بقلم : محمود حساني
تابعتُ باهتمام رد فعل قطاع عريض من المواطنين، حول الحكم الصادر من محكمة النقض- أعلى محكمة في البلاد- ببراءة الرئيس الأسبق حسني مبارك ، من تهمة قتل المتظاهرين أبان ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 ، والذي أسدل الستار تماماً على القضية المعروفة إعلامياً بـ "محاكمة القرن ".
من يُتابع عن قُرب سير مراحل القضية ، والتي تم فتحها بناء على ضغط شعبي، فلنتذكر جميعاً ، الجمعة التي نظمتها بعض القوى والحركات السياسية ، في 28 آذار/ مارس 2011 ، والتي رفع المتظاهرون فيها ، لافتات تحمل شعار "نعم للقصاص ". وأمام هذا الضغط الشعبي، لم يكن أمام المجلس الأعلى للقوات المسلحة ، الذي تولى حكم البلاد آنذاك ، سوى فتح القضية ، للتخفيف من حدة الأصوات الغاضبة في ميدان التحرير ، وبعدها تم انتداب فريق من النيابة العامة ،للانتقال إلى شرم الشيخ ، حيث مقر إقامة الرئيس الأسبق مبارك ، للتحقيق في الاتهامات المسنوبة إليه ، وبعد إسبوعين من التحقيقات ، صدر قرار من النائب العام آنذاك، المستشار عبدالمجيد محمود ، بحبس الرئيس الأسبق حسني مبارك 15 يوماً ، على ذمة التحقيقات .وأمام استمرار الضغط الشعبي على المجلس العسكري ، صدر قرار بإحالة الرئيس الأسبق مبارك ووزير داخليته و6 من كبار مساعديه إلى محكمة الجنايات ، والتي انطلقت أولى جلساته في 3 أب/أغسطس 2011 .
الدرس الأول في كلية الحقوق ، أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته ، فالقضاء والقانون ، لا يأخذ بالعواطف ولا بالشعارات المرفوعة في ميدان التحرير ، وإنما يأخذ بما أمامه من أدلة تتضمنها أوراق القضية. إذن الرئيس الأسبق مبارك ، منذ اللحظة الأولى وفقاً لهذه القاعدة ، هو بريء من دماء المتظاهرين ، ما لم تتضمن أوراق القضية خلاف ذلك ، لذا الكثير من خبراء القانون توقعوا أن يحصل الرئيس الأسبق حسني مبارك على البراءة من قتل المتظاهرين خلال الجولة الأولى من المحاكمة ، وهو ما حدث بالفعل. فمن اطّلع على حيثيات حكم إدانة الرئيس الأسبق يعي تماماً أنه تمت إدانته على امتناعه عن إصدار أمر بإتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية المتظاهرين، باعتباره رئيساً للبلاد، وهي جريمة لم يتضمنها قرار إحالة المتهم إلى الجنايات، وإنما وجدت هيئة المحكمة برئاسة القاضي الجليل المستشار أحمد رفعت ، مسؤولة أمام الوطن والتاريخ ، على دماء الأبرياء التي أُسيلت في ميادين مصر ، فجاء حكمها ببراءة قيادات وزارة الداخلية ، وإدانة الرئيس الأسبق حسني مبارك ووزير داخليته حبيب العادلي ، وهو العقوبة تم إلغاؤها أمام محكمة النقض ، استناداً إلى المبدأ القانوني المهم ، براءة الفرع تُبرر براءة الأصل .
الخلاصة يا سادة ، الرئيس الأسبق مبارك بريء من دماء المتظاهرين منذ اللحظة الأولى ، التي انعدمت فيها إرادة البعض على محاكمته فعلياً عما ارتكبه من جرائم ، وعندما غابت الإرادة السياسية ، وبالتالي فشلت أجهزة التحقيق ، عن جمع أدلة تُدين مبارك ورموز نظامه عن الجرائم التي ارتكبوها ، جاءت البراءة ، كنتيجة منطقية لقيادة الإرادة السياسية .