القاهرة - عادل عامر
تعـتـبر مصر أكـبـر دولة عربـيـة ، وواحدة من أكبر الدول الأفـريقـيـة بالنسبة لحـجـم السكان وعانى المجـتـمـع المصري من آثار الانفجار السكاني ، والتي لا تـتـنـاسب معـدلات الزيادة السـكـانـيـة مع معـدلات التنمية الاجتماعـيـة والاقـتـصاديـة والتي تـؤثـر بالتالي عـلى مسـتـوى المعـيشة وتناقص الخدمات للمجتمع بشكل عام وللأفراد بشكل خاص .
ويعتبر التضخم السكاني مشكلة من المشاكل التي تحـول دون وصول المجـتـمـع إلى مسـتـوى الرفاهـيـة و الازدهار , بل إنها من الممكن أن تحـول دون الحـفـاظ بالمسـتـوى الذي هـو عـليـه الآن ، حـيث أن النمو السـكـاني يلـتـهـم كل زيادة في النـمـو الاقـتـصـادي دون وجـود فائض اقتصادي لاستثمارها في مشروعات التنمية الاقتصادية والاجـتماعـية للمجتمع .
وهكذا نرى أن ارتفاع معدلات النمو السكاني وسوء توزيع السكان في مصر ، يقضي على خـطط التنمية الاجتماعية والاقتصادية .
فـقـضايـا السكان تبرز و تتضح عند مقارنتها بالموارد المتاحة ويقال أن دولة ما تعاني من مشكلة سكانية إذا كان التزايد في عـدد سكانها لا يتناسب مع الزيادة التي تطـرأ عـلى مواردهـا ، أو كانت معـدلات نـمـو السكان أو طبيعة البناء العمري لسكانها يعـوقـان انطلاق هـذه الدولة نحـو التنمية من أجـل رفـع مستـوى معـيشـة مواطنيها من خلال التأثير على توزيع الدخل القومي بـيـن الاستهـلاك و الادخـار أو مـن خلال تأثـيـرها على عمليات الاستثمار بل وتوجيه هذا الاستثمار إلى قطاعات قد لا تحقـق العائد السريع المرجـو لتحـقيـق الأهداف المتوخاة من خـطـط وبرامج التنمية .
فالأمر مرتبط إذن بالعـلاقة بين السكان و الموارد بين الزيادة السكانية والنمو الاقـتصادي ، إذا اخـتـل الوضع بين السكان والمـوارد واخـتـل النمو السكاني أمام النمو الاقـتـصـادي ، صارت المشكلة السكانيـة في قطر ما أو في أي مجتمع واقعا ملموسا .
أن التناسل هو ضرورة للحفاظ على الجنس البشري وهو حتمية لوجود الدولة وبقائها، لأن التراجع الحاد في أعداد السكان يؤدي بالضرورة إلى تراجع القوة البشرية التي تدافع عن الدولة، المتمثلة في جيش يدافع عن حدودها، وإلى تراجع القوة البشرية التي تبني الدولة والمتمثلة في قوة العمل التي تدير عجلة الإنتاج وتوفير الخدمات الأساسية لسكان الوطن. واستمرار هذا التراجع في أعداد السكان قد يؤدي إلى انقراض السكان بطبيعة الحال ويؤدي من ثم إلى زوال الدولة. وبالتالي فإنه من المنطقي أن تسعى المجتمعات إلى الحفاظ على بقائها من خلال عدم انخفاض عدد سكانها.
وإذا كان وجود زيادة سكانية في أي مجتمع هو ضرورة لإحلال الوفيات التي تحدث سنوياً، ولتجديد شباب هذا المجتمع وبقائه، فيصبح السؤال الملح ما هو معدل الزيادة السكانية المناسبة؟ الإجابة البديهية هي أن تتساوى أعداد المواليد والوفيات، وبالتالي يظل عدد السكان ثابتاً. ولكن إذا فاق عدد المواليد عدد الوفيات فما هو تأثير هذه الزيادة على تقدم الوطن؟ للإجابة عن هذا السؤال نقول إن الزيادة السكانية تؤدي إلى تقدم الأمم إذا تحققت الشروط التالية:
1) أن يترتب على هذه الزيادة زيادة مقابلة في الإنتاج الحقيقي للدولة، بمعنى أن تؤدي الزيادة السكانية إلى زيادة في أعداد المنتجين والمبدعين وليس في أعداد المتعطلين.
2) أن يترتب على الزيادة السكانية خفض في معدلات الفقر وزيادة في متوسط الدخل بحيث تصاحب الزيادة في حجم السوق زيادة مماثلة في القوة الشرائية تصبح دافعاً لتنشيط التصنيع المحلى، وبالتالي يصبح المجتمع قادرا على خلق فرص عمل منتجة.
3) ألا تؤدى الزيادة السكانية إلى تراجع في نوعية الحياة أو إلى تراجع في إتاحة الخدمات الأساسية أو إلى تدني جودة هذه الخدمات.
