القاهرة - مصر اليوم
عقدت على هامش مهرجان القاهرة الدولي للمسرح المعاصر والتجريبي في دورته الرابعة والعشرين ندوة فكرية حملت عنوان "أشكال المسرح المعاصر وقضية المعنى"، تضمنت ثلاث جلسات نقاشية.
ودار محور الجلسة الأولى حول موضوع "تجاوز دور الكلمة في صياغة المعني في المسرح المعاصر" ، وترأس الجلسة الدكتور محمد أبو الخير أستاذ الإخراج المسرحي بالمعهد العالي للفنون المسرحية، وتحدث فيها سعيد كريمي أستاذ التعليم العالي للأدب الحديث والفنون بجامعة المولى إسماعيل، وعواد علي ناقد مسرحي وروائي وباحث عراقي، وميسون علي وأستاذ المسرح الحديث والمُعاصر في المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق .
وتناول الدكتور سعيد كريمي أستاذ التعليم العالي للأدب والفنون بجامعة المولى إسماعيل بالمغرب موضوع "بلاغة لغة الجسد وفائض المعنى في مسرح القسوة عند أنتونان آرطو". وناقش البحث رؤية أنتونان أرطو الثائرة على اللغة الكلامية، ومكانتها داخل المسرح، مدخلا أساسيا لتفكيك شعرية مسرح القسوة، حيث حظيت الكلمة على الدوام بمكانة متميزة داخل كل المسارح، إلى درجة أنها صارت الأداة اللغوية الأكثر استعمالا، والأكثر هيمنة.
وقال: "رغم أن المسرح هو لغة الجسد بامتياز، بل هو الجسد بعينه، فإنه هو الآخر عمل على تبجيل الشعرية المسرحية الأرسطية لقرون عديدة"، معتبرا إياها رمادا مبجلا لا يجوز المساس به، محنطا جسد الممثل، ومحولا إياه إلى مومياء، معتمدا على اللغة الكلامية في معالجة مختلف القضايا والتصورات التي يتناولها.
وأوضح أنه من الواضح أن اللغة الكلامية محدودة، ولا يمكنها التعبير عن كل المواقف والمشاعر التي يمكن أن تنتاب الإنسان. لهذا السبب، عمل أرطو على تحجيمها، وجعلها مجرد عنصر من العناصر المكونة لمجموع نسق العرض، فاسحا المجال للغة الهيروغليفية – الجسدية لتطفو على السطح، وتعبر ببلاغة عما تعجز عنه اللغة الكلامية.
وأكد كريمي أن المخرج تحول في مسرح القسوة إلى النواة الأساسية التي يقوم عليها العمل المسرحي، بعدما كان مجرد تابع للمؤلف، وأضحى من واجبه استغلال كل الإمكانيات التعبيرية لملء الفضاء المسرحي الفارغ، كما أن عليه أيضا استثمار القسوة الكونية لخلق عالم يشي بمأساوية الحياة وسوداويتها، والدفع بالعرض المسرحي إلى الجمع بين الميتافيزيقي والفيزيقي، والمجرد والملموس، لصنع بنية متماسكة في عالم متخيل، ينطوي على شتى أنماط التعابير.
وأضاف: "إذا كان المسرح تعبيرا عن مواقف وليس تعبيرا عن كلمات، فإن ذلك ما يفسر اتجاه أرطو نحو البحث عن لغة تقوم مقام اللغة الكلامية، لغة يكمن غناها في تعددها واختلافها، تتوزع بين الصرخة، والنفثة، والحركة، والعلامة بشكل عام، حيث وجد ضالته في العودة إلى الأصول، ومعانقة المنابع، والانفتاح على الثقافة الشرقية، والفرجات الأنتربولوجية الضاربة جذورها في أعماق التاريخ".
وأوضح أن لغة الجسد في مسرح القسوة تقوم على مجموعة من التمظهرات الجسدية التي يتم من خلالها بلورة رؤى ومواقف غاية في العمق الدلالي، وقد انتبه أرطو إلى بلاغة الجسد، وما يمكن لكل علامة أن تؤديه من معان ودلالات، فالجسد ينطوي على لغة فيزيقية غنية جدا، يمكن استخدامها لوحدها دون حاجة إلى اللغة المنطوقة.
