المريزق المصطفى
منذ تأسيسه في يوليوز 2012، ناشد المنتدى الوطني للمدينة كل الفاعلين والمسؤولين والمنتخبين والمهتمين والساهرين على تنظيم وتدبير العيش المشترك في المدينة المغربية، بإعطاء أهمية بالغة لها واقتراح حلول عملية للعديد من الإشكالات المرتبطة بها تاريخيا و اقتصاديا و اجتماعيا و ثقافيا و عمرانيا، و العمل على تلاؤم المشاريع و التدابير والبرامج المؤسساتية الخاصة بتأهيلها وفق ما يقتضيه واقع تطور وتعقد الحياة داخلها. ويأتي كذلك هذا الاهتمام بالمدينة، في سياق واقع الاحتياجات والانتظارات الطموحة، وجوابا على الغاية الكامنة وراء الرغبة في التمتع بكافة الحقوق والحريات كشرط أساسي للعيش المشترك والتعايش فيما بين جميع أفرادها، حتى يستقيم بذلك مطلب استكمال إنسانية الإنسان في قلب حركية مجتمعية محازبة للحداثة والديمقراطية، وترسيخ و تفعيل ما تم التنصيص عليه دستوريا من إعمال للمقارنة التشاركية في تدبير الشأن العام. إن الفاجعة التي شهدتها العاصمة الاقتصادية الدار البيضاء، أولى المدن المغربية، صبيحة الجمعة الماضية، وخلفت عددا من القتلى والجرحى ومفقودين وفاقدي السكن، جراء حادث انهيار ثلاث عمارات بحي "بوركون"، تجعلنا نطرح أكثر من سؤال عن الجهات المسؤولة عن هذا الحادث المؤلم الذي يعتبر من دون شك نتيجة للاختيارات التي نهجت أسلوب الفوضى في التعمير وشجعت على العشوائية في التدبير و باركت السمسرة في التسيير و دعمت المتاجرين في الإرث العمراني و البيئة و التعمير؛ و تجعلنا مقتنعين أكثر من أي و قت مضى بضرورة الاهتمام الجاد و المسؤول بموضوع التعمير الارتجالي وطرح بدائل و اقتراحات عملية لتجاوز تعثر البرامج القطاعية، والتشجيع على تبادل الرأي حول المشاكل المرتبطة بالفوارق بين أطراف و هوامش المدن و مناطقها المركزية، و ما ينجم عن ذلك من فقر وهشاشة وكوارث وأوبئة وظروف معيشية قاسية تخلق التطرف و تشجع على العنف و الجريمة. كما أن فاجعة "حي بوركون" تجعلنا اليوم نقف على محطات من الألم الناجم عن ضعف السياسات العمومية المحلية و عدم توفير المرافق و الخدمات العامة وعجزها عن القيام بالإشراف الكامل على المدن التي تديرها. إن المنتدى الوطني للمدينة الذي و ضع نصب أعينه سياسة المدينة منذ نشأته، و أمام هول الفاجعة الأخيرة، يستحضر بكل قوة و عزم حقوق المدينة و حق سكانها في المدينة من أجل الحياة، ويعبر عن تضامنه مع كل الضحايا و يقدم التعازي لعائلات و أولياء و أقرباء و أصدقاء الضحايا. لقد آن الأوان لمراجعة المخططات و التصاميم و سياسة التنمية الحضرية التي لا زالت تغض الطرف عن البنايات القديمة، وعن الأحياء الحضرية الهشة، وتلك التي تعاني من نقص في التجهيزات الأساسية و البنيات التحتية. و هذا يستدعي مقاربة مبتكرة و مواطنة، تساهم في خلق كرامة الإنسان و تعزز روح التضامن، و تخلق رؤى شفافة و ديمقراطية تربط بين الحق في المدينة و مدينة الحقوق. إن الاكراهات التي باتت تهدد العديد من أحياء المدن، خاصة مع تنامي ظاهرة الزحف الحضري و تزايد حجم سكان المدن بشكل ملفت للانتباه، تفرض اليوم تشريع عصري و قوانين جديدة في مجال التعمير و الإسكان و التنمية المجالية، و تقويم الاختلالات و القضاء على التهميش و الاستبعاد الاجتماعي. خلاصة القول، إن دور الدولة بات ضروريا لاسترجاع زمام الأمور، للقضاء على كل مظاهر الوساطة و السمسرة و سن قوانين و تشريعات متعلقة بسياسة المدينة، تجعل منها ( المدينة) إنجاز إنساني، يمثل تجسيدا لنمط مجتمعي و تأليفا لأفعال مشتركة؛ إن المدينة تستحق أكثر من حوار و طني و تضع أمامنا تحدي كبير خاص بتطوير و تطبيق نموذج مستدام قائم على مبادئ الحرية و المساواة و الكرامة و العدالة الاجتماعية