بقلم : أحمد عبدالله
مجلس النواب المصري يرتكب الأخطاء، وحينما يريد أن يصححها ويصوبها فإنه يقع في مزيد من الأخطاء، وهو أمر محير للغاية، بخاصة مع إدراك تاريخ البرلمان المصري وطريقة تعامل القائمين عليه، حتي في أكثر الظروف إرتباكا وضبابية. فلا تكاد تقابل مسؤول أو موظف سابق من الإداريين بالمجلس - وهم حشود ضخمة – حتي يسترسل في سرد الفوارق بين تعامل البرلمان بتركيبته الحالية وقيادته مع الأزمات، وتعامل البرلمان في كل العصور السابقة مع المشكلات، فالتصرف باحترافية مع المشكلات وإدارة الأزمات كانت سمة أساسية في الإدارات السابقة للبرلمان، عكس أداء النواب الحاليين تماما.
منذ أيام فجّر النائب محمد أنور السادات الذي خاضت ضده قيادات البرلمان "حربا شرسة" أطاحت به من رئاسة لجنة حقوق الإنسان، وتسببت في إحالته إلى التحقيق بتمهمة تسريب مشروع قانون الجمعيات الأهلية منتظرا عقوبة قد تطيح به خارج المجلس، كشف مؤخرا عن واقعة شراء سيارات فارهة للبرلمان بملايين الجنيهات، في الوقت الذي تعاني فيه البلاد أزمة طاحنة.
لا تغيب حكمة "اختيار التوقيت" المناسب عن البرلمان فقط، وإنما يغيب عنه حاسة تمنعه من الوقوع في الأخطاء بشكل متكرر، فسيارات البرلمان باهظة التكاليف ليست الواقعة الأولى وغالبا لن تكون الأخيرة، ضمن سلسلة قرارات استفزت المواطنين في الوقت الذي يتفنن فيه البرلمان ونوابه في إقناع المواطنين بنغمة التقشف الحكومي وتحجيم المصروفات والنفقات.
سبق للبرلمان أن اتخذ قرارا في أشد لحظات تأزم الموازنة العامة بزيادة رواتب وبدلات ومخصصات نوابه، كما أنه سارع بعدها إلى اعتماد زيادات ضخمة على ميزانية وزارة الداخلية، ثم شرع في تنظيم احتفالية كبري بمناسبة مرور قرن ونصف على إنشاء البرلمان، تكلفت عشرات الملايين من الجنيهات بالتزامن التام مع أزمة أختفاء السكر من بيوت المصريين.
البرلمان سبق وأن منح تأشيرات حج للعشرات من نوابه، بتذاكر سياحية وتسهيلات فائقة، استفزت في مجملها المواطنين الغارقين في الأزمات والمشكلات المادية والاجتماعية والاقتصادية، وأقر البرلمان أيضا زيادات لرواتب القضاة، علاوة على عشرات القوانين التي طالبت بفرض مزيد من الضرائب والرسوم على كافة مناحي الحياة في مصر. البرلمان لهذا الحد ارتكب أخطاء متمثلة في استفزاز مشاعر المواطنين، وعدم اختيار التوقيت المناسب لقراراته، ولم يكتف بذلك، وإنما فشل بعدها في معالجة الزخم السلبي المصاحب لهذه القرارات، لم يستطع ولو مرة واحدة أن يخرج بتبرير مقنع أو حجة دامغة حول تلك التصرفات.
الأمانة العامة للنواب أصدرت ردًا على سؤال النائب أنور السادات حول السيارات الفارهة التي اشتراها البرلمان، فكان الرد والتوضيح يدين البرلمان وتصرفاته أكثرر مما يبرئ ساحته، الرد عكس استهانة شديدة بأولويات المرحلة التي تعيشها البلاد، وأوضح تخبط وعشوائية في اتخاذ القرارات سواء من الحكومة أو البرلمان، كما أوضح النقطة الأبرز أن السيارات التي تم شراؤها مؤخرا ثمنها ليس 18 مليون جنية كما أدعي النائب أنور السادات وإنما 22 مليون.