بقلم : أحمد عبدالله
كأي مؤسسة أو كيان يحقق تقدم علي أصعدة معينة ويخفق في أخري، يتمكن من إثارة حراك في مياه راكدة هنا، ولا يستطيع الاقتراب من أخرى هناك، إنه البرلمان المصري، وتشكيلة نوابة الفريدة برئاسة علي عبدالعال أستاذ القانون الدستوري، والبرلمان أحد المؤسسات المطلوبة لذاتها، وكونها منعقدة ولها طابع "الوجود" حاليًا، فهذا مكتسب في حد ذاته.
فالكثير من المؤسسات الدولية التي لم تكن لتجد من يخاطبها، أصبح أمامها 596 نائب كأكبر تمثيل نيابي في تاريخ البلاد، ومصر التي كانت غائبة عن عدة محافل أفريقية وأوروبية وأقليمية، أصبحت ممثلة منذ اللحظة الأولي التي تم فيها افتتاح جلسات البرلمان في يناير/كانون ثان من العام 2016، بالإضافة لحزم تشريعية كانت لتسبب مزيد من إنسداد شرايين الأجهزة والمؤسسات في البلاد، استطاعت أن تجد "مخرجًا" من بوابة البرلمان ولجانة النوعية.
حالة الغضب الشعبي المتزايد على مدار سنوات، والتي لم يكن أمامها سوى الشارع وساحات التظاهر من أجل الإعتراض، وانتقلت بشكل طفيف بعدها لقنوات التليفزيون وساحات الفضائيات، أصبحت تجد ساحة أكبر ومتنفس أعظم متمثل في البرلمان وجلساته العامة و26 لجنة نوعية وعشرات النواب.
ولكن حينما ننتقل إلي الملفات التي أخفق فيها المجلس، سنجد أنها أعظم وأخطر تأثيرًا، فالبلاد حاليًا تعج في مشكلات إقتصادية وخيمة، وأوضاع مالية مضطربة لاتتوقف عن التغير والتطور الذي يكاد يكون لحظي، وفي المقابل لانجد تدخل حاسم أو رؤي واضحة من اللجان ذات الطابع الاقتصادي، بل العكس أحيانًا، تجد أن تلك اللجان تتدخل لصالح الحكومة على حساب المواطن.
الكثير من المشكلات المزمنة في التعليم والصحة والطرق والإسكان، التي تحتاج إلى نشاط وتفاعل حقيقي من النواب ورئيسهم عبدالعال، والذي كثيرًا مايتفاخر أنه ينتمي إلى عمق الصعيد وريف مصر وبر القاهرة، وأجده صادقًا فيما يقول، فالرجل لم يكن يعيش في جزر منعزلة، وإنما من عين شمس إلى أسوان، يستطيع الرجل أن يكون خبرات لابأس بها عن أحوال الشارع المصري، ولكن مايستحق لفت نظره إليه، أنه بحاجة إلى "تحديث" معلوماته عن الشارع المصري، والذي كما لم ننكر إنتمائه إليه، نؤكد في الوقت ذاته أنه وأغلب نوابه، لايعلمون عنه شيئًا في السنوات العشر الأخيرة.
جزء كبير من المشكلات سيجد حلول فورية لو استطاع رئيس البرلمان وكبار نوابه، ووزراءه الذي لايأل جهدًا عن استدعائهم وإحرجهم تحت القبة، أن ينزلوا للشارع بأية طريقة، حتى لو متخفيين، أن ينزلوا من مكاتبهم ويخالطوا العوام بصدق، ليدركوا حينها حد اليقين أن المصريين لم يعد لديهم مايلبوا به نداء النظام الحالي بمزيد من الصبر والاستعانة بأمجاد الماضي، عن التحمل والجلد والمصري الأصيل، واستهجانات غياب أخلاقه، التي حتما ما تم "سحقها" تحت وقع الجهل والفقر والمرض والعشوائية.
البرلمان إن كان حريصًا على صورته في كتب التاريخ وسيرته بين المواطنين الان ومستقبلا، عليه أن يحرص على مراجعات دورية وكشف حساب متواصل، ليستطيع تحقيق التوازن ما بين مايستطيع أن يؤديه وما لم ينجح فيه حتى الأن.