توقيت القاهرة المحلي 17:26:09 آخر تحديث
  مصر اليوم -

إيطاليا: ملف الــ 116 مهاجرا مغربيا غير الشرعيين تعديل أم ترحيل؟

  مصر اليوم -

إيطاليا ملف الــ 116 مهاجرا مغربيا غير الشرعيين تعديل أم ترحيل

بقلم: د.محمد بدران

لم يكن أحد من المهتمين بأمور وقضايا الهجرة يتخيل ما سيؤول إليه ملف المهاجرين المغاربة السريين الـ116 العالقين في مركز الاعتقال ميلو (تراباني) في صقلية، كما لم يصدق أي من المتتبعين للشأن القانوني الإيطالي أن هذه القضية التي أودت باعتقال ثمانية أفراد من بينهم ثلاثة مغاربة بتهمة القتل الجماعي العمد وتسهيل الهجرة السرية من السواحل الليبية إلى إيطاليا على متن قارب يحمل 361 راكبا بغالبية عراقية، لم يصل منهم إلى الحدود الإيطالية عدا 312 ناجيا من بينهم 116 مهاجرا مغربيا و49 جثة هامدة.
كانت رحلة كمثيلاتها من الرحلات وحدثا لا يختلف في شيء عن سابقيه من الأحداث المروعة التي أودت بأرواح بريئة، كانت تبحث عن لقمة عيش حلال أو استقرار وراحة بال، وكان نفس السيناريو المعتاد يتكرر لما انطفأ الرعب وتدخل الأمن وعلم كل ناج أنه قطع حاجز الموت واطمأنت نفسه بلقاء الديمقراطية والحماية الدولية، إلا أنه وقع ما لم يخطر لأحد على البال بحيث قسمت الشرطة الحاضرين إلى مجموعتين مجموعة مرحب بها من العراقيين وغيرهم التي لقيت ما لقيت من التعاطف والتودد والتلطف وحضت بمساعدة نفسية باعتبار أن بعضهم أغمي عليه أثناء سرد شهادته لقاضي التحقيق وانتهى بهم المصير ضيوفا على ثلاثة مراكز استقبال كبرى في الشمال الإيطالي.
ومجموعة ممن غضب عليهم كلهم من شباب مغاربة تتراوح أعمارهم مابين العشرين والثلاثين سنة، استثنوا ظلما من هذه المعادلة ولم يخضعوا لأي مسطرة قانونية كمهاجرين سريين تمّ اعتقالهم وأجبروا على التنقل من مركز استقبال إلى مركز اعتقال وصدرت بحقهم مذكرة طرد جماعي عاجل بأمر من وزير الداخلية الإيطالي الذي أعطى أمرا بتحويل ملفاتهم إلى قاض مختص قصد البحث في صلاحية الحالة وتعيين محامين للدفاع تمشيّا مع نص المادة المؤطرة للاعتقال الجاري بها العمل في كل القضايا المدنية والجنائية.
وأفاد الدفاع في هذا الصدد أنه لم يتمكن منذ بداية الحجز من التواصل مع المعتقلين، مما أثار حفيظته واعتبره تراجعا خطيرا ومسا غير مسبوق بحق من حقوق الهجرة وعبر عن امتعاضه الشديد من جراء اللاعدالة في التعاطي والتعامل مع المحاضر التي وصفها بالمتشابهة وكتبت بطريقة "النسخ واللصق" أسوة بباقي المهاجرين السريين ،وهذا الفعل غير قانوني ويدل على أن هناك انتهاكات خطيرة للقواعد الإجرائية ومس بالمساطر القضائية الإيطالية .
