بقلم: أبو بكر الديب
المتأمل في أوضاع الديمقراطية، والحريات في الغرب بشكل عام وأميركا وأوروبا، علي وجه الخصوص يري تراجعا ملحوظا في مساحاتهما، بعد أن حظيت شعوبهما بهذه النعم منذ سنوات طوال.. ولم يكن فوز دونالد ترامب، بمنصب الرئيس الأميركي، ولا تصريحاته المعادية للديمقراطية والحريات آخر هذه الشواهد، حيث نمت في القارة العجوز "أوروبا" من سنوات، ظاهرة العنصرية واليمين المتطرف وكره الوافدين والمهاجرين، وانتقاد ارتفاع سقف الحريات، والرغبة الجامحة في معاداة الأديان وخاصة الإسلام الحنيف، فضلا عن الأعراق المختلفة.
وظهر في الأفق، اتجاه سريع للولايات المتحدة الأميركية، والدول الأوروبية، من دول راعية للديمقراطية ومتبنية لها إلى دول شبه ديكتاتورية، فمثلا الرئيس الأميركي، يحاول تقليد زعماء أوروبا فيما قبل النهضة، وكأنه "ترامب قلب الأسد"، يتصرف وكأنه المخلِّص للأميركيين والبشرية من موبقات الماضي، متخذا قرارات تعسفية، دون إدراك تبعيات تلك القرارات، الأمر الذي يؤثر على بلد الحريات بالسلب، فضلا عن كرهه للمهاجرين، الذين هم أصل حضارة الولايات المتحدة، وسبب نهضتها، ما سيؤدي حتما إلى رجوع أميركا إلى الخلف.
الغريب أن ترامب يتباهى بقراراته رغم مخالفتها لأحكام الدستور الأميركي، الذي يرفض العنصرية العرقية ويؤكد في نصوصه على ضرورة احترام مبدأ المساواة بين الأفراد سواء المواطنين الأصليين أو الوافدين. وعند ذكر اسم سورية مثلا أمام "ترامب" ومتطرفي أميركا، لا يتذكرون سوى الإرهاب والعنف، والحرب الأهلية، و"داعش"، ورغم وجود هذه الظواهر القبيحة، لكنّ ما يجهله كثير من هؤلاء، هو أن سورية ساهمت بشكل أو بآخر في بناء الحضارة الأميركية.
فعدد كبير من المهاجرين السوريين في أميركا، أبدع في جميع المجالات العلمية والفنية والثقافية والأدبية والرياضية، وعلى سبيل المثال لا الحصر، نذكر 14 شخصية أميركية مشهورة تنحدر من أصول سورية، منها "جيري سانيفيلد" نجم الكوميديا الأميركي الشهير جيري سانيفيلد، حيث إن والدته سورية الأصل؛ فقد هاجر أهل والدته سليم و صالحة حسني من حلب إلى الولايات المتحدة في العام 1909، و"ستيف جوبز" المخترع وأحد أبرز رجال الأعمال في أميركا والعالم، ومؤسس ورئيس تنفيذي سابق لشركةApple.، والذي ولد لمهاجرين سوريين وتم تبنيه من قبل عائلة أميركية، و"باولا عبدول" مغنية وعضوة لجنة تحكيم برنامج The Voice بنسخته الأميركية، فقد ولدت في حلب ثم انتقلت مع عائلتها إلى البرازيل قبل أن تهاجر إلى الولايات المتحدة، و" موري إبراهام" الممثل الشهير الحائز على جائزة الأوسكار، ولد لأب سوري هاجر إلى الولايات المتحدة عام 1920، و" براندون سعد" لاعب الهوكي الشهير في فريق Columbus Blue Jackets، وُلِدَ لأب سوري، و مايكل آنسارا ولد في سورية عام 1922، وهاجر مع عائلته إلى الولايات المتحدة عندما كان صغيراً، و" سام ياغان" مؤسس موقع المواعدةmatch.com كما ساهم في تأسيس مواقع SparkNotes، eDonkey، OkCupid ، وأيضاً موقع Tinde.
وقد ورد اسمه في قائمة مجلة التايم لأكثر 100 شخصية مؤثرة في العالم، و كايلي سلاتر، هاجر جده من سورية إلى الولايات المتحدة الأميركية. ليصبح بطل العالم لركوب الأمواج 11 مرة، منها 5 مرات متتالية من العام 1994 وحتى 1998، و منى سيمبسون، الكاتبة والروائية والبروفيسورة في جامعة كاليفورنيا منى سيمبسون ، وفيك تايباك الممثل الشهير والحائز على جائزتي غولدن غلوب، وُلِدَ لمهاجرين سوريين من حلب، من أشهر أدواره التلفزيونية مسلسل Alice، توفي فيك في العام 1990، وتيري هاتشر، الكاتبة والممثلة المعروفة في دور سوزان ماير في المسلسل التلفزيوني Miserable Housewives ، والدتها سورية الأصل، وغيرهم كثير.
وفي نظرة أخرى، للمجتمع الأوربي، نرى أنه يشهد تراجعا ملحوظا في الحريات وتصاعد لـ" الشعبوية"، وهذا حسب دراسات أوروبية حيث يرى 73% من الإيطاليين أن بلدهم في تراجع، فيما تبلغ هذه النسبة 69% في إسبانيا، و67% في فرنسا، و57% في بريطانيا و47% في ألمانيا، وفق دراسة أجراها معهد "إيبسوس جلوبال أدفايزر" في أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني 2016... ونتيجة لذلك، لا يثق الأوروبيون في حكوماتهم، وهو ما أعرب عنه 89% من الإسبان و80% من الإيطاليين و77% من الفرنسيين و70% من الألمان و66% من البريطانيين، وتشير الدراسة إلى أن هذه المشاعر تساهم في تصاعد الشعبوية، إذ تعتقد غالبية المستطلعين باستثناء ألمانيا، أن بلادها بحاجة إلى زعيم قوي يستعيد السلطة من أصحاب النفوذ.
وأعرب عن مثل هذا الرأي 72% من الإسبان و70% من الفرنسيين و67% من الإيطاليين والبريطانيين، ولتحسين وضع البلاد، أعرب 80% من الفرنسيين عن استعدادهم للتصويت لصالح "قيادي مستعد لتغيير قواعد اللعبة"، وبلغت هذه النسبة 68% في إيطاليا و50% في بريطانيا، إنما 21% فقط في ألمانيا، وفي إسبانيا، قال 62% من المستطلعين إنهم قد يصوتون لحزب أو زعيم مستعد لإدخال "تغيير جذري على الوضع القائم، ودعا مواطنو البلدان التي شهدت اعتداءات مؤخرا إلى التصدي للإرهاب بكل الوسائل، ولو أدى ذلك إلى الحد من الحريات العامة، وهو ما أيده 59% من المستطلعين في فرنسا و55% في بلجيكا، مقابل 35% فقط في إيطاليا و31% في إسبانيا.