أحمد المالكي
تحدَّث الرَّئيس الأميركيّ باراك أوباما في خطابه الأسبوع الماضي عن الوضع في العراق وأكَّد أن الولايات المتَّحدة الأميركيَّة سوف تتشاور مع المسؤولين في المنطقة وأنها سوف تبذل جهدًا دبلوماسيًّا حيث سيقوم الوزير جون كيري بجوله في المنطقة.
وبدأت جولة كيري في المنطقة بمصر، وتأتي زيارة وزير الخارجيَّة الأميركيّ جون كيري إلى مصر بعد زيارة العاهل السعوديّ الملك عبدالله وتهنئة الرَّئيس السيسي على تولّيه منصب الرِّئاسة في اعتراف واضح من الولايات المتَّحدة الأميركيَّة بنجاح خارطة الطريق والانتقال بمصر إلى مرحلة جديدة بعد سقوط الإخوان حليف الولايات المتَّحدة الأميركيَّة في مصر.
ولكن لا أعلم هل جاء كيري لمناقشة الوضع في العراق والتشاور مع مصر بشأن العراق أم جاء للتدخُّل في الشأن الدَّاخليّ المصريّ، حيث ذكرت الخارجيَّة الأميركيَّة أن كيري سوف يناقش مخاوف واشنطن من المناخ السياسي في مصر ومن القمع، ولا أعلم لماذا تصر أميركا على التدخُّل السافر في الشؤون الدَّاخليّة لمصر.
أما عن كلام وحديث جون كيري في المؤتمر الصحافيّ فقد بدأه بالتعبير عن سعادته بعودته للقاهرة، وتهنئته لوزير الخارجيَّة الجديد سامح شكري على تولِّيه المنصب وتأكيده أنه جاء إلى مصر لكي يؤكد على الشراكة التاريخية بين مصر وأميركا، وأعتقد أن جون كيري يقصد المصلحه الأميركيَّة وليس الشراكة، وهذا معروف عن الولايات المتَّحدة الأميركيَّة أنها تبحث عن مصلحتها فقط وليست علاقة شراكة.
كما تحدث كيري في المؤتمر الصحافيّ عن أن الولايات المتَّحدة تودّ أن ترى الشعب المصريّ ينجح وأن تساهم في هذا النجاح، وأشار إلى أن الولايات المتَّحدة ملتزمة بالعمل مع مصر لدعم الطموح السياسيّ والاقتصاديّ وتعزيز حقوق الإنسان، وهنا أقول للسيد كيري نحن نعرف جيدًا كيف ننجح ولا نريد منكم أي نوع من المساعدة لأنكم لا تريدون نجاح مصر وشعبها، بل أنتم تريدون تقسيم مصر ضمن مخطط الولايات المتَّحدة لتقسيم الشرق الأوسط ورسم شرق أوسط جديد، وللأسف فقد حدث هذا في السودان، وجارٍ في بعض دول المنطقة الآن، لكن مصر التي تماسكت تريد منكم أن تتركوها وشأنها.
ويبدو أن السيد كيري يريد حسب حديثه في المؤتمر الصحافيّ أن تشارك مصر في مواجهة التطرف والإرهاب ونسي كيري أن التطرف والإرهاب الذي نراه الآن، سواء في مصر أو في دول المنطقة إنما صنعته الولايات المتَّحدة الأميركيَّة بدعمها لهذه الجماعات المتطرفة وما زالت تدعمها حتى الآن، وقد وضح هذا في العلاقات بين جماعة الإخوان والإدارة الأميركيَّة، وحديث كيري للرئيس المصريّ عبدالفتاح السيسي حول مستقبل جماعة الإخوان في مصر، وكأن السيد كيري يريد أن يفرض على الشعب المصريّ عودة جماعة الإخوان مرة أخرى إلى اللعبة السياسية في مصر، ولا يعرف أن الشعب المصريّ لن يتعامل مرة أخرى مع جماعه قاتلة ارتكبت أخطاء وجرائم في حق الشعب المصريّ، وأن أحكام الإعدام التي لا تعجب الإدارة الأميركيَّة هي أقل ما يجب أن تعاقب به جماعة الإخوان على جرائمهم ضد شعب مصر.