كما أضاف المحامون في نفس السياق أن القاضي منعهم من الاستماع إلى موكليهم الـ116 يومي العشرين والواحد والعشرين من شهر آب/أغسطس لما طالبوه بالتحقق من صحة الاحتجاز وقانونيته، وكان الرفض بدعوى أسباب تتعلق بالنظام العام، ومن شأن إجراءات احترازية كهذه أن تساهم في رفع حدة الغضب والحزن وكسر للروح المعنوية التي حالت بين المعتقلين وبين محاميهم أدت إلى غيابهم ورفضهم حضور جلستين عقدتهما للمحكمة التي بثت في 116 ملفا بحضور مترجم وهذا في حد ذاته يعتبر انتهاكا لحقوق الدفاع خاصة قانون "مبدأ الخصومة".
ناهيك عن سوء المعاملة وحملهم على تغيير مركز الاعتقال بدون تدابير التحقق بطرق غير إنسانية مباشرة بعد أن وطأت أقدامهم التراب الإيطالي دون معرفة حقيقة الدوافع الفردية كما لم تقدم لهم أي معلومات من الأطراف المعنية حول إمكانية تقديم طلب الحصول على اللجوء أو أي إمكانية حقيقية للوصول إلى هذا الإجراء لا من الشرطة ولا من المنظمة الدولية في غياب تام لعملية الانصات لهم لمعرفة ما إذا كان لدى كل واحد منهم "قصة شخصية" تستحق أن تروى يمكن أن تبرر موقفه وتساعد ملفه هذا من جانب ،ومن جانب آخر حدثت لقاءات هامة عقب نقاشات ومحادثات عميقة ومطولة على مستوى عالي وزيارات مكوكية تتسابق مع الوقت بين وزارة الداخلية الإيطالية والقنصلية المغربية بتراباني لمحاولة التوصل إلى الاعتراف بهم والتحقق من هويتهم لتتمّ صفقة إعادتهم إلى أرض الوطن بالرغم من عدم وجود أي اتفاقية ثنائية بين المغرب وإيطاليا بهذا الخصوص اللهم بعض العلاقات المبرمة منذ وقت طويل لا تتعدى حزمة من الاتفاقيات التجارية والمالية ،واتفاقيات تخص تصدير المنتجات الفلاحية واتفاقية الصيد في البحر الأبيض المتوسط وقضية تبادل السجناء.
أعتقد أن أشياء مبهمة ستفرض نفسها على سير هذا  الملف ودوافع غير عادية تتمثل في استنباط إجراءات ستحرك هذه القضية الضبابية وربما مصالح عالقة أو جديدة ستنجز لا قدّر الله على حساب هذه الصفقة الآدمية بعيدا عن مجرى الأحداث وضوضاء الإعلام، وأتمنى أن لا يفتح باب يصعب إغلاقه أو تمرّر معاهدات تكون وبالا ونقمة على القانونيين من الجالية المغربية قبل غيرهم.
