أبوظبي ـ مصر اليوم
صدرت عن "دار الحكمة" بلندن رواية "ليلة المعاطف الرئاسية" للكاتب محمد غازي الأخرس، وهي باكورة أعماله الروائية التي تتمحور ثيمتها الرئيسية حول الخطف والقتل والترويع، بعد ومجيء السلطة الجديدة التي أذكت الصراعات والفتن الطائفية وهيّجت رواسب الماضي السحيق، ودفعت بعض العراقيين إلى حافة التوحش.
وبحسب ما نشرته صحيفة الشرق الأوسط، تقوم الرواية برمتها على حدثين متوازيين، الأول يستدرج فيه الجنرال "كوكز" ضحيته التي يسمّيها الروائي أولاً "القارئ" ثم "القارئ – الكاتب" لاحقاً، ويصطحبه معه، رغم اعتراض زوجته، في دبّابته برحلة ليلية طويلة تبدأ من شارع "القناة" وتنتهي بمعسكر أميركي في شارع "المطار".
فيما يبدأ الحدث الثاني عندما يذهب المدير "عوّاد"، في رابع أيام عيد الأضحى لاستعادة أبنائه الثلاثة المُختطَفين، ويموت، من الخوف ربما، إثر مناوشة بين جنود أميركيين وجماعة مسلّحة، ثم نكتشف تباعاً أن أولاده الثلاثة قد قُتلوا بدمٍ بارد وكدّسهم السائق في المقعد الخلفي، بينما ينحشر الضحية الخامسة "حيدوري" في صندوق السيارة التي يقودها أحد تلامذة المدير السابقين" وفي السياق ذاته، يتم اختطاف زوج "زينب"، ابنة المدير "عوّاد"، لكنه يتدارك نفسه بدفع فدية كبيرة ويهاجر إلى الدنمارك مباشرة على أمل لمّ شمل العائلة لاحقاً.
لاو يستغرق الحدثان الروائيان أكثر من ليلة ونصف نهار قادم، لكن زمنهما الواقعي يمتد إلى ثمانينات القرن الماضي واندلاع الحرب العراقية - الإيرانية وما خلّفته من آثار وخيمة على طبيعة المجتمع العراقي، الذي أنجب في خاتمة المطاف شخصيات معطوبة ذهنياً كتلك التي نراها تتحرك على مدار النص الروائي الذي تفوح منه رائحة الدم والموت والخراب.
أما الشخصيات فهي كثيرة ولا تقتصر على أبطال الحدَثين المُشار إليهما سلفاً، فهناك شخصيات تتوالد ضمن النسقين السرديين للرواية، لكنها سرعان ما تتلاشى أو تكتفي بأدوار هامشية تساهم في تأثيث المتن السردي، مثل "سالم نعيم"، و"خلدون سامي الشمّاع"، و"شلومو إسحاق"، و"حجي دنيّن"، و"العريف المظلي" الذي نُقل إلى الملحقية العسكرية في نيودلهي وتعرّف إلى فتاة هندوسية ثم هرب معها إلى كشمير ليصبح أثراً بعد عين.
ويكشف الحدث الأول عن خلفية عائلة "عوّاد عبد اللطيف الموحان"، مدير "مدرسة البواسل الابتدائية"، وأولاده الثلاثة "صباح" و"صبري" و"ليث" الذين لقوا مصرعهم على أيدي الخاطفين، كما نتعرف على زوجته "رباب" وابنته "زينب" التي كانت تتواصل مع أبيها عبر الهاتف الجوال قبل أن يفارق الحياة في تلك الليلة المشؤومة، أما البنات الأربع فكنّ مجرد رقم ضمن السياق السردي للرواية.
وفي حين يعرّي الحدث الثاني شخصيات أخرى أكثر أهمية في تفعيل الجانب الدرامي للنص الروائي، أبرزها الجنرال كوكز، و،القارئ – الكاتب،، والشاعرة والباحثة السوسيوكولوجية علياء مطر، المُلقبة"الخاتون" التي تكتب عن الخوف الإنساني وفقاً لمفاتيح ألفريد أدلر وفرضية الشعور بالنقص، وقد أنجزت أطروحة الدكتوراه المعنونة "المقاييس السوسيوكولوجية الثابتة لنمط الشخصية العراقية الشجاعة" ونالت عنها درجة الامتياز، وحظيت باهتمام "الرئيس" الذي قلّدها وساماً رفيعاً، وأغدق عليها لقب "أدلر العراقية".
التي تستدعي دراسة الشخصية الجبانة، والوقوف على أسباب ذعرها وهلعها من الموت، فالفكرة التي قدَحها "العريف المظلي" في القوات الخاصة بتشكيل "فوج الانتصار على الخوف" ستتفرع إلى هيئات، وفرق طبية خاصة بفحص جثث الجبناء والمتخاذلين لاستخلاص المعادلات التشريحية، والتوصل إلى آخر مستجدات نظرية الجينوم البشري التي هرّب أبحاثها طالب ألباني إلى روسيا لكن المخابرات الأميركية سرقت نتائجها، ثم وصلت إلى أيدي الصرب والأتراك قبل أن تقع في أيدي المخابرات العراقية الناشطة في أوروبا لتجد طريقها مباشرة إلى مكتب الرئيس.
لم تُضمّن "الخاتون" أطروحتها نتائج البحث التي توصلت إليها، لذلك ظلت المعادلة لُغزاً سرّبته الشاعرة إلى القصائد، والقصائد موجودة في ديوان، والديوان مخبأ في خِزانة مُقفلة لا يمكن فتحها إلاّ بشفرة سرّية مؤلفة من عشرين رقماً، وعلى "القارئ – الكاتب" الذي خطفه الجنرال أن يؤول هذه القصائد ويكتشف المعادلة التشريحية.
وتبدو شخصية "القارئ – الكاتب" غامضة ومثيرة في الوقت ذاته، فقد ورث الخوف عن جده "ساطع مدهوش"، لكنه تفوّق في دراسته الجامعية، وحصل على امتياز عن أطروحة دراسته العليا التي تناولت "أثر الخوف في استمرار الحرب في العراق... دراسة سوسيوكولوجية" والتي أشرفت عليها الدكتورة "علياء مطر"، لكنه وقع في حبها فخفّف قليلاً من فضاء الرواية الكابوسية التي يتداركها المؤلف بين آونة وأخرى بالسخرية السوداء، والمواقف الطريفة، والمفاجآت المدروسة التي تكسر الإيقاع السوداوي القاتم.