بقلم : محمد داودية
وصلتني على "واتساب"رسالة من رجل وازن ناضج رزين، تتحدث عن أسباب مختلقة لا تصدق لإحالة أصحاب السمو الملكي أمرائنا الأعزاء فيصل وعلي وطلال على التقاعد؛ أرسلت ردًا للرجل فوريًا قلت له فيه متعجبًا "وهل تصدق هذه الإشاعة البالغة الهشاشة، التي تُفصِح عن تلفيقها وتفضح ملفقها؟!
افرحتني ابنتي النبيهة رند التي كانت أكثر وعيًا وأشد ثقة بي؛ فقد أرسلت لي رسالة على تسألني: بابا! هل هذا الخبر صحيح؟!، كان سؤالها سؤال من تشك في صحة الخبر، وسؤال المتروية التي لا تسارع الى إعادة إرسال الإشاعة والمساهمة في نشر الكذب والدجل والظلم والافتراء الذي فيها، وسؤال الاستنارة بمن تثق أنه لا يغشها ولا يخدعها.
ليست المشكلة مع ملفقي الإشاعات وصانعي الخِدع والغارفين من الأوهام والممعنين في القبضيات والأعطيات، ولا حتى مع الجهات التي تضع الكلام في افواههم وتضع الأحبار في أقلامهم وتضع الدراهم والشيكلات في حساباتهم السرية.
فنحن دولة لها أعداء وكارهون وحاسدون ولنا مغتاظون من نجاح ملكنا في ملفات كثيرة، أخرها ملف الدفاع عن هوية القدس العربية وعن حقوق شعب فلسطين العربي في دولة مستقلة متصلة عاصمتها الأبدية القدس، مشكلتنا فينا ومعنا. نحن النخبة والقيادات الإعلامية والفكرية والسياسية والثقافية التي تصدق الإشاعات حينًا، وتنطلي عليها حينًا آخر. أو هي لا تصدقها وتكتشف سذاجتها وخواءها، فتصمت ولا تنبري لدحضها.
لا أتحدث هنا عن الرأي العام الذي له قدوات ينتظرها ويثق بأنها لا تغشّه ولا تخونه ولا تمضي هي الأخرى في خداعه كما تفعل الإشاعات، ولا أتحدث بالطبع عن الكتاب والسياسيين والصحافيين الذين يزدرون ويهملون الإشاعات المفرطة في السذاجة فلا يعلقون عليها ولا يهبونها قيمة لا تستحقها.
معلوم أن الإشاعة تسري كالنار في الهشيم على قاعدتي: الغموض والأهمية؛ فالإشاعة الأكثر سرعة في السريان هي تلك المتعلقة بأشخاص مهمين، والتي تتميز بالغموض الشديد، وهي حاصل ضرب الغموض بالأهمية، ويتم إسباغ الغموض على أية إشاعة بالإحالة على "علمنا من مصادرنا الخاصة"...الخ.
إن دحض الإشاعة يفضي تلقائيًا إلى نزع أية ثقة من مطلقيها، ويؤدي إلى ضرب أية مصداقية لمن يحملها ويروجها، من مواقع إلكترونية وصحف وفضائيات وأشخاص؛ لأنهم يسهل خداعهم؛ ولأنهم لا يدققون؛ ولأنهم يحملون لنا أخبارًا ملفقة.
وبالطبع فإن الإشاعة لا تمضي ولا تسري دون قوة دفع محترفة، ولا تنتشر الإشاعة انتشارًا واسعًا إلا إذا ساندتها أجهزة مختصة تنتظرها وتتلقفها وتعممها؛ ويمكن معرفة أو توقع من الذي أطلق تلك الإشاعة الساذجة عندما نلاحظ من المستفيد من الإساءة إلى الأردن وإلى دولة الإمارات العربية المتحدة.
لقد تحدث رب العزة جل وسما في القرآن الكريم عن الإشاعة، وتحدث جل جلاله أيضًا قبل 1439 عامًا عن مقاومة الإشاعة!! ونهى عن تداولها واعتبر ذلك أمرًا عظيمًا. فقد جاء في سورة النور:
«إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيم». صدق الله العليم.