دخول إلى الخيال
كيف يمكن أن ندخل الخيال الأدبي الإسرائيلي، كي نخرج منه، من دون أوهام كبيرة، بأفكار تخدمنا، حتى ولو كانت مجرد جمل لفائدة القضية الفلسطينية؟ كدنا ننسى السؤال، من فرط ما سار خيالنا رهينة لما تفرضه القضايا الأخرى، الكبيرة والقاسية على واقعنا قبل آدابهم، ولفرط ما جف الواقع، واستعصى الخيال على.. صنوة التوهم !
ذكّرني الكاتب والروائي الإسرائيلي أبراهام يهوشوا، عندما وجَّه رسالة مباشرة إلى الرأي العام الأوروبي، عبر يومية "ليبراسيون" (التحرير) الفرنسية، بأنَّ أرض الخيال الأدبي الإسرائيلي قد تركناها، كما تركنا مواقع أخرى في الدفاع عن عدالة الدولة الوطنية الفلسطينية المحررة، وعاصمتها القدس.
في الرسالة التي اختار لها عنوانًا له دلالاته، في أوروبا اليوم، وهو "نحن الإسرائيليين نناضل من أجل اعتراف أوروبا بدولة فلسطين"، نسيج منطقي وملتزم لمساندة الطلب الفلسطيني الموضوع على الأجندة الأوروبية؛ لكنها رسالة تؤكد ما يستطيعه الأدب الآخر، الناهض من بنية دولة الاحتلال لفائدة فلسطين، لا حبًا في عصافير الجليل، بقدر ما هو حماية دولة الاحتلال من دمارها الذاتي، وما تحمله من بذور خرابها.
"لماذا اختفى السجال العربي الإسرائيلي، في رقعة التأصيل الإنساني والحقوقي للحق الفلسطيني، على مرأى من الضمير العالمي وفي فسحة الإعلام؟".
أبراهام يهوشوا، مجند سابق، تحوّل إلى روائي، ويُعد أحد أبرز الروائيين في دولة الاحتلال، وقاده التزامه داخل معسكر السلام إلى مساندة مبادرة جنيف المعروفة؛ لكنه عرف، أيضًا، كيف يبقى إسرائيليًا كامل الاحتلال أحيانًا، عندما ساند ضرب غزة في 2012، وهذا التقابل بين شخصيتيه يعطي الرسالة معناها في الظرف الحالي.
ليس صاحب كتاب "إسرائيل والامتحان الأخلاقي" جنديًا انتهى به المطاف راهبًا في محراب القضية الفلسطينية؛ لكنه ضمير معذب بين بقاء "إسرائيل" وبقائها على حساب شعب آخر.
رفيقه ومنافسه في المجد الأدبي العبري، عاموس أوز، هو ذاته مؤسس حركة "السلام الآن"؛ لكنه، في الأصل، ابن والدين صهيونيين، أحد أعمامه كان مرشحًا لرئاسة إسرائيل، باسم الصهاينة العتاة ضد الرئيس وايزمان، آمن طويلًا بإسرائيل جابوتنسكي، زعيم المتطرفين الصهاينة الذي ظل يدافع عن الدم والنار، "ففيهما سقطت إسرائيل، وفيهما تنهض من جديد"، وكانت له حروب مع الراحل محمود درويش، أهمها حرب قصيدة "عابرون في كلام عابر".