واختتم بأن لغة المسرح الحقيقية عند أرطو مبنية على العلامة وليس على الكلمة، إذ لم ينظر إلى المسرح من موقع كاتب درامي، ولكن من موقع مخرج سينوغرافي، يعرف جيدا أن فن المسرح الذي يعج بالدم والحركة،لا يمكنه أن يقتصر على اللغة المنطوقة، ما دام أنها قاصرة، ويجب أن يبحث عن لغات أخرى أصيلة، من شأنها خلق آفاق تأويلية جديدة لمطاردة المعاني والدلالات المكثفة التي يحبل بها العرض، فكان أن اختار لغة الجسد باعتبارها الوسيلة التعبيرية الأكثر بلاغة.
وتناول الناقد والروائي العراقي عواد علي خلال مشاركتة بالجلسة الأولى موضوع "مسرح الصورة" في العراق وارتباطها بالمخرج صلاح القصب، وذلك من الناحية العلمية والنظرية ، من خلال عرض "هاملت" والذي قدمه في كلية الفنون الجميلة ببغداد عام 1980 ، وكيفية بناء الخطاب المسرحي في مسرح الصورة من خلال شبكة التكوينات الجسدية والأشكال الحركية والإيمائية والسينوغرافية المركبة، الغامضة، المصممة وفق علاقات إيحائية متغيرة، وتصاحبها إيقاعات صوتية بشرية مختلفة، كالتمتمات، والصرخات، والتأوهات، والهمهمات، وقد تستغني هذه البنية عن الحوار استغناء تاما، أو تكتفي بالقليل الجوهري منه لإعلاء الجانب البصري في العرض.
وقال: "قدم القصب خلال عشرين عاما اثني عشر عرضا مسرحيا، في سياق مسرح الصورة، وقد كانت هذه العروض مغامرة فنية خلخلت الذائقة الجمالية، وأعراف التلقي المألوفة في المسرح العراقي، وصدمت آفاق توقعات لجمهور بجسارتها وتطاولها على المواضعات المسرحية والقيم الدرامية التقليدية، وتقاطعها مع واقع اجتماعي محاط بالأسلاك الأيديولوجية. كما تركت أثرا كبيرا على جيل من المخرجين الموهوبين في العراق، وبعض الدول العربية، وحفزته وحرّضته على إنتاج خطاب مسرحي بصري يقوم على بنى مشهدية، في التشكيل الحركي، والأداء الجسدي، والسينوغرافيا، بيد أن هذا الجيل، كما نرى، لم ينسخ تلك التجربة، بل اعتمد على القراءة التأويلية الخلاقة للنصوص، وإبراز المسكوت عنه، أو اللامفكر في داخلها".
وتناولت الدكتورة ميسون على أستاذ المسرح الحديث والمُعاصر في المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق موضوع "جسد الممثل والأداء الحركي" في المسرح المعاصر.
وقالت ميسون على: "إن مقاربة مفهوم الجسد في المسرح المعاصر لا تنحصر في توصيف التعامل مع الجسد في المسرح على مستوى الشكل فقط ، وإنما تشمل البحث في الخلفية الفلسفية التي تشكّل المفهوم وتعطيه معنىً خاصاً في كل حالة من الحالات، وهذا ما يسمح بتبيان وضع الجسد وكيفية التعامل معه" .
وأضافت: "ضع جسد الممثل له خصوصيته، لأن للجسد في هذه الحال وضعين متراكبين، فهو ومن خلال وجوده المادي ، حضور من جهة ، وأداة تواصل من جهة أخرى، فخلال العرض يتحوّل هذا الحضور الجسدي والمادي إلى وسيلة تعبير مثل بقية المكوّنات".
وواصلت الدكتورة منى كنيعو تقديم ورشة الاضاءة المسرحية، على خشبة مسرح الطليعة، ضمن فعاليات مهرجان القاهرة الدولي لمسرح المعاصر والتجريبي .
واستعرضت للمتدربين في الورشة أنواع أجهزة الإضاءة المختلفة المستخدمة في المسارح خلال الفترة الحالية، وانتقلت بالمتدربين إلى قاعة صلاح عبدالصبور لشرح وتوضيح طبيعة عمل أجهزة الإضاءة على أرض الواقع، كما طلبت من متدربي الورشة أن يصعدوا إلى كابينة الإضاءة، للوقوف على طبيعة التحكم في إضاءة العروض المسرحية.
ومنى كنيعو، أستاذ مساعد بقسم فنون التواصل في الجامعة اللبنانية الأمريكية في لبنان، وحصلت على بكالوريوس الفنون الجميلة في جامعة بيروت وعلى درجتي الماجستير والدكتوراة في دراسات المسرح بجامعة ليدز في المملكة المتحدة.