القاهرة - محمود حساني
تابعت باهتمام شديد الأزمة الراهنة بين مصر والمملكة العربية السعودية، على خلفية قرار شركة "أرامكو" السعودية بوقف إمداداتها من شحنات البترول إلى مصر لهذا الشهر، البعض يرى أن هذا القرار ردًا على موقف مصر وتأييدها للقرار الروسي في مجلس الأمن حول الأزمة السورية، والبعض الآخر أتخذ من الأزمة فرصة لتحقيق مآربه القديمة للوقيعة بين مصر والسعودية.
وكلاهما مخطئ، فلا قرار وقف إمداد شحنات البترول لمصر، مرتبط بموقفها تجاه الأزمة السورية، ولا من يسعى إلى الوقيعة بين مصر والسعودية، سينجح بل ستبوء بالفشل كغيرها من المحاولات السابقة، فقرار "أرامكو" السعودية، بوقف إمداداتها أُتخذ في مطلع شهر تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، وهو ما يعني بوضوح قبل تصويت مصر على قرار المشروع الروسي في مجلس الأمن.
فمن يجهل قوة ومتانة العلاقات التي تجمع بين مصر والسعودية، عليه أن يعود إلى التاريخ، فهو كفيل لكي يعرفها حجمها وعمقها وأنها أكبر من أي خلاف عارض في وجهات النظر، وارد أن يحدث بين الأشقاء، لكن لن يصل بأي حال إلى الوقيعة كما يتوهم البعض.
فالمملكة تعي تماماً مصر وأهميتها بالنسبة لهم، وهذه الرؤية ليست وليدة الوقت الراهن ، وإنما ترجع منذ عصر المغفور له الملك عبد العزيز آل سعود بكل وضوح الأهمية الاستراتيجية للعلاقات المصرية السعودية وانتهى إلى مقولته الشهيرة " لا غنى للعرب عن مصر – ولا غنى لمصر عن العرب " فمنذ أن بدأ المغفور له بناء الدولة السعودية الحديثة في عام 1902 حرص على إيجاد علاقة قوية مع مصر ، وعلى هذا النج سار من بعده أبنائه إلى وقتنا الراهن.
ولا يمكن للتاريخ أن يغفل مواقف المملكة تجاه مصر، فهي أول من أيدت مطالب مصر الوطنية، في جلاء القوات البريطانية عن الأراضي المصرية ووقفت إلى جانبها في الجامعة العربية والأمم المتحدة وجميع المحافل الدولية .وأثناء العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 وقفت المملكة بكل ثقلها إلى جانب مصر في كل المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية ، وعقب العدوان الإسرائيلي على الدول العربية مصر وسورية والأردن عام 1967، كان الملك فيصل بن عبد العزيز ، أول من دعا بضرورة الوقوف إلى جانب الدول الشقيقة المعتدى عليها وتخصيص مبالغ كبيرة لتمكينها من الصمود.
وسجلت حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، واحدًا من المواقف الفارقة في تاريخ علاقات البلدين، عندما اتخذت المملكة قراراً بوقف إمدادات البترول للدول الداعمة لإسرائيل.
والتاريخ الحديث يسجل بأحرف من نور، مواقف المملكة تجاه مصر في أحنك الظروف، فالن ينسى الجيل الحالي من المصريين، أن السعودية أول من أعلنت تأييدها لثورة 30 حزيران / يونيه ، ولن ينسى رسالة المغفور له الملك عبدالله بن عبدالعزيز، أي اعتداء أو مساس بمصر هو مساس بالسعودية " ، وعلى نهجه سار الملك سلمان بن عبد الغزيز، الذي استكمل مسيرة الدعم لمصر. فمصر والسعودية هما ركيزتان أساسيتان في المنطقة وصمام أمان لما تواجهه من مخططات ومؤامرات.