تامر أبو عرب
قبل أسابيع قليلة قررت السلطات الليبية التخلص من صواريخ منتهية الصلاحية ترجع إلى أيام العقيد معمر القذافي، لكن العروض التي تلقتها ليبيا من الشركات الأجنبية كانت مفزعة، وبلغت تكلفة تطهير الصاروخ الواحد نحو 100 ألف دولار.
لا تدع بريق الممثلين على خشبة المسرح يشغلك عما يدور هناك في الكواليس، ولا تنسى أن هناك "ملقن" يتوراى تحت قبة صغيرة يذكّر الممثلين بأدوارهن إن نسوها، ولذلك اجمع كل الأسباب المعلنة عن العدوان الإسرائيلي الجديد على غزة، وابحث عن أقرب سلة مهملات لتضعها فيها، ثم ابدأ رحلة البحث عن الأسباب الحقيقية.
لا تصدق أن إسرائيل أعلنت الحرب على القطاع لمجرد أنها تريد تجفيف منابع المقاومة، فهي تعرف أنها ستظل باقية حتى زوال الاحتلال، ولا تظن أن حماس وشقيقاتها من فصائل المقاومة تصدق أن صواريخها الجراد والبدائية الصنع مهما كبدت تل أبيب من خسائر، يمكن أن تغيّر شيئا على الأرض، لكن اعتبارات أخرى تدفع الطرفين إلى دخول حرب معروفة نتيجتها قبل أن تبدأ.
1- تخسر إسرائيل كثيرًا في كل يوم يمر عليها دون حرب، فهذه الدولة قائمة أساسًا على جيش تدور حوله الحياة، ولأن عجلة المصانع الحربية الصهيونية لا تكف عن الدوران، والجسر الجوي مفتوح مع الولايات المتحدة طوال الوقت لاستقبال أحدث الأسلحة والمعدات، تبقى الحرب ضرورة ملحة لتصريف الأسلحة القديمة والمنتهية الصلاحية، وتجريب الجديدة تمهيدا لاستخدامها في حروب أقوى منتظرة.
لن تجد القيادة الصهيونية مكانًا أقل تكلفة من التجريب في غزة، فقط بعض الصواريخ ستصيب المستوطنات، وعدة ضحايا من الإسرائيليين يمكن أن يسقطوا في حادث سير، وبعض الإدانات العربية الهشّة، وهي خسائر لا تقارن بمكاسبها التي لا تقتصر على تجريب الأسلحة ودفن النفايات الخطرة بل تمتد إلى اكتساب متعاطفين جدد مع الدولة العبرية، بعد نشر صور لمستوطنين يختبئون في مواسير الصرف الصحي خوفا من صواريخ "حماس" الإرهابية، في جميع وسائل الإعلام العالمية المملوكة لليهود.
2- بعد 60 يوما من الآن تنطلق الانتخابات التشريعية في إسرائيل، ويبدو المشهد غائمًا للغاية، حيث كان من المقرر إجراء الانتخابات بعد 10 شهور من هذا الموعد، لكن الأزمات السياسية العاصفة دفعت رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو للتبكير بموعدها، والغريب أن ﻫذﻩ اﻻﻧﺗﺧﺎﺑﺎت ﻫﻲ اﻟﺧﺎﻣﺳﺔ ﻓﻲ 10 سنوات فقط، ﺑﻌد اﻧﺗﺧﺎﺑﺎت "2009 و2006 و2003 و2001".
إجراء انتخابات تشريعية في إسرائيل كل عامين تقريبًا، يؤكد الأزمة اﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ اﻟﺑﻧﯾوﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﻌﺎﻧﻲ ﻣﻧﻬﺎ إسرائيل، واﻟﻧﺎﺗﺟﺔ أﺳﺎﺳﺎ ﻋن عجز القيادات المتتالية عن ﺣﺳم الصراع ﻓﻲ ﻓﻠﺳطﯾن، وإﻧﻬﺎء اﻟﺻﻣود واﻟﻌﻧﺎد اﻟﻔﻠﺳطﯾﻧﻲ ﺳﻠﻣًﺎ أو ﺣرﺑﺎ، ﺑﻐض اﻟﻧظر ﻋن الأسباب اﻟﻣﺑﺎﺷرة أو ﻏﯾر اﻟﻣﺑﺎﺷرة اﻟﺗﻲ ﯾﺗم ﻋﻠﻰ أﺳﺎﺳﻬﺎ اﻟذﻫﺎب إﻟﻰ صندوق اﻻﻧﺗﺧﺎﺑﺎت.
المزاج العام بين الإسرائيليين يفضل التصعيد ضد الفلسطينيين على الدوام، وقد كشف استطلاع ظهرت نتائجه قبل أيام عن أن 74% منهم يؤيدون سياسة الفصل العنصري ضد الفلسطينيين، فيما يرغب 47% في طرد عرب 84 إلى الأراضي الخاضعة للسلطة الفلسطينية، وقبلها كان استطلاع مماثل كشف عن أن 60% من الإسرائيليين يريدون الحرب مع حماس.
إذن فمن المنطقي أن يرغب أي سياسي إسرائيلي باحث عن السلطة، في إظهار قبضته الحديدية، وقدرته على حماية مواطني دولته من الأشرار، وهو ما يضمن له تحقيق الأغلبية في الانتخابات المقبلة، ومن ثم تشكيل الحكومة، وهكذا يفعل نتنياهو حاليا.
3- أصبحت إعادة إعمار غزة بعد كل عدوان باب رزق دائم للشركات متعددة الجنسيات، وتزيد أهمية ذلك هذا العام مع أزمة اقتصادية عالمية كان أكثر المتضررين منها الشركات العقارية، وفي عام 2009 اجتمع ممثلو 70 دولة في شرم الشيخ، جمعوا في يوم واحد 5 مليارات و200 مليون دولار لعمليات إعادة الإعمار وشق الطرق وتطوير البنى التحتية، ذهبت غالبيتها الساحقة في خزائن شركات العقارات والمقاولات.