لا يختلف عاقلان على أن هذا الطرد القسري الجماعي يعد خرقا للمادة 19 من ميثاق الحقوق الأساسية التي وضعها الاتحاد الأوروبي وللمادة 4 من البروتوكول الرابع الصادر عن محكمة حقوق الإنسان الأوروبية، في حين تعتبر عملية عدم الإنصات إلى أقوال المحتجزين وتقييم كل حالة عن انفراد تتنافى كما وكيفا ولا توافق النصوص القانونية المعمول بها دوليا أو بالأحرى أوروبيا، أما منعهم من التحدث إلى محاميهم ساعة اعتقالهم خاصة أن جلهم كان يشتغل في ليبيا وابتزت منه جميع وثائقه من طرف مشغليهم ويعولون على الذهاب إلى دول أوروبية أخرى، وهذا هو الآخر انتهاك واضح للقواعد التي تضمن حق "الجميع"، من دون استثناء، وحقوق الدفاع، كما تنص المادة 24 من الدستور الإيطالي والمادة 13 من الاتفاقية الأوروبية لحماية حقوق الإنسان.
ما يلفت النظر لأول وهلة وما يحز في النفس ويؤلمها ويحزنها أنهم لم يعرضوا على أطباء أخصائيين كما حدث مع غيرهم ولاسيما أن الجميع شاهد الموت بأم عينيه وبعضهم رأى أحد أقاربه يموت أمامه ولم يقدر عن فعل أي شيء له، والذي لا نفهمه جيدا هو على أساس أي وثيقة بنى مركز الاعتقال قراراته ومن أعطاه ذلك حتى يصدر أمر تنفيذ تدابير الطرد القسري بعدما كانت وظيفته الأساسية هي مكان للاعتقال الإداري فقط والخضوع لجلسات المصادقة التي تتم خلال 96 ساعة من هذا تاريخ الاعتقال، بموجب المادة 13 من الدستور الإيطالي، والتي لا يمكن تمديدها لفترة طويلة.
ومن المتعرف عليه أنه ليس من حق الشرطة أن تمتهن السلطة التقديرية لاستبعاد إمكانية تمتع أي فرد من إجراءات الحماية الدولية التي يخولها له القانون ،ولا يمكنها إعطاء مذكرة الطرد الاستعجالي دون العودة إلى الإشعار القانوني والتحقق من صحة الحالة التي يقررها أو ينفيها قاض مختص وعلى ذلك يبنى أو ينفى مسطرة الطرد.
وهذا ما يجعل مذكرة الاعتقال والطرد التعسفي في غياب المتهمين يتنافى مع قانون "بوسي فيني" الذي يعتبر عملية الطرد من البلاد غير قانونية قبل التحقق من صحة المحاكم، (المحكمة الدستورية، جلسة رقم 222 المؤرخة في يوم 15/07/2004 )، وانتهاكا صارخا لقانون المهاجرين غير الشرعيين: الذين يخول لهم القانون ضمانات داخل مراكز الاحتجاز وساعة الترحيل كما صدر بـ(محكمة النقض المدنية ،قسم 1 ،حكم رقم  13767بتاريخ  08/06/2010).
وإذا عدنا إلى تاريخ العدالة الإيطالية النزيه وفحصنا في ملفات القضايا الشبيهة بقضيتنا نجد أن الذاكرة التاريخية ما زالت تحتفظ بالكثير منها نذكر من بينها :
 
