تامر أبو عرب
"أخلاقيا.. القضاة ليسوا ملائكة"
- قدمت نيابة أمن الدولة العليا مذكرة إلى المجلس الأعلى للقضاء طلبت فيها رفع الحصانة عن أحد القضاة، وبدء التحقيق معه لتلقيه رشوة قيمتها 3 ملايين جنيه، مقابل إصداره أحكاما قضائية بالبراءة لصالح رجل أعمال في قضايا شيكات مرفوعة ضده.
أظهرت التسجيلات تفاصيل الاتفاق، حيث يتسلم القاضي من رجل الأعمال 3 ملايين جنيه، مقابل قيام القاضي بإحالة كل قضايا الشيكات المرفوعة ضد رجل الأعمال من الدوائر المختلفة إلى الدائرة التي يتولى رئاستها، ومن ثم يصدر أحكاما بالبراءة لصالح رجل الأعمال.
- أيدت محكمة النقض، للمرة الثانية، حكم محكمة الجنايات الصادر بسجن مستشار بمحكمة استئناف المنصورة ٣ سنوات، وألغت ما تضمنه الحكم من عزله من وظيفته، لاتهامه بطلب وأخذ مبالغ مالية وهدايا عينية من رجال أعمال نظير إصدار أحكام لصالحهم.
كشفت تحريات هيئة الرقابة الإدارية عن قيام القاضي المتهم، بالحصول على مبالغ مالية من ٦ رجال أعمال على سبيل الرشوة، ودلت التحريات أنه حصل على فيلا بأحد المشروعات السكنية بالعجمي مقابل استعمال نفوذه لدى قاضى محكمة الجمرك الجزئية حتى يصدر حكما لصالح أحد رجال الأعمال، كما طلب من أحدهم ١٨٠ ألف جنيه، بالإضافة إلى أثاث وأجهزة منزلية قيمتها ١٣١ ألفاً ومبالغ مالية قدرها ٢٠ ألف جنيه لسرعة إصدار تلك الأحكام.
- قررت محكمة جنايات بنها برئاسة المستشار صلاح بوريك، معاقبة وكيل نيابة بالسجن المشدد 8 سنوات, بتهمة الاختلاس والتزوير وسرقة أحراز من قسم شبين القناطر.
ترجع الواقعة إلى شكوى تقدم بها رئيس مباحث قسم شبين القناطر يتهم فيها وكيل النيابة ومحامي وأمين شرطة وآخرين، باستبدال حرز مخدرات كان رئيس المباحث قام بضبطه بمساعدة وكيل النيابة.
- قرر المستشار هاني سالم المحامى العام لنيابة غرب الاسكندريه تحت اشراف المستشار سعيد عبد المحسن المحامى العام الأول لنيابات الاسكندريه بحبس قاضى الاسماعيلية المتهم بتهريب السلاح الآلى 15 يوما على ذمه التحقيق وتحويل القضيه الى محكمه الجنايات بعد رفع الحصانه عنه.
وكان المستشار م ن م رئيس محكمة بالاسماعيلية قد تم ضبطه بكمين عند بوابه مطروح الاسكندريه بالكيلو 21 وبداخل سيارته 7 بنادق آليه وطبنجه حلوان 9 مم وتبين انها مسروقه من قسم شرطه الحمام فى أحداث الشغب التى وقعت بالقسم منذ شهور قليله كما تم ضبط كميه من مخدر الحشيش و3 قطع مختلفه الأحجام من ماده داكنه اللون من الأفيون و20 قرص ترامادول.
"مهنيا.. القضاة ليسوا كلهم شريح"
- تقول دراسة للفقيه القانوني الدكتور محمد نور فرحات، نُشرت عام 2009 تحت عنوان "إحصائية مفزعة" إن 96% من الأحكام القضائية تصدر بالخطأ، وتُلغي في الاستئناف، بينما يتم رفض الـ4% من الأحكام أمام محكمة النقض، وبذلك تكون المحصلة "صفراً".
