محمود حساني
كنت في طريقي لإجراء حديث صحافي، مع إحدى الشخصيات السياسية البارزة، للحديث عن الوضع الملتهب في المنطقة، وقعت عيني على مجموعة من الشباب، يدخلون الابتسامة على الكبار، من خلال توزيع الهدايا البسيطة على المارّة، ويدخلون البهجة والسرور على الأطفال من خلال توزيع قطع الحلوى عليهم.
ولفت انتباهي حجم الهمة والعزيمة التي يتمتع بها هؤلاء الشباب، فدفعني الفضول لسؤالهم ينتمون لمن ؟! في البداية كنت أعتقد أن هؤلاء مجموعة من الشباب تابعين لحزب سياسي، يستعد للمنافسة على انتخابات المحليات، المُقرر إجراؤها نهاية العام الجاري، فمثل هذه المشاهد تعودنا على مشاهدتها من شباب جماعة "الإخوان" المحظورة، الذين يستغلون الحاجة والعوزة، للظهور في المناسبات، للتحقيق أهدافهم السياسية، غير أن هؤلاء – خلاف ذلك – مجموعة من الشباب والشابات، يحملون نفس المبادئ والأفكار والأهداف، ألا وهي مساعدة الغير ورسم البسمة والسعادة على وجوه كل من يقابلونه، ولم يكتفوا بذالك، بل يخصصون يوماً في الأسبوع لزيارة أصحاب المناطق الفقيرة والنائية لتقديم يد العوة والمساعدة. كما لفت انتباهي أنهم ينتمون إلى الطبقات الاجتماعية الراقية، وعند سؤالي عن سبب قيامهم بذالك؟! في الوقت الذي ينتمي فيه أغلبهم لطبقات اجتماعية راقية، اتفقوا جميعاً أن حياتهم قبل العمل التطوعي، ليس بها أي متعة أو اكتشاف، تسير كل يوم على نفس اليوم التقليدي، الذهاب إلى الجامعة والعودة إلى المنزل والخروج إلى الكورسات وقضاء وقت مع الصحبة في النوادي والكافيهات، لذا قرروا أن يخرجوا من دائرة الملل، والاستمتاع بالعمل التطوعي .
العمل التطوعي، تلك الفضيلة المنسية والغائبة عن حياتنا، في زحمة الأحداث والصراعات اليومية على متطلبات المعيشة، فلهذا النوع من العمل لذة ومتعة لا يدركها، إلا كل من تطوّع من أجل غيره، فلا يوجد في هذه الحياة أجمل من أن يهب الإنسان أشياءً ثمينة للآخرين دون أي مقابل، ولا يوجد أغلى على الإنسان من وقته وماله، لهذا فأن يهب الإنسان جزءاً من وقته للآخرين، أو أن يهبهم جزءاً من ماله لهو خيرٌ من الدنيا وما فيها، فنفسيّة هذا الإنسان أفضل بكثير من نفسيّة الإنسان الأناني الّذي يسعى خلف نفسه ولا يدركها، أعلم جيداً عزيري القارئ حجم التحديات والمسؤليات الواقعة على عاتقك، لكن من الواجب علينا في ظل زحمة الحياة، ألا ننسى ما أمر به ديننا الحنيف من مساعدة الغير والوقوف معهم ، وتصديقاً لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم "من فرج عن مسلم كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن يسر على مسلم يسر الله عليه وكان الله فى عون العبد ما دام العبد في عون أخيه". وقال -صلى الله عليه وسلم- "من مشى في حاجة أخيه كان خيراً له من اعتكاف عشر سنوات". بالتأكيد عزيزي القارئ لن نخسر إذا خصصنا جزء من حياتنا ووقتنا من أجل الآخرين .