علاء بيومي
أعلن في مصر مؤخرا مبادرات سياسية مختلفة للحوار تبنتها مؤسسة الرئاسة وحزب الحرية والعدالة، وذلك بعد أن وصل الاستقطاب بين القوى السياسية الداعمة للثورة إلى درجة صدام بعضها في ميدان التحرير في جمعة 12 أكتوبر والتي عرفت باسم جمعة "كشف الحساب".
وتزامنت دعاوى الحوار أيضا مع إصدار الجمعية التأسيسية مسودات أولية للدستور المصري مما يتطلب حوار القوى السياسية الرئيسية حولها وتوافقها على نصوص الدستور المطلوب قبل موافقة الجمعية التأسيسية على صيغتها النهائية وعرضها على الشعب في استفتاء يضمن عبور مصر لمرحلة انتخاب مؤسساتها السياسية الجديدة بما يحقق للبلاد الاستقرار السياسي المؤسسي المطلوب.
شقوق بالجبهة الوطنية
ويحمل الدكتور حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة وعضو الجبهة الوطنية الأخوان المسلمين جزءا كبير من حالة الاستقطاب السياسية التي تعيش مصر لدرجة تفكير أعضاء الجبهة الوطنية "إعلان فكها فعليا".
والمعروف أن "الجبهة الوطنية" هي تجمع لعدد من الرموز السياسية المصرية المنتمية لتيارات أيدلوجية مختلفة والتي أيدت الحملة الرئاسية للدكتور محمد مرسي قبل الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية، وقد أعلن بعض أعضائها مؤخرا مثل الأستاذ حمدي قنديل اعتذارهم عن الاستمرار في مساندة الرئيس مرسي بسبب حالة الاحتقان السياسية الراهن وأخطاء جماعة الإخوان السياسية وصدام بعض أعضائها مع أبناء القوى الداعمة لجمعة "كشف الحساب" في ميدان التحرير.
ويقول د. نافعة أن "الإخوان لم يفعلوا ما تم الاتفاق عليه" وأن أعضاء الجبهة "عندهم انطباع أنها تقوم من طرف واحد" وأن بات عليهم "إعلان فكها ... حتى لا تكون ستار لتمرير سياسات مرسي".
ويحذر نافعة من "أزمة شديدة حول الدستور" ومن أن أخطاء الإخوان "تفتح الطريق أمام انقلاب عكري"، ويطالب بتطبيق ما تم الاتفاق عليه بين الجبهة الوطنية والرئيس مرسي قبل انتخابه بما في ذلك تعديل تشكيل الجبهة التأسيسية واختيار حكومة مستقلة ذات ثقل، ويقول أن رئيس الوزراء الحالي هشام قنديل "لم يمارس السياسة" وأن مصر في حاجة "لحكومة جديدة ... شخصيات لها ثقل ووزن سياسي تشارك الرئيس وتعطي ثقة أن هناك وحدة وطنية في إدارة المرحلة الانتقالية".
مطالب الدستور والتيار الشعبي
ويمثل حزب الدستور بقيادة د. محمد البرادعي والتيار الشعبي بقيادة الأستاذ حمدين صباحي بعض أهم القوى السياسية التي أفرزتها الثورة المصرية والمنتقدة لسياسات الإخوان المسلمين حاليا.
وينتقد حسام مؤنس المتحدث الرسمي باسم التيار الشعبي عدم وفاء الرئيس مرسي بوعوده الانتخابية، ويقول "قبل جولة الإعادة كان هناك دعوة للحوار، القوى الوطنية استجابت، وكان هناك وعود ولم يؤد مرسي أي شيء، نحن أمام أمرين، أمام وعد انتخابي لا يقدر عليه، مما يعتبر خداع للجمهور، أو رئيس تعهد ولا يستطيع، لذا لا يستحق أن يصبح في موقع الرئاسة".
ويحدد مؤنس مطالب التيار الشعبي الرئيسية في الفترة الحالية في ثلاثة قضايا رئيسية، وهي سياسة واضحة من العدالة الاجتماعية، والقصاص للشهداء، وتوازن في الجمعية التأسيسية، يقول أن الإخوان "لم يحققوا شيء" على صعيد تحقيق المطالب السابقة.
ويرى أيضا أن تياره يريد الحوار ولا يسعى للشراكة السياسية مؤكدا "التيار الشعبي لن يكون له أعضاء جزء من سلطة على رأسها الإخوان إلا وفقا لمواقع منتخبة لأن السلطة التي تعين تمتلك سياسات اقتصادية واجتماعية نختلف معها".
