القاهرة- مروة ناصر
شهد القطاع العقاري انتعاشة قوية في أعقاب ثورة 25 يناير/كانون ثان، حتى أصبح ملجأً للسيولة الخائفة من مخاطر البيئة الاستثمارية في مصر، لكن تآكل القدرة الشرائية للمصريين بعد التعويم يهدّد استمرار تلك الانتعاشة، ويحذر محللون من أن تكون مضاربات الفترة الماضية خلقت زيادات مبالغ فيها في أسعار المساكن، قد تتجه إلى التباطؤ أو الاستقرار خلال هذا العام، مما ينعكس على أداء الاقتصاد بشكل عام.
وبافتراض أن زوجين يتشاركان تحمل أعباء المعيشة ويحقق كل منهما دخلاً شهريًا في حدود الـ 16 ألف جنيه، فإن بنك الاستثمار الإماراتي أرقام كابيتال يصنف هذه الأسرة الصغيرة على أنها من الأسر متوسطة الدخل، ويقول البنك في تقرير له عن القطاع العقاري إنهما قد يقدران على شراء مسكن بسعر المتر 2.5 ألف جنيه وحتى 7 الآف جنيه، لكن مشروعات أخرى تتجاوز تلك المستويات السعرية بعيدة عن متناول أياديهما، مثل التى يصل سعر المتر فيها إلى 12.5 ألف و33.3 ألف جنيه.
والفوارق الكبيرة بين مستويات الدخول والأسعار هي التي تقلق بنك أرقام ومحللون آخرون بشأن عدم قدرة المشروعات العقارية على الاستمرار في تحقيق مبيعات أو زيادات مماثلة في الأسعار لتلك التي حققتها خلال الفترة الأخيرة، ويقدر البنك الإماراتي أن مستويات الأسعار الحالية تستنزف نحو %50 من دخول الأسر الراغبة في شراء العقارات.
ويرى محلل الاقتصاد الكلي بشركة سي آي أست مانجمنت نعمان خالد، أن المضاربات أسهمت فى إنعاش أسعار العقار خلال الفترة الماضية، لكن الأسعار ستتجه إلى الهدوء هذا العام، ويتفق الكثير من المحللين على أن السنوات الأخيرة شهدت إقبالًا مبالغًا فيه على شراء العقارات مدفوعا بالرغبة في استثمار الأموال في مجال آمن وتجنب تآكل قيمة الودائع بسبب التضخم المرتفع، أو القلق من التعويم المرتقب للجنيه.
وفي ظل توجه المضاربات بكثافة إلى العقارات ارتفعت أسعارها بشكل لافت، كما ساعدت زيادات أسعار الأراضي على ارتفاع أسعار المساكن، حيث تقول أرقام فى تقريرها أن الدولة اعتمدت على بيع الأراضى بدرجة كبيرة لتغطية احتياجاتها المالية، وأضاف خالد: "أجرينا مؤخرا استطلاعا بين رؤساء الشركات العقارية حول تقديرهم لمساهمة الاستثمارات أو المضاربات فى الطلب العقارى وقدروا تلك النسبة بما يتراوح بين %30-25".
وأشار محلل سي آي كابيتال، إلى أن الأسعار كانت تزيد خلال الأربعة أو خمسة سنوات الماضية بما يتراوح بين %50-35، وتقدر شركة جون لانغ لاسال فى تقريرها عن أداء القطاع العقارى في القاهرة خلال عام 2016 أن أسعار المساكن ارتفعت بنحو %30 في هذا العام.
وتعكس بيانات الاقتصاد الكلى طفرة القطاع العقاري خلال الفترة الماضية، حيث ارتفعت مساهمته فى الناتج الإجمالى من %2.6 فى 2011-2010 إلى .4 خلال العام المالى الماضى، كما زادت مساهمته فى إجمالى الاستثمارات من %7.4 إلى %9.9 خلال نفس الفترة، وهو ما دفع محللين مثل نعمان خالد للتحذير خلال صيف 2016 من أن يؤثر تراجع المضاربات على العقار بشكل ملموس على نمو الناتج الإجمالى.
وجاء الربع الأخير من العام السابق بارتفاع قوى فى التضخم نتج عن التحرير الكامل لسعر صرف الجنيه مما دفع أسعار العقارات للمزيد من الارتفاع، ولكن هذه المرة تعويضا عن زيادة تكاليف الإنتاج التى زادت مع صعود العملة الخضراء، وبينما يتوقع بعض المحللين أن يستمر التضخم مرتفعًا نسبيًا خلال العام، فإنهم يرون أن أسعار العقارات لن تكمل مشوارها فى الصعود بنفس الوتيرة بسبب تآكل القدرة الشرائية للمواطنين.
ولفت بنك أرقام فى تقريره، إلى أن ارتفاع أسعار الممتلكات مقيد بقدرة المستهلكين على تحمل التكلفة، مشيرًا إلى أن الطلب الاستهلاكى فى الفترة المقبلة سيكون أكثر انتقائية من حيث " قيمة العقار مقابل المال الذى ينفق عليه، وجودته، وسعر إعادة بيعه".
ويقدر بنك أرقام معدلات التضخم خلال العام المالى الحالى بنسبة %23 مقابل 10 خلال العام السابق، وإن كانت لاسال ترجح ارتفاع فى الأسعار خلال 2017، بما يتراوح بين %30-25،خاصة مع احتياج المطورين لتغطية ارتفاع تكاليف مواد البناء، لكن الشركة اعتبرت أيضًا أن القدرة على تمرير التكاليف للمشترى النهائى ستكون "محدودة" هذا العام.
وتقول لاسال إن اضطرار الشركات لزيادة أسعارها بعد التعويم دفع بعضها إلى تقديم طرق أكثر مرونة فى سداد أسعار الشقق، أو التركيز على تحسين مستوى التصميمات واستغلال مساحات الأراضي، ويختلف خالد مع التوقعات باستمرار التضخم عند مستويات مرتفعة هذا العام، لكنه يرى أن هدوء التضخم لن يكون فى مصلحة أسعار العقارات أيضا ولن يكون العقار أداة جذابة للتحوط من التضخم مثل الفترات السابقة لأن المخاطر التضخمية للتعويم كانت أفضل من المتوقع.. تباطوء الأسعار قد ينعكس سلبا على الاستثمار العقارى ذاته وعلى النمو بالتبعية".
وبنظرة أكثر تفصيلا فإن الأداء المتوقع للقطاع العقارى هذا العام يتباين بحسب مستويات الوحدات السكنية، فبينما يعانى مشتروا العقارات المنخفضة السعر من تآكل أجورهم بالجنيه فإن عملاء العقارات الفاخرة لديهم فرصة لشراء أصول مقومة بالعملة المحلية فى ظل ثبات قيمة أجورهم الدولارية.
ويقول أرقام في هذا السياق "إن العقارات منخفضة التكلفة التى يتم شراءها لأسباب اجتماعية وليست تحوطية، مثل توفير شقة لزواج الأبناء، سيستمر الطلب عليها ولكن رفاهية المشترى وثقة المستهلكين ستكون مثقلة بالتضخم.. العقارات المتوسطة التى شهدت ارتفاعا مستمرا فى قيمة أصولها من المتوقع أن تتجه أسعارها للاستقرار، وتنحسر حجم المعاملات عليها"، مضيفًا بينما سيزيد الطلب على العقارات الفاخرة، التى تجذب عادة المصريين المقيمين في الخارج، في ظل تمتع المشترين لها بالدخل الدولارى في وقت تنخفض فيه قيمة الجنيه".