- قبل 3 أعوام من الآن، ألغت محكمة الاستئناف حكما لمحكمة الأسرة أول درجة بالعمرانية، بتطليق زوجة من زوجها، إلى هنا تبدو الأمور طبيعية، لكن الجديد كان حيثيات الحكم الذي صدر برئاسة المستشار عبد الغفور خليل، حيث قالت محكمة الاستئناف إن حكم محكمة أول درجة جاء "هزيلا ولا يساوى مداد كتابته وجاء على نموذج تافه، والنيابة العامة تقاعست كما تقاعس القضاة عن البحث في الحقيقة، وكان قضاؤها إثبات طلاق المدعية على المدعى عليه طلقة بائنة".
وأشارت المحكمة إلى ما أسمته "تقاعس القضاة واللامبالاة التى ابتليت بها مدرسة القضاء المصرية"، وتضرع المستشار عبد الغفور خليل إلى الله ليعيد المدرسة القضائية المصرية إلى سابق عهدها.
- في 2007 ألقى المستشار ممدوح مرعي، وزير العدل السابق، كلمة أمام اجتماع لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية بمجلس الشورى قال فيها إن "وضع القضاء مترد وصعب ويسبب معاناة المواطنين، ونحن لدينا 2000 قاض ورئيس محكمة، لو طلعت منهم 200 أو 300 على المستوى أبقى جدع"
"استقلال عن السياسة لا عن الرقابة"
نفهم مما سبق أن القضاة ليسوا ملائكة ولا معصومين من الخطأ، وبالتالي هم في حاجة، كغيرهم من الفئات إلى عين تراقبهم ويد تعاقب من يُخطئ منهم، وإذا كنا جميعًا مع استقلال القضاء عن السياسة، إلا أن أحدًا لا يؤيد استقلاله عن الدولة.
نوافق كلنا على منح حصانة خاصة للقضاة تمكنهم من أداء عملهم بحيادية، لكن هذه الحصانة لا يجب أن تمنع يد العدالة من الوصول إلى مرتضى منصور لمجرد أنه احتمى بمنزل أحد القضاة، ولا يجب أن يجرنا هاجس الخوف من سيطرة سلطة مستبدة على القضاء، إلى المشاركة في تحويله إلى سلطة مستبدة في حد ذاته.
لا بد من التوصل إلى صيغة ما تتيح للدولة والمجتمع الرقابة على أعمال القضاء، دون أن يؤدي ذلك إلى التأثير في أحكامه، وقد وجدت الدولة الإسلامية في أيام ازدهارها صيغة قريبة من هذا التصور، كانت تجيز للحاكم التدخل عندما يجد شططا من أحد القضاة، مع استحداث منصب قاضي القضاة لمناقشة قضاة الأقاليم في أحكامهم وتصحيحها إذا وجد بها خللا.
فقد ذكر الكندي في كتابه الولاة والقضاة أن يتيمًا ظُلم على يد القاضي يحيى بن ميمون، فكتب إليه اليتيم بأبيات شعر قال فيها:
أَلا أَبْـلِغْ أَبَا حَسَّـانَ عَنِّــي .. بِأَنَّ الْحُكْمَ لَيْسَ عَلَى هَوَاكَا
حَكَمْـتَ بِبَاطِـلٍ لَمْ تَأْتِ حَقًّا .. وَلَمْ يُسْمَعْ بِحُكْمٍ مِثْلُ ذَاكَا
وَتَزْعُمُ أَنَّـهَا حَـقٌّ وَعَــدْلٌ .. وَأَزْعُمُ أَنَّهَا لَيْسَتْ كَذَاكَـا
أَلَـمْ تَعْلَـمْ بِأَنَّ اللــهَ حَقٌّ .. وَأَنَّكَ حِيـنَ تَحْكُمُ قَدْ يَرَاكَا
وعندما بلغ بن ميمون هذه الأبيات اعتبرها إهانة له وللقضاء وأمر بحبس اليتيم، فرُفع الأمر إلى هشام بن عبد الملك، عاشر الخلفاء الأمويين، فعظم ذلك عليه، وأمر بعزله عن القضاء، وكتب إلى الوليد بن رفاعة، قائلا: "اصرف يحيى عمَّا يتولاَّه من القضاء مذمومًا مدحورًا".