وتتلاقى رؤية د. عماد أبو غازي أمين عام حزب الدستور مع مواقف التيار الشعبي في عدم الاستعداد للدخول في الشراكة السياسية مع الإخوان حيث يقول "رفضنا فكرة المشاركة في الجمعية التأسيسية في صورتها الأولى والثانية"، ويضيف "ليس لدينا فكرة للمشاركة في الحكومة حاليا، تركيزنا الحالي هو صياغة الدستور".
ويشير أبو غازي إلى أن حزب الدستور سعى للتنسيق بين الأحزاب السياسية غير الممثلة في الجمعية التأسيسية وغيرها بخصوص الأسلوب الأمثل لإعادة تشكيل الجمعية التأسيسية للخروج من المأزق السياسي الراهن والذي يرى أنه "مسار خطأ بدأ بعد الثورة يجب تصحيحه الآن".
ويقول أن حزبه يدعو للحوار حول إعادة تشكيل التأسيسية من خلال إعادة انتخابها بشكل مباشر من الجماهير أو بشكل غير مباشر من الهيئات الرئيسية والمعنية وأن حزبه لديه رؤية لإعادة انتخاب الجمعية التأسيسية على أن يتم منحها السلطة التشريعية وسلطة كتابة الدستور الجديد، ويوضح أن رؤية الحزب لم تطرح على الجماهير بعد، ويؤكد أن "صياغة الدستور لن تستغرق أكثر من ستة أشهر" بعد انتخاب الجمعية التأسيسية الجديدة.
عروض للحوار
ويطرح د. سيف الدين عبد الفتاح أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة ومستشار الرئيس رؤية للحوار السياسي رؤية للحوار السياسي تقوم على مستويين للحوار، أولهما يهدف إلى الاتفاق على "بناء الثقة بين القوى السياسية المختلفة وعمل اتفاق حد أدنى لتهدئة الشارع"، وذلك حتى يتم تجيب مصر ما حدث في جمعة 12 أكتوبر، ثم الانتقال بعد ذلك إلى مستوى حوار "حول بناء مصر".
ويقول د. سيف أنه "يجب الجمع بين أبناء الثورة الحقيقيين"، وأن مؤسسة الرئاسة تعتزم عقد سلسلة من الحوارات السياسية مع الشباب والقوى السياسية.
ويقول "حتى بالنسبة للدستور، لو كان سيعمل فرقة، لو كان سيحدث انشقاقات يجب اعتبار رؤية كثير من القوى السياسية، وإدخالها على المسودة"، وينصح الإسراع على الاستفتاء "بنية أن يكون دستور مؤقت" على أن يتم صياغة دستور أخرى بعد عدة سنوات بعد "حوار حقيقي يتم في مناخ صحي دون استقطاب".
وينتقد د. سيف القوى السياسية المختلفة على حالة الاستقطاب الراهنة، ويقول "الكل يسهم في الخطاب السياسي ومفرداته، يسهمون في المشكلة أكثر من الحل" وينادي بالحوار.
ويقول د. حلمي الجزار عضو الهيئة العليا لحزب الحرية والعدالة، أن حزبه ينوي إطلاق حوار سياسي بين القوى السياسية بعد عودة رئيس الحزب الجديد د. سعد الكتاتني من الحج، ويشير إلى أنه حوار منفصل عن الحوار الذي تنوي مؤسسة الرئاسة إطلاقه، مؤكدا "الحزب ليس مؤسسة الرئاسة ولا يجيب عنها".
ويرفض د. الجزار فكرة الحوار على إعادة تشكيل الجمعية التأسيسية "لأن التشكيل ليس في سلطة أحد" ويقول أن الحوار يجب أن يركز على "المواد محل الخلاف".
ويرفض أيضا فكرة الدستور المؤقت مؤكد أنها "ليست مطروحة داخل الجمعية التأسيسية، وأن المقبول هو أن توضع آلية داخل الدستور لكي يمكن تعديله، وإذا كانت الآلية جيدة فسوف تتيح ذلك".
ويرى أن من حق القوى السياسية "المطالبة بضمانات" وأن الضمانة الأساسية هي "الشفافية أمام الشعب ... نعرض المنتج أمام الشعب" ومن حقه الاختيار.
