المقاهي القديمة ذات الطابع اليوناني

اشتهرت محافظة الإسكندرية بوجود عدد كبير من المقاهي القديمة ذات الطابع اليوناني النادر والفريد، وكان روادها الأوائل من الجاليات الأجنبية التي عاشت في المدينة، بالإضافة إلى مقاه تحمل الطابع المصري والملكي والشعبي، ما حول تلك المقاهي لمتاحف شعبية تحكي تاريخ المدينة ومن عاشوا فيها، وأصبحت تلك المقاهي بمثابة البديل الشرعي لنوادي الأدب والثقافة، وشهدت أمسيات وسهرات أدبية لتبادل الخبرات والآراء عن الشأن العام واستعادة الذكريات.


وقال أحمد عبدالفتاح، الخبير الأثرى ومستشار وزير الآثار الأسبق، "الإسكندرية يوجد بها مقاه تاريخية جسدت حقبًا مهمة فى تاريخ الدولة المصرية، على رأسها مقهى "فاروق"، أحد مقاهي منطقة بحري، أصل الإسكندرية، وأنشئ عام 1928، وكان يعرف باسم مقهى "كاليميرا"، وهذا الاسم تلاشى بعد واقعة مرور موكب الملك فاروق القادم من قصر رأس التين من أمام المقهى، واستوقفته مالكته، وطلبت منه أن يقبل دعوتها للجلوس فى المقهى، فاستجاب لها الملك مترجلًا لتطلق اسم فاروق على المقهى.


مقهى فاروق
وأضاف: المقهى ما زال يحمل صورًا مختلفة للملك فاروق حتى الآن، أثناء تدخين الشيشة، بالإضافة إلى شعار التاج الملكي، وفي المقهى أركان عدة، منها ركن للأفراد وركن للعائلات وركن لعازفي الموسيقى، والركن الملكي الذي أنشئ خصيصًا للملك فاروق.

وتابع: انتقلت ملكية المقهى من مالكته اليونانية إلى أحد المحامين في الإسكندرية منذ العام 1977، واحتفظ المحامي وأولاده بطابع المقهى كما هو من دون تغيير».

انتقل عبد الفتاح من مقهى الملك فاروق، إلى مقهى 6 أكتوبر، الذي أسسه أحد اليونانيين، ومقهى عبدالكريم، الذي كان مقهى بسيطًا للغاية وتحوّل بأمر من الملك فاروق إلى مقهى كبير، إذ كان يفضّل الجلوس فيه عند نزوله في محطة قطار سيدي جابر، وأصدر مرسومًا ملكيًا بحظر البناء أعلاه.

وأوضح أن مقهى التجارية تأسس في 1890، وينقسم المقهى إلى ثلاثة أجزاء: الأمامى مخصص للأدباء والمثقفين وأبناء الطبقة الوسطى من الشعب، وكان من زبائنه الفنانة شادية، وصورت لقطات من أحد أفلامها بالمقهى، بالإضافة إلى أنه ملتقى للسياسيين وزائري الإسكندرية من مختلف المجالات.

ولفت عبدالفتاح إلى أن مقهى شكري يعُد من أشهر مقاهي الإسكندرية، وشهد واقعة اختباء الرئيس أنور السادات به أثناء مطاردته من قبل الشرطة، كما كان المقهى مقصد الفنانين ومن بينهم، عماد حمدي، وشادية، وفريد الأطرش، ومديحة يسري، وماجدة، بالإضافة إلى مقهى "بول" الذي كان يملكه يوناني، ويقع في محطة باكوس، ويعتبر من أقدم المقاهي، وارتبط تشييده بتاريخ إنشاء محطة قطار باكوس، ويمتاز بأن أشهر رواده المخرج توجو مزراحي، وكان يختار الشباب الكومبارس من رواده، وعمر المقهى تجاوز 100 سنة.

و أشار عبدالفتاح أن المقاهي تقوم بدور تنويري تثقيفي بالغ الأهمية باعتبارها متنفسًا للطبقة الوسطى التي لا تستطيع الاشتراك في النوادى الاجتماعية والثقافية، كما تعد مركزًا لتجمع الطبقة المعتدلة وتمثل تجمعات ثقافية اجتماعية أدبية ويلتقى روادها باستمرار، ما يخلق نوعًا من المواءمة الاجتماعية وإعلاء قيم المواطنة، ولعل أشهر هذه المقاهي، "والي" في منطقة كامب شيزار، والصفواني، ومترو، والشانزليزيه، في سيدى بشر، وكان من بين روادها توفيق الحكيم ونجيب محفوظ، وكان يقدم لهما المشروبات مجانًا، وكذا أنيس منصور وموسى صبري وثروت أباظة.

وأشار أن هذه المقاهي تقدم دورًا تثقيفيًا وأدبيًا يوازي التعليم، بخاصة فب شهر رمضان، حيث يجتمع الأدباء والمثقفون فب أركان محددة للمثقفين والأدباء.