1)   محكمة تورينو التي سبق أن حكم فيها قاضي بعدم صحة إجراءات اعتقال 22 مهاجرا غير قانوني دخلوا بحرا عن  طريق "لامبيدوزا"حرموا من الحماية الدولية.
2)   حكمت محكمة النقض بـ"أكريجينتو" بإبطال مذكرة طرد مماثل وقع عليها عميد شرطة أغريجينينتو بحق مجموعة من المهاجرين السريين المغاربة كانوا معتقلين هذه السنة في مركز كالتانيستة وتم إطلاق سراحهم في غياب صلاحية الإجراء ولم يسبق أن سمح لهم بملأ طلب الحماية الدولية وذلك مرقم بـ(محكمة النقض ـ قسم VI مدنية ،حكم 25 مارس 2015 تحت رقم 5926)
3)   سبق أن سجلت في الماضي في نفس مدينة تراباني حالة مشابهة أقدمت عليها وزارة الداخلية وطعنت فيها المحكمة العليا في الإجراء وأمرت إلغاء المذكرة.
 
للإشارة :على الرغم من محاضر جلسات محكمة التحقق من صحة الإجراءات التي لم تبنى عن "أسباب" ليست هناك أي فرصة لطلب الحصول على إجراءات الحماية الدولية خوفا من خطر الإعادة القسرية الجماعية وهذه فعلا ثغرة قانونية ما زالت تؤرق القانونيين والحقوقيين على السواء.
في الواقع لن تتحقق عملية العودة الجماعية إلا إذا برهنت السلطات المغربية على نحو فعال أن الجميع مغاربة وهذا ليس بالهين ويتطلب وقتا كونهم لا يتوفرون على ما يثبت بالفعل مغربيتهم وتبقى في كل الحالات مجبرة بتوفير وثيقة سفر لكل من صدر في حقه هذا الطرد، وفي هذه الحالة يبقى من حق المتضرر الطعن ورفع دعوى عن بعد والتي تطول وتتطلب كثيرا من الوقت خاصة إذا تعنتت إيطاليا وتمسكت بقبضة من حديد على أنه "مهاجر لأسباب اقتصادية"، ومن غير المستبعد أنه في هذه الحالة سيقع ضغط كبير من طرف الاتحاد الأوروبي عن إيطاليا ويبقى الأمل في العدالة أو ما ستسفر عنه قوانين جديدة مبرمجة من الممكن أن تصدر بعد القمة الفرنسية الألمانية بين هولاند وميركل المرتقبة والتي ترغب في وضع شروط إضافية لبلدان الاستقبال الأولى، مثل اليونان وإيطاليا، كتحديد أخذ البصمات، واختيار المهاجرين لأسباب اقتصادية، وإعادتهم إلى أوطانهم لاحقا.
أسئلة تطرح نفسها في الختام: هل سيتحقق الحلم الإيطالي بإعادة الموقوفين في عملية طرد جماعي غير مسبوقة ؟وهل ستتمكن المصالح الدبلوماسية المغربية من إتباع مسطرة البحث عنهم في المغرب وتعريضهم لخطر العودة الذي يخشونه ؟ وهل ستفلح حقا الضغوطات الإيطالية على السلطات المغربية لتلبية هذا الطلب الذي لا يدخل أصلا في اتفاقيات ثنائية بين البلدين أم سيدخل في خانة قضايا حساسة تساعد في تعزيز وتقوية علاقات التعاون والتنسيق بينهما حول العديد من القضايا ذات الاهتمام المشترك،وتبقى الاحتمالات والتخمينات مفتوحة على عدة سيناريوهات ويبقى انتظار تطبيق أو رفض هذا القرار المبني على تأكيد الجنسية المغربية وهذا أمر ليس بالهين وفي حالة التعذر لن يبرح أحد تراب إيطاليا اللهم إن كان إلى بلد أوروبي آخر في حالة إطلاق سراحه وهذا ليس مستبعد.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إيطاليا ملف الــ 116 مهاجرا مغربيا غير الشرعيين تعديل أم ترحيل إيطاليا ملف الــ 116 مهاجرا مغربيا غير الشرعيين تعديل أم ترحيل



GMT 16:18 2023 الإثنين ,18 أيلول / سبتمبر

العراق فاتحاً ذراعيه لأخوته وأشقائه

GMT 16:33 2022 الأحد ,13 آذار/ مارس

بعد أوكرانيا الصين وتايون

GMT 13:32 2021 الإثنين ,20 كانون الأول / ديسمبر

عطش.. وجوع.. وسيادة منقوصة

GMT 22:28 2021 الجمعة ,12 آذار/ مارس

التراجيديا اللبنانية .. وطن في خدمة الزعيم

GMT 21:23 2019 السبت ,08 حزيران / يونيو

الثانوية الكابوسية.. الموت قلقا

إطلالات عملية ومريحة للنجمات في مهرجان الجونة أبرزها ليسرا وهند صبري

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 07:44 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

البدلة النسائية الخيار الأمثل لإبراز شخصيتك وأناقتك
  مصر اليوم - البدلة النسائية الخيار الأمثل لإبراز شخصيتك وأناقتك

GMT 02:13 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

دافيد دي خيا يغير موقفه من التوقيع إلى نادي ريال مدريد

GMT 23:13 2020 الثلاثاء ,08 أيلول / سبتمبر

بورصة الكويت تغلق تعاملاتها على ارتفاع

GMT 07:00 2020 الثلاثاء ,07 تموز / يوليو

تعرف على موعد عرض مسلسل 'هوجان' لمحمد إمام

GMT 05:54 2020 الإثنين ,20 إبريل / نيسان

تعرفي على طريقة إعداد وتحضير ساندويتش التركى
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon