بقلم : أحمد عبدالله
نستطيع أن نتفهم تجاهل أو تغافل مجلس النواب عن عدد من الحوادث اليومية العابرة، كالتي تزخر بها صفحات الجرائد يوميا، والأخبار الوافدة من هنا او هناك، عن مشكلة في محافظة ما، او مشاجرة في قرية أو بلدة في قلب الصعيد أو الريف. وعدد الامور المشابهة لذلك لاتعد ولاتحصي منذ بداية انعقاد الجلسات للبرلمان الحالي الذي يجلس على سدته "أستاذ قانون" وأحد أبناء محافظة تشكو من النسيان والتجاهل طوال السنوات الماضية، ولايتوقف كثيرا الخبراء والمراقبون علي قضايا "درجة ثانية" لاترقى الى اهتمام نواب الشعب ولا تشغل بالهم، فالبرلمان الذي قارب العام على تأسيسه، دأب طوال الفترة الماضية على الدخول في عطلات وأجازات برلمانية.
ولكن ما يستعصي على الفهم وما يصعب تقبله بسهولة هو "تعمد تجاهل" قضايا مصيرية من جانب البرلمان، تدخل في صلب أختصاصاته، وفي سياق شبه طبيعي، لاستحوذت عليه كليا، ولاستغرق نوابه وانخرطوا في جلسات مطولة خصيصًا من أجل هذه القضايا، والتي جرى تخفيفها وإبعادها عن حيز إهتمام النواب، سواء جرى ذلك بشكل فيه "تخطيط مسبق" أو يتم ذلك بحكم "العادي" وطبيعة التركيبة الحالية للنواب، التي تفتقد إلى الخبرة والحنكة و"المهارة السياسية" وحسن تقدير الأمور.
المتابع لأعمال البرلمان وانشغالاته طوال الفترة الماضية سيجد "4 ملفات" سقطت من أولويات البرلمان بشكل غرائبي وينافي أبسط القواعد والأعراف البرلمانية رسوخا، فمحكمة النقض التي تعتبر إحدى أعلى الهيئات القضائية في البلاد، لم يكن يتصور أي من العاملين فيها من أكبر قامة قضائية حتى أصغر موظف، ان تلجأ المحكمة يوما إلى شرح حكم لها، وأن تتبعه بتفسير، وأن تلحق التفسير بتوضيح، وأن تواصل بعد ذلك التفنيد والتأكيد على معانيها ومقاصدها في مسألة "وجوب تصعيد الباحث السياسي عمرو الشوبكي" بديلا عن نجل المستشار مرتضي منصور.
شهور طويلة مرَّت في هذه الأزمة، والبرلمان يمارس معها أكثر أشكال "التجاهل" والتسويف، احترافا، ولايزال حتى الان لم يبتَّ في أمر تصعيد الشوبكي، وهو أمر بإجماع الأراء "غير مسبوق".
دستوريًا وقانونيًا، كل الوثائق واللوائح التنظيمية التي مرَّت علي البلاد تشدد على ضرورة عرض أية اتفاقيات اقتصادية على مجلس النواب ، ولايمكن للسلطة التنفيذية أن تلجأ لأية معاملات اقتصادية مؤثرة دون الرجوع إلى نواب الأمة والحصول على موافقتهم بعد "مدوالات ومشاورات" حول الأمر، فصدق أو لاتصدق أن الحكومة تلجأ الى أحد أكثر المخارج الاقتصادية "خطورة"، وتستعين "وحدها" وبقرارها منفردة بسيناريو محل جدل دائم بين الأنظمة المتعاقبة وهو "قرض صندوق النقد".
احراجات متتالية يتعرض لها رئيس البرلمان علي عبدالعال عند سؤاله بشأن المادة 127 من الدستور التي تنص: "لا يجوز للسلطة التنفيذية الاقتراض أو الحصول على تمويل، أو الارتباط بمشروع غير مدرج في الموازنة العامة المعتمدة يترتب عليه إنفاق مبالغ من الخزانة العامة للدولة لمدة مقبلة، إلا بعد موافقة مجلس النواب" .
لايملك عبدالعال أن يستعين على "التناسي والتجاهل" إلا بـ"الغضب وإبداء الاستياء"، وبيقوم بإسكات أي من النواب المطالبينه بتوضيح الأمور، ليكون صندوق النقد أحد أكثر "البديهيات" أو "الحتميات" التي يتعين على البرلمان حسمها، ولكنه يتجاهلها بغرابة
منذ أيام هزت البلاد قضية رفع الجمارك على الدواجن المستوردة، وخرج الخبراء والمراقبون يصرخون من خسائر بالمليارات سيتكبدها قطاع وطني، اتخذت الحكومة القرار، ثم تراجعت عنه، ولم يكن للمؤسسة الرقابية والتشريعية الأولى في البلاد أي دور.
لايقارن كل ما فات بمسألة "تيران وصنافير" التي أخذت فيها أطراف عديدة صولات وجولات، والبرلمان آخر من يعلم، وبسؤال كل قيادات البرلمان بداية من رئيس المجلس ورؤساء اللجان النوعية المختصة، يجيبون : لم تصلنا القضية حتى الان.
لا أدري تماما التبعات المحتملة لتجاهل البرلمان أمورًا في صلب اختصاصاته، وتأثير ذلك على قوته وفعاليته في مقابل أجهزة ومؤسسات أخرى في الدولة، ولكن ما أدركه تماما أن البرلمان أوشك على فقدان كامل رصيده، ليس فقط عند المراقبين والمختصين، وإنما عند رجل الشارع العادي.