وينتقد الجزار حالة "الثقة المفقودة والاستقطاب الحاد" ولا يعفي حزبه من المسئولية عنها ويتحدث عن "مسحة من التبرير الإعلامي لمسئولي الحزب وبعض المنابر الحزبية ونتمنى التخلص منها"، مؤكدا أن "الحرفية الإعلامية عند الكثير عندنا وعند غيرنا ليست جيدة" وأن "هناك مراجعات دائمة".
تصنيف المعارضة
ويقسم د. معتز عبد الفتاح - أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة والمستشار السياسي لرئيس الوزراء السابق عصام شرف المعارضة السياسية للرئيس مرسي لمعارضة "صلبة" وأخرى "ناعمة"، ويقول أن المعارضة الصلبة يمثلها جماعات مثل حزب الدستور والتيار الشعبي، وأن المعارضة الناعمة والمرنة يمثلها حزب المؤتمر بقيادة عمرو موسي وحزب مصر القوية بقيادة عبد المنعم أبو الفتوح.
ويقول د. معتز أن بعض المعارضين لمرسي يرون أن "اختياره لم يكن موفقا"، ويشير إلى "مغالاة المعارضين في مطالبهم وإحساسهم بأن طلباتهم يجب أن تنفذ خلال سقف زمني، في حين أن الرئيس أحيانا يكون في وضع لا يضمن تنفيذ المطالب في الوقت المطلوب ... أحيانا الرئيس لا يكون معارضا بل يماطل".
ويشير أيضا إلى عدد من المعوقات التي تواجه مرسي مثل "عدم وجود مؤسسات يعيق لأن كثير من المشاكل تحتاج إصلاحات تشريعية" هذا بالإضافة إلى دور "البيروقراطية الحاكمة لعملية صناعة القرار في مصر".
ويقول أن مطالب المعارضة المغالية هي "مطالب انتخابية وليست دستورية أو قانونية، ولذلك هي صعبة التنفيذ".
وكمخرج من حالة الاستقطاب، يطالب "بآلية للتشاور ... أقرب لاجتماع أسبوعي حتى تشعر المعارضة أنها ممثلة في صناعة القرار".
ويقلل من احتمالية حدوث انقلاب عسكري مؤكدا "القيادة العسكرية لا تريد أن تدخل هذه المواجهة"، ولكنه يحذر من ان "الشلل السياسي يؤدي لحنق عام قد يؤدي لثورة أخرى".
المعارضة والموالاة التامة
ويتفق وائل خليل الناشط اليساري وعضو المجلس القومي لحقوق الإنسان مع الرئيسة السابقة، ويحمل الإخوان وخصومهم قدر من المسئولية عن الاستقطاب الجاري، قائلا:
"الإخوان فصيل تعود المعارضة، وبات قريب من السلطة ويدافع عن أفعالها، ويعتبر أي نقد هجوم على مصر وتاريخه ... بعض فصائل المعارضة ليست متفهمة أن الحكم القائم الجديد منتخب من الثورة وليس كنظام مبارك".
وينتقد خليل ما يسميه "المعارضة الدائمة والتبرير الدائم" فكلاهما يؤدي لنتائج عكسية.
ويقول خليل أن هناك فائدة من نجاح مرسي "نريد تحسين الصحة والتعليم" و"لا نريد فقط أن تفضح ونعري من أجل الانتخابات"، مهددا "كل القوى السياسية مهددة بأن تخسر الجماهير".
وانتقد خليل "استخدام المظاهرات أكثر من استخدام الشرح" قائلا أن هناك حاجة إلى "نقد تفصيلي محدد للسياسات، وخطوات محددة".
ورفض خليل المطالبة بإعادة انتخاب التأسيسية قائلا "لا أعرف كيف أن الانتخابات ستكون مختلفة عن مجلس الشعب الحالي"، وأشاد ببيان حزب مصر القوية الذي انتقد بعض بنود الدستور وقال أنه "الأنسب لأنه كلام في المضمون".
كما أن انتقد خليل ميل الإخوان لما أسماع "الدفاع التام" قائلا "لا استطيع القول أن الإخوان يرفضون المشاركة، جزء من المشاركة في السلطة الاستماع للأخر، هناك التبرير والدفاع التام من الإخوان عن أي قرار من الحكومة".
"كل تيار به جناح توافقي يرد التحرك، والمشكلة هي في المعارضة الدائمة والموالاة الدائمة، المطلوب من كل تيار هو تغليب مريدي الحوار، المطلوب هو دفع الثمن السياسي للتوافق، لأن التوافق سوف يتهم بالموالاة، فالخطر الحقيقي هو أن يكفر الشعب بالسياسة والسياسيين".