4) ألا تؤدى الزيادة السكانية إلى الإضرار بالبيئة واستنزاف الموارد الطبيعية لاسيما الأرض الزراعية ومصادر الطاقة.
5) ألا تؤدى الزيادة السكانية إلى خفض درجة الاكتفاء الذاتي من السلع الاستراتيجية، مثل السلع الغذائية، ومصادر الطاقة وبالتالي إلى تزايد الاعتماد على الخارج وهو ما يؤثر بدوره على استقلال القرار الوطني.
المشكلة السكانية. مسؤوليتنا جميعا مما لاشك فيه أن الزيادة السكانية تعتبر أحد التحديات التي تواجه برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية الأمر الذي يلقي بظلاله عن مدى فاعلية هذه البرامج في رفع مستوى معيشة الأفراد خاصة وأن هذه الزيادة تلتهم ثمار التنمية. لذلك يصبح الحفاظ على مستويات المعيشة الحالية وتحقيق الرفاهية الاقتصادية بالنسب القائمة إحدى المسؤوليات الرئيسية للجهود الحكومية وذلك من خلال العمل على التنسيق بين المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص والأهلي في تحقيق معدلات النمو السكاني وتحسين الخصائص البشرية مع تحقيق التوزيع المتوازن للسكان باتساع رحاب التنمية أن المشكلة ليست في مصر فقط بل يمكن أن تكون في أي بلد عربي ولقد وصلت المشكلة إلى أقصى شرق آسيا عند الدولة الصناعية الكبرى الصين ولقد تنبأت بذلك بعض دول أوروبا فأخذت خطوات سريعة نحو ذلك لا يجاد حلول لعل وعسى أن تعمل على كبح جماح النمو السكاني.. أن توزيع الصناعة في مصر يتسم بالتركيز الشديد في مناطق محدودة جدا من القطر المصري، حيث تتركز الصناعات في مدينة القاهرة الكبرى، والإسكندرية، ثم الغربية والبحيرة حيث صناعة النسيج. ومعنى هذا أنه، فيما عدا هذه المناطق يسود نمط النشاط الإنتاجي الزراعي، وما يصاحبه من أسلوب حياة وظروف اقتصادية واجتماعية يثبت ارتباطها بارتفاع معدل المواليد في مصر. تؤثر البيئة التي يعيش فيها الناس على أنماطهم السلوكية، بوجه عام، أكثر من تأثير نوعية العمل الذي يقومون به
الحق أن حجم السكان وخصائصهم يعتمد على طبيعة الظروف الاجتماعية التي يعيشون فيها، وأنه بتغير هذه الظروف تتغير الخصائص السكانية؛ فالثابت تاريخيا أن عدد المصريين ارتبط ارتباطا إيجابيا بازدهار حضارتها، بمعنى تلازم زيادة حجم السكان وازدهار الحضارة، وعلى العكس من ذلك كان هناك تلازم بين فترات التدهور أو الركود الحضاري وانكماش حجم السكان في مصر، شأنهم في ذلك شأن بقية شعوب العالم حتي انقلبت هذه العلاقة رأسا على عقب في مجتمعات العالم، وظهرت بشكل عكسي واضح في النصف الثاني من القرن العشرين؛ إذ أصبح الازدهار والتقدم يرتبطان بانخفاض معدل الزيادة السكانية، بينما يرتبط التخلف بارتفاع هذا المعدل. والتفسير البسيط لهذه العلاقة الموجبة بين الازدهار الحضاري وحجم السكان قديما هو أن فترات الازدهار تعني وفرة في الإنتاج وقدرة على تزويد أعضاء المجتمع باحتياجاتهم الأساسية من غذاء وكساء ومأوى وظروف صحية أفضل، فينخفض معدل الوفيات، ويزداد معدل المواليد. أما في فترات الانحطاط والركود فيحدث العكس، حيث يرتفع معدل الوفيات، بفعل المجاعات والأمراض والأوبئة، وينخفض معدل المواليد، بفعل الظروف المعيشية المتدهورة.
ويترتب عل ذلك أن التقدم أو التطور الاقتصادي الاجتماعي لمصر، وفقا لاستراتيجية قومية للتنمية الشاملة، يرتبط ارتباطا عضويا بموضوع تزايد السكان فيها؛ فهذه الاستراتيجية لابد أن تستغل كافة القوى البشرية المصرية في مشروعات إنتاجية ضخمة، وتعيد توزيع السكان على مساحة مصر الشاسعة من جهة، كما أن كل تقدم اقتصادي اجتماعي سوف ينعكس على معدل تزايد السكان من جهة أخرى؛ نظرا لتوفر الظروف الموضوعية لتقليل معدل المواليد ومعدل الخصوبة، والتحول للإنتاج الصناعي، وعمل المرأة، والتعليم، والثقافة، وارتفاع مستوى المعيشة...إلخ.