كما أكّد السيد كيري على دعم الولايات المتحدة للحقوق والحريات لكل المصريّين بما في ذلك حرية الرأي وحرية التعبير السلمي عن الرأي وحرية الصحافة، ولا أعلم هل هناك حرِّيَّة كاملة في الولايات المتحدة؟ ولماذا لا يتحدث كيري عن تركيا وقطر وهي دول تقمع الحريات وتقمع المظاهرات؟ لماذا يركز على مصر وهناك دول أخرى لا تعترف بهذه الحريات التي يقول عليها السيد كيري ولا تتحدث عنها الإدارة الأميركيَّة، وليعلم كيري وإدارته الفاشلة أن المصريّين قادرون على حماية حرياتهم وأنهم لن يستسلموا إذا نقصت هذه الحرِّيَّة، وأن الشعب الذي خرج في ثورة يناير وخلع نظام مبارك، ثم خرج بعدها في 30 يونيو وخلع نظام مرسي وجماعته لن يتوانى ولو للحظة عن حقِّه في التعبير عن الرأي وحرية الصحافة، وأنا أعرف أن جون كيري يتحدث عن صحافيي الجزيرة لأنهم في أجندة الولايات المتحدة السياسيَّة، وقد قالها صراحة في المؤتمر الصحافيّ أنه تحدث مع الرَّئيس السيسي حول صحافيي قناة الجزيرة، وقد رأى السيد كيري أن ما فعله صحفيُّو الجزيرة هي حرية صحافة، فأن تفبرك الأخبار وتنشر الأكاذيب وتتلاعب بالصور والفيديوهات هذه تسمى حرية صحافة، أن تدفع الأموال للحشد، وتقوم بعمل مسلسل من الدماء هذه حرية صحافة، هؤلاء كما وصفتهم وأصفهم دائمًا -وكما سبق أن ذكرت ذلك في حديث مع إذاعة مونت كارلو الدولية- ليسوا صحافيين ولكنهم جواسيس، فالذين يقومون بعمل هذه الأعمال الإجرامية ورسم صورة مغلوطة عما يحدث في مصر بدلًا من أن ينقلوا الواقع يجب أن يحاكموا.
وكان يجب علي الرَّئيس عبدالفتاح السيسي ألا يسمح للسيد كيري بالتدخُّل في الشأن الدَّاخليّ المصريّ لأن قضية صحفايي الجزيرة في يد القضاء المصريّ والقضاء مستقل ولن يسمح الشعب المصريّ لأي أحد بالتدخُّل في شؤون القضاء لأنه الحصن الأخير للشعب المصريّ.
وإذا كان السيد كيري وإدارته يهددان مصر طوال الوقت بالمساعدات الأميركيَّة فيجب على مصر أن يكون لها موقف واضح من هذا التلاعب والتلويح لنا طوال الوقت بخفض المساعدات الذي تحدث عنها كيري في المؤتمر الصحافي عندما سأله أحد الصحافيين عنها، فأجاب كيري أنه على ثقه بتقديم المساعدات كاملة بعد رفض مجلس الشيوخ وأن هذه المساعدات تتجاوز 650 مليون دولار أميركيّ، كما ذكر كيري أن طائرات الأباتشي سوف تأتي قريبًاـ
وأعتقد أنه يجب على مصر أن تفتح علاقات أوسع مع روسيا، حتى تتوقف الولايات المتحدة عن التلويح طوال الوقت بخفض المساعدات التي أغلبها مساعدات عسكرية، ولكن الشعب المصريّ رأيه في هذه المساعدات أنه يجب قطعها تمامًا حتى يكون القرار المصريّ غير متأثر بهذه المساعدات التي تهددنا بها الولايات المتَّحدة الأميركيَّة طوال الوقت.
إن زيارة جون كيري وزير الخارجيَّة الأميركيّ إلى مصر ليست كما أعلنت الإدارة الأميركيَّة للتشاور حول الوضع في العراق بل جاءت هذه الزيارة للتدخُّل في الشأن الدَّاخليّ المصريّ ومحاولة إرباك الوضع في مصر بعد مقابلة كيري مع مؤسسات المجتمع المدني والنشطاء وحديثه حول صحفايي الجزيرة والقضاء المصريّ ليكون الهدف المعلن هو التشاور حول العراق والوضع في المنطقة، بينما الهدف الخبيث والخفي وغير المعلن عنوانه التدخُّل الأميركيّ في الشأن الدَّاخليّ المصريّ.