تامر أبو عرب
''ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم''.. سورة الأنفال الآية 46
''أعقَلُ النَّاس أعذرهم للنَّاس''.. عمر بن الخطاب
''ليس هناك وقاحة أكبر من أن تقاطع آخر أثناء حديثه''.. جون لوك مؤسس الليبرالية
''إذا أردت أن تكون تافها فما عليك إلا أن تدير ظهرك للآخرين'' كارل ماركس مؤسس الشيوعية
'' إن القومية العربية لا يجسدها رجل واحد أو مجموعة من الرجال''.. جمال عبد الناصر
''ليس أقوى أفراد النوع هو الذي يبقى، ولا أكثرهم ذكاء، بل أقدرهم على التأقلم مع التغيرات''.. تشارلز داروين مؤسس الفكر الوجودي
كلنا نخالف معتقداتنا ومرجعياتنا عندما نرى في الآخرين أسوأ ما فيهم، ليكون ذلك مبررًا لأن نعمل دونهم أو نعمل ضدهم.
عن نفسي عشت غالبية حياتي بين الإسلاميين، وصادقت اليساريين، واقتربت من الليبراليين، فلم أر بين ثلاثتهم خلافات جوهرية تستدعي حالة الاستقطاب التي تعيشها مصر، ولم ألمس إلا مرضًا واحدًا يعاني منه الجميع، اسمه ''الكَسَل في معرفة الآخر''، لأن بعض المصريين لا يعرفون عن الإسلاميين إلا أنهم يعيشون في القرون الوسطى، وينظرون لليبراليين فقط على أنهم دعاة انحلال وأعداء للحجاب، بينما كانوا أكثر إيجازًا في تعريف أبناء اليسار.. ''مابيستحمّوش''!
لدى كل فريق هواجس مشروعة على الفريق الآخر طمأنته تجاهها، وأزعم أن الأزمة عند الليبراليين مثلا ليست في تطبيق الشريعة في حد ذاتها، لأنها مطبقة بالفعل منذ زمن طويل فيما عدا جزء يسير يتعلق بالحدود، وبعض التعاملات المالية التي يرى فيها الإسلاميون شبهة ربا.
الدليل على ذلك أن الليبراليين لم يعترضوا أبدا على محاكمة شخص ارتكب فعلا فاضحا في الطريق العام، كما لم يزعجهم قرار غلق المواقع الإباحية، بل إنهم هاجموا بشدة قرض صندوق البنك الدولي مثل السلفيين وربما أكثر، والفارق لم يكن إلا في المصطلحات، ففي حين يسميها السلفيون قروضا ربوية، يعارضها الليبراليون اعتراضًا على ضخامة الفائدة، وخوفا من التبعية الاقتصادية.
يطالب الليبراليون بالقصاص من القتلة والفاسدين، يعارضون الفساد وسرقة المال العام، وينادون بالعدل والمساواة وتكافؤ الفرص وحق التملك والعمل وحرية الاختيار وهي أركان أصيلة في الشريعة الإسلامية، وخرجوا قبل الثورة للمطالبة بحق السلفي سيد بلال ونصرة معتقلي الإخوان، فنترك كل ذلك ونتهمهم بمعاداة الشريعة لأن أحدهم قال رأيًا مخالفًا في الحجاب.
الأزمة الحقيقية أن جزءا ليس يسيرا من الإسلاميين، يشكك دوما في نواياهم، وينظر إلى أي موقف مشجع منهم على أنه محاولة لتخديرهم حتى يتمكنوا من الوصول إلى الحكم، رغم أن الرسول صلى الله عليه وسلم غضب بشدة بعدما علم أن أسامة بن زيد قتل رجلا في الحرب بعدما قال ''لا إله إلا الله''، لأنه اعتقد أنه قالها لينجو من الموت، لكن الرسول الكريم قال له، وفق صحيح مسلم: ''أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا؟''.
يعترض كثير من الليبراليين على القرارات ليس حبًا في الفواحش وكرها في الشريعة، إنما خوفا من استغلالها في مزيد من الإجراءات المقيدة للحريات، أو ربما عدم ثقة في من سيطبقها، عندهم هاجس دائم وخوف مشروع على حريتهم، ومن حقهم علينا أن نحترمه ونسعى لإزالته.
الشق عن القلوب ليست آفة في الإسلاميين وحدهم. المدنيون أيضا سواء كانوا ليبراليين أو يساريين، يتعاملون بالمنطق نفسه مع منافسيهم، فكثير منهم مقتنع تماما بأن الإسلاميين يريدون العودة بمصر إلى القرون الوسطى، لمجرد أنهم ينادون بتطبيق الشريعة، رغم أن سلفيًا لم يعترض مثلا على التوسع في إنشاء المصانع أو زيادة الصادرات أو دعم البحث العلمي، وكما أن لليبراليين هاجسًا يتعلق بالحريات، فللإسلامين هواجس أيضا أهمها الخوف على دينهم، ربما تخذلهم وسائل التعبير أحيانًا لكن هذا لا يعني أن يهاجمهم الليبراليون واليساريون عليه بدلا من أن يبعثوا إليهم برسائل طمأنة، خاصة أن الدين الذي يخشى عليه الإسلاميون هو نفسه دين الغالبية الساحقة من أبناء القوى السياسية الأخرى.
يتحدث المدنيون عن نظرائهم الإسلاميين ومعهم بكثير من التعالي، ويتعاملون معهم بشيء من الازدواجية، فبينما يستخدمون الوسائل القانونية لحل برلمان جاء بانتخابات ديمقراطية، ينكرون على التيارات الإسلامية اللجوء إلى الوسائل القانونية نفسها لمنع إعلامي من الظهور يرون أنه أساء لرموزهم.
أعتقد أن كونك رضيت الإسلام دينا فهذا يعني أنك ترضى بكل شرائعه وقوانينه بما فيها الحدود وتحريم الربا والفواحش ما ظهر منها وما بطن، أعلن ذلك صراحة ثم تعال لنتحدث في تفاصيل من نوعية ضرورات العصر ومتغيراته، ثم لنطرح جميعنا ليبراليين وإسلاميين الأمور كلها على مرجعيتنا الدينية الرسمية ''الأزهر الشريف''، ولنرض بما ينتهي إليه.
تنزعج كثيرا صديقي الليبرالي عندما يتحدث شيخ سلفي عن رأيه في الديمقراطية والانتخابات، بينما تهرع لنشر رأي لأحد السياسيين يخصص حلقة كاملة للحديث حول صعوبة تنفيذ الحدود في الوقت الحالي، وابتعاد المعاملات البنكية عن شبهة الربا، دون أن تنكر عليه حديثه في الدين بغير معرفة أو سند.
كلنا نخطئ في التعامل مع بعضنا وفي تقدير حجم الخلافات بين بعضنا البعض، والحل أن نصل إلى منطقة وسطى نلتقي فيها جميعا وكلمة سواء ننحي فيها خلافاتنا جانبا ونكتفي بالمشتركات ولو مؤقتَا، تعالوا نبحث عن صيغة لنظام ديني لا يخنق الحريات، ودولة مدنية لا تعادي الدين، تعالوا نبني بلدًا تتحمل رفاهية الاختلاف، ولا نختلف على أنقاض وطن تهدده المجاعة