دمشق-سانا
يستحوذ البحث عن مصادر الطاقة على اهتمام عالمي على مستوى الدول ومراكز البحوث والجامعات وغيرها والتي تتجه جميعها نحو هدف واحد وهو إيجاد مصدر بديل يوفر الطاقة ومتوافر بسهولة وتكلفته بسيطة وصديق للبيئة والانسان.
وفي هذا الإطار نفذ مهندسون في مديرية الاقتصاد الزراعي والاستثمار دراسة حول الأهمية الاقتصادية لإدخال وزراعة شجرة الجاتروفا في سورية كأحد أهم مصادر الوقود الحيوي داعين إلى زراعتها كجزء من الاستراتيجية السورية للطاقة المتجددة وأخذ خطط تنميتها وترويجها بجدية وتعميم النتائج على القطاع الخاص للتشجيع على الاستثمار في تلك المشاريع .
وأوصى المهندسون بأن يستند تخطيط وتنفيذ برامج صناعة الوقود الحيوي من الجاتروفا إلى مؤسسات حكومية كوزارة النفط أو الكهرباء -المركز الوطني لبحوث الطاقة- مع مشاركة فعالة من وزارات الزراعة والبيئة والري.
ووفق الدراسة فإن إدخال زراعة الجاتروفا إلى سورية أمر مجد اقتصاديا لكون تكاليف إنتاجها قليلة إلى حد ما مقارنة مع المحاصيل الأخرى وتمكن زراعتها في مختلف أنواع الأتربة ولا تحتاج إلى كميات كبيرة من المياه والأسمدة ومواد المكافحة ولا تتطلب سوى بعض العمليات الزراعية كما أن بذارها وزيتها مطلوبان في الأسواق العالمية.
وتشير الدراسة إلى ضرورة إنشاء مشتل متخصص لإنتاج شتلات عالية الإنتاج لبيعها وتنمية زراعة الجاتروفا وتحقيق مصدر دخل إضافي وإقامة مزارع في مناطق قريبة من محطات معالجة مياه الصرف الصحي للاستفادة من تلك المياه في الري وكذلك في الأراضي الهامشية التي لا تستخدم إطلاقا في الزراعة ولا سيما في الإنتاج الغذائي وخلق كوادر فنية في هذا المجال وإيلاء الاهتمام الكافي لصناعة زيوت الجاتروفا بإقامة مصانع أو وحدات لاستخلاص وعصر البذور استكمالا لحلقات الإنتاج والتصنيع.
ويعد سعر زيت الجاتروفا وفقا للدراسة أغلى من سعر الزيت البترولي الخام بحدود 30 بالمئة ما يحقق ربحا ماليا على مستوى المزارع الفرد والاقتصاد الوطني ككل ويمكن لزراعة الجاتروفا كمحصول اقتصادي أن تكون بديلا أو رديفا اقتصاديا وطنيا يسد الثغرة الناتجة عن نقص البترول والطلب المتزايد على الوقود والمحروقات ولا سيما في أوقات الأزمات كما أنها تسهم بتوفير عملة صعبة من خلال عمليات التبادل التجاري الدولي.
وتؤكد الدراسة اهمية إجراء دراسة جدوى فنية واقتصادية متكاملة لذلك المحصول على مستوى سورية بالتعاون مع الجهات المعنية وإجراء دراسة مشروع لزراعة 100هكتار بأشجار الجاتروفا في المناطق الهامشية على أن تتضمن الدراسة جدوى زراعة محصول الجاتروفا للحصول على البذور وأخرى لاستخراج زيت بذور الجاتروفا وبالتالي بيان مقدار ونسبة ما يسهم به ذلك في دفع عجلة الاقتصاد الوطني.
ويبين مدير الاقتصاد الزراعي والاستثمار الدكتور مجد أيوب أنه نتيجة لارتفاع أسعار النفط وتوقع نضوبه في المستقبل أصبح البحث عن بدائل للطاقة الأحفورية أمرا حتميا وباستثناء طاقة الرياح والطاقة الشمسية التي هي من البدائل المتجددة والواعدة للطاقة في المستقبل يجري الحديث اليوم عن شجيرة الجاتروفا التي لا تصلح للاستخدام الغذائي لافتا إلى أن الهنود في ولاية بنغالور تمكنوا من اكتشاف القيمة الحقيقية الكامنة في بذورها
وأصبحت هذه الشجيرة أملا واعدا في أفق مشاريع اكتشاف مصادر الطاقات البديلة للنفط من خلال استخلاص زيت بذورها عن طريق تحويله إلى نوع من الوقود الحيوي وخلطه مع أنواع الوقود الأخرى لتشغيل محركات السيارات وغيرها من الاستخدامات.
ويحظى الوقود الحيوي كمصدر طاقة واعد باهتمام عالمي واسع من بين الطاقات المتجددة التي يوءمل أن تلعب دورا متزايدا في مزيج الطاقة العالمي خلال العقود القادمة والذي يشير إلى أنواع الوقود السائل المستمدة من الكتلة الحيوية والتي يمكن استخدامها كوقود لمحركات وسائط النقل وتأتي أهميته من نواح بيئية من خلال تخفيضه انبعاث الغازات الملوثة للبيئة واقتصادية من خلال انخفاض أسعاره وتكاليف إنتاجه عن الوقود الأحفوري.