هذا نموذج من التدخل المباشر والإيجابي للحاكم في شؤون القضاء، ولأنه لم يكن بالإمكان إلمام الخليفة بكل شئ مع توسع الدولة الإسلامية، جاء منصب قاضي القضاة ليكون عين السلطة على عدل القضاء، فيعزل من يستحق العزل ويتجاهل الشكاوى الكيدية.
ففي كتابه "قضاة قرطبة" روى محمد بن الحارث الخشني، أنه "كان للأمير الحَكم قَاضٍ في جيان، فتظلَّم أهلها منه، فعهد الأمير الحَكم إلى سعيد بن محمد بن بشير، قاضي الجماعة في قرطبة، لينظر في أمر قاضي جيان، فإن ظهر بريئًا أقرَّه على قضائه، وإن ظهر غير ذلك عزله، وعندما نظر قاضي الجماعة في الأمر، وجده بريئًا، فقال له: انصرف إلى قضائك".
المصابون بحساسية الحكم الإسلامي يمكنهم الاطمئنان إلى نموذج آخر تستخدمه الدول الكبرى للرقابة المجتمعية على القضاء، وهو "هيئة المحلفين".
وهيئة المحلفين نظام شائع في كثير من دول العالم المتقدم مثل الولايات المتحدة وبريطانيا واستراليا، وفيه يشترك المواطن في عملية تطبيق العدالة الجنائية، حيث يكفل تمثيل المواطنين في تشكيل هيئة الاتهام أو المحاكمة أو كليهما، بصفتهم مواطنين وليسوا متخصصين، ويتم اختيار المواطنين وفحصهم بواسطة عملية استجواب للتحقق من أهليتهم للمشاركة في المحاكمة.
الخلاصة أن القاضي الذي يرفض رشوة قادر على التصدي لتدخل الدولة في عمله أو التأثير في أحكامه، والقاضي الذي يقبل رشوة أو يطلبها لن يجد حرجًا في إصدار حكم على هوى النظام أملا في منصب أو خوفا من نبش ملفاته.
إذن فليس من مصلحة أحد، ولا القضاة أنفسهم، أن يحدث كل ذلك في الظلام، فليفضح القاضي أي محاولة من مسؤول تنفيذي للتأثير في حكمه، وسيحميه مجتمع وشارع صارا أقوى من الدولة نفسها، ولينكشف كل قاض يرغب في حصانة تمكنه من وضع يده على نصف الشارع المقابل لمنزله، وعدم دفع مخالفات سيارته.
الخلاصة
سيحصل القضاة على استقلالهم فعلا عندما يرفضون التعيين في الهيئات الحكومية كمستشارين، وعندما يتمكنون من إصدار تشريع يمنع ضباط الشرطة من اعتلاء منصة القضاء.. المستشار محمود مكي نائب الرئيس بدأ حياته ضابط شرطة.
سيحصل القضاة على استقلالهم عندما تنتهي مكافآت نهاية الخدمة التي تمنحها الدولة لأصدقائها من ذوي الوشاح الأخضر.. المستشار عدلي حسين أصبح محافظا بعد حكمه الخالد بتبرئة 40 ضابطا من تهمة التعذيب، والمستشار أشرف هلال أصبح محافظا أيضا، بعد مرافعة اعتبر فيها الدكتور سعد الدين إبراهيم جاسوسا وعميلا أمريكيًا.
سيحصل القضاة على الاستقلال عندما تحصل مصر كلها على الاستقلال، سواء من احتلال الحزب الوطني أو احتلال الإخوان.