القاهرة - مصر اليوم
كانت مصر على أعتاب حرب ثلاثية تنتظرها عقب إعلان جمال عبدالناصر تأميم قناة السويس، فالأمر لم يرض مثلث إسرائيل وإنجلترا وفرنسا لذلك قرروا سويًا شن هجمة على مصر عرفت بعد ذلك بـ"العدوان الثلاثي" على مصر، إلا أن مهرجان "كان" الفرنسي في هذا العام أتى قبل هذه الخطوة العنترية من ناصر والعدوانية من فرنسا كأحد أطراف الصراع، ليشاء القدر أن يشهد عام 1956 آخر مشاركة مصرية قبل الانقطاع لمدة 6 أعوام متتالية عن عرض الأفلام المصرية في المهرجان منذ 1957 حتى 1963. ذ كان من بين الأفلام المصرية المشاركة في العام 1956، وربما أهمها "شباب إمرأة" لرائد الواقعية المصرية صلاح أبوسيف، ومن بطولة تحية كاريوكا، وشكري سرحان، في مرحلة من عمر السينما المصرية عرفت بـ"أزهى عصورها"، من خلال اقتحام لبعض المسكوت عنه في التعبير عن العلاقات الجنسية، رغم نهاية الفيلم الأخلاقية المحافظة. جاء يوم الحفلة، هذا المشهد البديع الذي ينتظره عشاق السينما في العالم أجمع في دولة بهية كفرنسا، حيث يسير نجوم العالم على السجادة الحمراء تطاردهم عدسات الكاميرات وأقلام الصحفيين من مختلف دول العالم، وبإعتبار أن مصر مشاركة ضمن المسابقة، كان على نجوم فيلمها "شباب امرأة" أن يسيروا على نفس السجادة، لكنهم لم يلقوا نفس الاهتمام الإعلامي بالنجوم العالميين من هوليود وغيرها. نظرت تحية إلى أبوسيف، وكأنها تراقب رد فعله أثر تجاهل العالم لهم، ثم قررت أن تستخدم سلاحها الخاص في لفت الانتباه، فالراقصة المحترفة، والممثلة الكبيرة، لديها من الخبرة ما يكفي لتجذب أنظار الآخرين إليها، تعلمت ذلك في صالون بديعة مصابني إلى الحد الذي يدفع جمهور الصالة لطلبها بالاسم، ومن بعده فعلتها على شاشة السينما لتصبح واحدة من أشهر نجمات جيلها والأجيال من بعدها، متمرسة ومتمكنة من أدواتها الخاصة كأي «صنايعي شاطر». عادت إلى غرفتها في الفندق، ثم خلعت عنها ملابسها الأنيقة كعادة نجوم العالم عندما يحضرون حفلة رسمية كهذا، سواريه من الطراز الباريسي، لترتدي زيًا أحضرته معها يعنيها ويعني المرأة المصرية في أوج أصالتها، "ملاية لف وشبشب بوردة"، ولا نعلم هل كانت ترتب مسبقًا لاستخدام هذه الملابس في ليلة من ليالي باريس، أم لأي سبب أحضرته معها، لكن أغلب الظن أنها أتت به لأنه قريب من روح "شفاعات" في الفيلم -وشفاعات هو اسمها في شباب إمرأة- وربما جاء في مخيلتها أن عليها إبهار الحضور بأن المرأة الأنيقة ذات الفستان الباريسي هي نفسها الشعبية ابنة الحارة. وأخذت خطواتها الرنانة بخلخالها وإيقاعٍ غزلاني متجهة إلى ساحة المهرجان، لتنطلق من أول طرف لسجادته الحمراء حتى آخر خيط فيه تخطف معها الأنظار والعدسات والآهات والتساؤلات من هذه؟ ومن أين أتت؟.. يقولون إنها تحية، نعم تحية كاريوكا، مصرية ومشاركة بفيلم مصري في المهرجان، اسمه "شباب امرأة"، ليعرف الجميع أن في الأرواق سينمائيين مصريين، وأن هناك نجمة تدعى تحية. لم تسر الأمور كما تشتهي تحية إلى النهاية، فالنجمات اللاتي سحبت من أمامهن الأضواء من أجل طلة كاريوكا ثارت في نفوسهن الغيرة، ومع أول احتكاك مباشر أثناء حفلة الغداء، جلس النجمة الأمريكية ذات الميول الصهيونية سوزان هيوارد في طاولة قريبة من الوفد المصري، وأخذت تتحدث عن الصراع العربي الإسرائيلي، ممتدحة دور إسرائيل وما تسعى إليه لاثبات أحقيتها في وطن وأرض، واصفة العرب بأنهم "وحوش وحيوانات"، ولم تبرح استكمال حديثها حتى وجدت وجها غاضبا وصوتًا شعبيًا مصريًا ينهال على مسامعها بأسوأ الكلمات، وكأن تحية قررت بالمعنى الحرفي فرش الملاية لابنة هيوارد، لتلقنها درسًا لن تنساه في أحد أهم المهرجانات العالمية. اشتد غضب النجم الأميركي داني كاي، تضامنًا مع سوزان هيوارد، فاقترب ليرد الإهانة التي لحقت بزميلته، لكن تحية منحته فرصة ليقترب منها حتى أصبح في مرمى يدها، ثم رفعت ما في قدمها وصوبته في وجهه مباشرة، ليتراجع إلى الخلف في مشهد سينمائي من العيار الثقيل، أشبه بسينما الواقع التي تخصص فيها مخرج "شباب امرأة" صلاح أبوسيف. وأكّدت مدونة الكاتبة حنان زعبي، فإن في الوقت نفسه، لقي الوفد الألماني معاملة سيئة بسبب موقف فرنسا من ألمانيا النازية، ما جعله يقرر الانسحاب من المهرجان احتجاجا على سوء المعاملة، ففكرت تحية كاريوكا في الانسحاب هي وبقية أعضاء الوفد المصري تضامنًا مع الوفد الألماني، لكن رئيس البعثة المصرية يحيى حقي رفض الفكرة وقرر الاستمرار في حضور المهرجان حتى نهايته. كان على تحية كاريوكا أن تدفع ثمن إهانتها للنجمة الأميركية الصهيونية سوزان هيوارد، خصوصاً أن رئيس لجنة التحكيم في المهرجان اليهودي الفرنسي موريس لحمان، مدير الأوبرا في باريس، فجاءت النتائج على عكس ما توقع الجميع، ولم تفز تحية أو فيلمها بأية جائزة، على رغم ترشيح الكثير من النقاد العالميين له للفوز بإحدى الجوائز.