ويوضح أيوب أ ن الجاتروفا أصبحت محصولا جديدا للطاقة في البلدان التي تنمي مصادر طاقاتها المتجددة مع العديد من الفوائد الواعدة فبالإضافة إلى فوائدها البيئية واستخداماتها الأخرى الضرورية للإنسان والحيوان فإن هذ الشجرة تستخدم بشكل أساسي في محاربة التصحر كونها تنمو بنجاح في الأماكن المتصحرة والجافة والقاحلة وتمنع انجراف التربة ولا تحتاج إلى الكثير من عمليات الخدمة والمياه كما أن التوسع في زراعتها لن يتم على حساب إنتاج المحاصيل الغذائية التقليدية وبذلك يمكن لصغار المزارعين تحقيق دخل إضافي من خلال زراعتها وبيع بذورها.
ولا تزال زراعة الجاتروفا في مراحلها المبكرة جدا ومع ذلك بلغت المساحة المزروعة في عام 2008 نحو 900 ألف هكتار في242 مشروعا موزعة على مختلف أنحاء العالم أكثر من 85 بالمئة منها في آسيا ونحو 120 ألف هكتار في افريقيا تليها أمريكا اللاتينية بنحو 20 ألف هكتار وتطورت المساحات المزروعة عالميا في عام 2010 لتصل إلى نحو 5 ملايين هكتار زرعت ميانمار منها نحو 800 ألف هكتار الأولى عالميا ويتوقع أن تبلغ المساحات المزروعة من الجاتروفا على مستوى العالم نحو 13مليون هكتار بحلول عام 2015.
ويقول مدير الاقتصاد الزراعي والاستثمار: “ينتظر أن تتضاعف الاستثمارات العالمية في زراعة الجاتروفا لتصل إلى 1 مليار دولار سنويا بافتراض أن متوسط الاستثمار المطلوب للهكتار الواحد يتراوح بين 300 و500 دولار كما يتوقع أن تنمو الاستثمارات في صناعة منتجات هذه الشجرة في جميع أنحاء العالم لتصل من 500 مليون حتى 1 مليار دولار سنويا خلال 5 إلى 7 سنوات قادمة”.
ولهذه الشجرة استخداماتها العلاجية حيث تستخدم أجزاء مختلفة منها في الطب الشعبي في العديد من البلدان وذلك لتأثيرها على العديد من الأمراض ويحتوي العصير اللبني لها على مادة قلوية تسمي جاتروفين يعتقد انها مضادة للسرطانات وتفيد في معالجة الجروح وأمراض الجلد ولا سيما الثآليل ويعالج مستخلص الأوراق البواسير وتساعد الأوراق بتنظيف وعلاج مشاكل الأسنان ويفيد الرماد الناتج عن حرق الأفرع بعد خلطه ببعض النباتات المحلية في وقف نزيف اللثة وعلاج الروماتيزم وبعض الأمراض الجلدية كما يستفاد من الجذور في علاج لدغة الثعابين وتساعد الأوراق بتنظيف وعلاج مشاكل الأسنان.
ويمكن أن تستخدم في برامج الإدارة المتكاملة للآفات والتنوع الحيوي وتحسن من خصوبة التربة وتساعد على امتصاص الفوسفات وتستخدم منتجاتها كزيت وقود بديل وسماد عضوي لإنتاج المحاصيل المختلفة تحت مسمى الإنتاج النظيف كما يمكن استخدام مستخلصاتها كمكونات لمبيدات حيوية وصناعة الصابون والزيوت الصناعية ومواد التجميل وزيت الشعر والشمع وكزيت للإضاءة وفي بريطانيا تدخل في صناعة الصوف الصناعي كما تستخدم الأوراق وقلف الأشجار والقشور كمواد صباغية لارتفاع نسبة التانينات فيها.
ويشير أيوب إلى أن مشاريع الجاتروفا تسهم في تشغيل العمالة الريفية من خلال عمليات الزراعة وجمع البذور ومعالجتها وتعطي إيرادا سنويا صافيا نتيجة بيع البذور لمدة طويلة وتصل إلى 40 سنة ابتداء من السنة الرابعة من زراعتها إضافة إلى الإنتاج المتميز من الزيت الحيوي والمطابق للمواصفات الدولية والمطلوب للتصدير عالميا ما يزيد من الدخل القومي للبلاد ويمكن استخدام زيوتها في المحركات دون تكرير.
وتعتبر المكسيك وأمريكا الجنوبية والوسطى الموطن الأصلي لشجيرات الجاتروفا ومنها انتشرت إلى العديد من المناطق الجافة وشبه الجافة والاستوائية ومن ثم إلى باقي أنحاء العالم وتوجد على ارتفاعات تتراوح بين 500 و1200 متر فوق مستوى سطح البحر ويتراوح ارتفاع النبات بين 3 و 5 امتار وقد يصل الى ما بين 8 وعشرة امتار في الظروف الجيدة.
وبالعودة إلى الدراسة فقد نفذها مهندسون هم حسام القصار رئيس قسم الدراسات والتقييم الاقتصادي في وزارة الزراعة وإيناس سعدة من قسم الدراسات والتقييم الاقتصادي وآلاء المسوتي من قسم الاستثمار الزراعي.