موسكو ـ أ ف ب
تنتظر أوساط المال والأعمال الروسية، إصلاحات واسعة النطاق من الحكومة الجديدة للرئيس فلاديمير بوتين الذي يبدأ ولايته الرابعة في الكرملين بتعهدات بإنعاش اقتصاد بلاده، لكن دون توضيح كيفية تحقيق ذلك.
وفي وقت لا تزال العلاقات بين موسكو والغرب متوترة، بينما تضر العقوبات الأميركية الاقتصاد الروسي بشكل غير مسبوق، سيتعين على الحكومة تحقيق الأهداف الطموحة التي قدمها بوتين للبرلمان في مارس.
وفي آخر خطاب أدلى به قبل فوزه الكاسح في الانتخابات الرئاسية، وضع بوتين هدف خفض معدل الفقر «غير المقبول» في روسيا إلى النصف في غضون 6 سنوات، عبر الاستثمار في البنى التحتية والسكن والخدمات الصحية.
وتعهد كذلك بمعدل نمو بنسبة أربعة بالمئة، في حين لا تتحدث التوقعات عن أكثر من واحد إلى اثنين بالمئة؛ إذ يواصل الاقتصاد الروسي استعادة استقراره بعد الركود الذي استمر حتى العام 2016.
لكن الزعيم الروسي البالغ من العمر 65 عاماً لم يفسر كيف سيتم تحقيق هذه الأهداف وحل المشكلات الهيكلية في غالبيتها التي تعرقل النمو.
وقال المحلل من مصرف «رينيسانس كابيتال» الاستثماري أوليغ كوزمين، إن دوائر المال والأعمال تأمل بأن يتم وضع أطر «إصلاحات ملموسة، وخطط تطوير عبر خطوات حقيقية» عقب تنصيب بوتين الاثنين.
خطوات صغيرة
على مدى السنوات الأخيرة، ركزت الحكومة جهودها تحديداً على الصرامة المالية والنقدية لتجنب حدوث تغييرات درامية على العجز التجاري، أو الدين في البلد الذي لا يزال يرزح تحت وطأة أزمة عام 1998 المالية.
لكن الظروف المواتية لإجراء إصلاحات تجتمع أخيراً مع انطلاق الولاية الرابعة لبوتين الذي قاد روسيا على مدى 18 عاماً.
وتحدث كوزمين عن وجود تطلعات بتبني الحكومة الجديدة إجراءات «للتعامل مع الضعف في سوق العمل والديناميكية السكانية المعاكسة»، إضافة إلى نقاط الضعف في توفير التعليم والصحة.
وأضاف أن هناك رغبة بدعم المستثمرين وتطوير المناطق الروسية مالياً.
ووفق «رينيسانس كابيتال»، بات تحقيق هذه الأهداف أمراً «أكثر قابلية للحدوث من الماضي» بفضل السيطرة على التضخم، الشبح الذي لطالما خيم على الاقتصاد الروسي.
وقال مؤسس شركة «ماكرو أدفايزوري» الاستشارية كريس وايفر، إنه من الممكن طرح مسائل تمويل البنى التحتية والضرائب والإنفاق العام على قطاعي التعليم والصحة للنقاش في بداية عهد بوتين الجديد.
لكنه أكد أن عقد الآمال على حدوث إصلاحات عميقة «أمر غير واقعي».
وقال: «حصل فلاديمير بوتين على تفويض من الشعب الذي كان راضياً نوعاً ما عن أسلوبه في إدارة البلاد».
وأضاف أن «الإصلاحات في روسيا تمضي قدماً، وستستمر في تحقيق تقدم بخطوات صغيرة لتجنب أي عواقب غير متوقعة أو خلق حالة من عدم الاستقرار».
كودرين الإصلاحي
يتوقع أن يعود وزير المالية السابق أليكسي كودرين، وهو ليبرالي يحظى بالاحترام في أوساط المال والأعمال في روسيا والمستثمرين الأجانب على حد سواء، إلى الكرملين ضمن عملية إعادة تشكيل الحكومة.
وقال كودرين البالغ من العمر 57 عاماً، إنه مستعد للمساعدة «شرط ألا نتوقف عن الإصلاح دون استكمال الإجراءات».
ورجح وايفر بأن يدعو الوزير السابق في حال توليه المنصب إلى «برنامج إصلاحي طموح، هو الخيار الوحيد الذي يراه لتجنب فترة ركود طويلة الأمد».
ودافع كودرين عن فرض سلسلة من الإجراءات التي لا تحظى بشعبية، حيث يدعو إلى خفض عدد الموظفين الحكوميين الروس بنسبة 30 بالمئة خلال ستة أعوام ورفع سن التقاعد بالنسبة للرجال إلى 63 عاماً.
ويعد سن التقاعد في روسيا (55 بالنسبة للنساء و60 للرجال) من الأقل في العالم، حيث يعتبر ذلك من موروثات الاتحاد السوفييتي.
ونظراً إلى التغير في التركيبة السكانية، يشكل نظام التقاعد عبئاً متنامياً على الميزانية الفدرالية رغم أن الرواتب التقاعدية تعد متدنية. ودعا كودرين كذلك إلى إدخال التعليم في مجال التكنولوجيا على المناهج من مراحل مبكرة لخلق «مليوني مطور إضافي لرقمنة الاقتصاد»، وهو اقتراح يعكس آمال الأوساط التجارية.
وقال مؤسس ورئيس مجلس إدارة «تينكوف بنك» أوليغ تينكوف: «احدثوا تغييرات في نظام التعليم للمراحل الثانوية والعليا. لا نحتاج إلى هذا العدد الكبير من المحامين، بل إلى خبراء في مجال التكنولوجيا».
لكن حتى ولو حظي بدعم من الحكومة، سيواجه كودرين صعوبات في تطبيق إصلاحاته جراء التحفظ التقليدي في أروقة الدولة الروسية حيال أي إصلاحات واسعة. وقال وايفر إن «الرئيس بوتين يفضل بوضوح النهج الأكثر حذراً».
وأضاف: «حتى في السنوات التي شهدت نمواً، عارضاً، أي مستويات عالية من الديون بسبب تداعيات ذلك على الأمن القومي»