وماليزيا وكمبوديا. ويعد العلماء بتحديث خارطة الغابات كل عام ويشيرون إلى إمكانية استخدامها لتقدير فعالية برامج حماية الغابات، كما ستساعد الخريطة منظمات البيئة فى متابعة تأثير قطع الغابات على التنوع البيولوجى وتغير المناخ. ويشير تقرير حالة الغابات لعام 2013، إلى حالة الغابات وتغير المناخ حيث يرتبط تغيرالمناخ وبيئة الغابات إرتبطا لا ينفصل. فمن جانب، يجهِد التغير المناخى الغابات وبيئتها من خلال ارتفاع متوسط درجات الحرارة السنوية، وبفعل تبدل أنماط معدل سقوط المطر وتكرر أحداث الطقسِ الأشد تطرفا. وفى الوقت ذاته، فإن للغابات والأخشاب وظيفة أساسية فى ابتلاع وخزن ثانى أكسيد الكربون مما ينهض بدور رئيسى فى التخفيف من ظاهرة تغير المناخ. أما الوجه الآخر للعملة، فيتضح فى أن تدمير الغابات أو استغلالها فيما يفوق طاقاتها الطبيعية يمكن أن يجعل منها مصدرا متواصلا لإطلاق غاز الدفيئة أى ثانى أكسيد الكربونِ. وقد أكدت المنظمة تكرارا أن ثمة إجراءات لا بد أن تتخذ اليوم لإدارة هذه العلاقات المعقدة والمتكافلة فيما يراعى طبيعتها الشمولية. ويقول الخبير "فولف كيلمان" بوصفه رئيسا لمجموعة العمل المعنية بتغير المناخ لدى المنظمة، أن ثمة حاجة قاطعة للكف عن إزالة الأشجار وتوسيع نطاق المناطق المغطاة بالغابات، ويضيف كليمان أننا نحتاج أيضا إلى استبدال الوقود الأحفورى بموارد الوقود الحيوى، مثل الأخشاب الموردة من الغابات المدارة إدارة مسئولة- كيما نخفض انبعاثات الكربونِ. كما ينبغى زيادة استعمال الخشب فى المنتجات الأكثر تعميرا لإبعاد خطر إطلاق الكربون المحتجز إلى الأجواء لأطول فترات ممكنة من الوقت. وذكر التقرير أنه حين يحرق الوقود الأحفورى يطلق ثانى أكسيد الكربون فى الجو فيسهم فى زيادة تركزات هذه المادة المعروفة باسم غاز الدفيئة، مما يسهم تباعا فى ارتفاع درجات الحرارة أو ما يعرف باسم "الاحترار" ويفاقم من تغير المناخ. وتساعد الأشجار والغابات على تخفيف هذه التغيرات بامتصاص ثانى أكسيد الكربون من الجو وتحويله من خلال عملية التمثيل الضوئى إلى كربونِ مختزن على هيئة خشب ونباتات، ويطلَق على هذه العملية تسمية "ابتلاع الكربونِ". وتتألف الأشجار عموما من نحو 20% كربونا فى تكوينها، وبالإضافة إلى الأشجار ذاتها فإن الكتلة العضوية الحية للغابات تؤدى أيضا دور "بالوعة للكربونِ". فعلى سبيل المثال، تؤدى المادة العضوية فى تربة الغابات (كالدبال المنتج طبيعيا بفعل تحلل المادة العضوية) وظيفة مخزنِ للكربون أيضا. وكنتيجة لذلك، تخزن الغابات كميات هائلة من الكربون. وطبقا لدراسات المنظمة تخزن غابات العالم وتربة الغابات أكثر من تريليون طن حاليا من الكربون، أى ضعف الكمية الطليقة فى الأجواء، لكن تدمير الغابات من جانب ثان، يضيف تقريبا 6 مليارات طن من ثانى أكسيد الكربون إلى الأجواء كل سنة. وتشير المنظمة إلى أن منع هذه الكميات من الكربونِ المختزن من الإنطلاق تستحس أهميته على الموازنة العامة للكربونِ فى البيئة مثلما يؤدى دورا حيويا فى صون النظام الايكولوجى عموما. بالوسع إنجاز ذلك ليس فقط بالحيلولة دون إزالة الغابات، بل وأيضا من خلال أعمال التشجير (زرع أشجار جديدة )، وإعادة التحريج (إعادة الغرس فى المناطقِ المقطوعة الأشجار) فى نطاق الأراضى غير المشجرة وعلى الأخص فى المناطق المدارية، حيث تنمو النباتات بمعدلات سريعة وبذلك تزيل الكربون من الجو بسرعات أعلى، ويستطيع غرس الشجيرات امتصاص كميات كبيرة من الكربون من الهواء فى أمد فترات قصيرة نسبيا. وبوسع الغابات فى إطار هذه البيئة أن تختزن ما يصل إلى 15 طنا من الكربون لكل هكتار سنويا فى كتلتها العضوية وقوامها الخشبى. وتقدر المنظمة وغيرها من الخبراء أن احتباس الكربونِ على صعيد الكوكب بفعل الحد من إزالة الأشجار، وزيادة إعادة التحريج، ونمو الغابات وتوسع المزارع الحرجية يمكن أن تعوض مجتمعة فى سياق مواز عن نحو 15% من انبعاثات الكربون من الوقود الأحفورى على مدى السنوات الخمسين القادمة. وتؤدى الأخشاب المحصودة أيضا دور بالوعة للكربون، حيث يختزن الخشب المستخدم فى أعمال البناء أو صنع الأثاث الكربون لقرون بأسرها. كذلك، تتطلب مواد البناء المستهلكة للطاقة والمستخدمة عوضا عن الخشب، مثل البلاستيك أو الاُلومنيوم أو الأسمنت، كميات كبيرةَ من الوقود الأحفورى فى سياق التصنيع، مما يعنى أن استبدالها بالأخشاب سيحقق فوائد إضافية بمقياس الحد من انبعاثات الكربون. وعلى نفس النحو، فإن استخدام حطب الوقود بدلا من النفط والفحم والغاز الطبيعى يتيح إمكانية التخفيف من تغير المناخ كحقيقة واقعة. فحتى مع التسليم بأن حرق الخشب والكتلة العضوية الحية هو عملية تصدر ثانى أكسيد الكربون فى الأجواء، فإن استقدام ذلك الوقود من غابة مدارة إدارة مستدامة يمكن فى تلك الحالة أن يوازن انبعاثات الكربون فى سياق مواز لإعادة غرس الأشجار. ففى الواقع إن أديرت على النحو الأمثل، بوسع الغابات عمليا أن توفر كميات مستمرة من الوقود الحيوى بلا إضافة أى كميات من غاز الدفيئة إلى أجواء الكرة الأرضية.