توقيت القاهرة المحلي 16:35:32 آخر تحديث
  مصر اليوم -

غزة و"عمود السحاب"

  مصر اليوم -

غزة وعمود السحاب

عبدالحسين شعبان

بدت عملية "عمود السحاب" التي قرر رئيس الوزراء "الإسرائيلي" بنيامين نتنياهو شنها على غزة، وكأنها حرب جديدة بعد حصار شامل ضد القطاع منذ العام ،2007 وبعد حرب مفتوحة استمرت 22 يومًا في العام 2008-2009  وسميت بعملية "الرصاص المصبوب"، وقصف مستمر ومتقطّع يستهدف البنية التحتية للمقاومة ومواقع عسكرية وناشطين وأماكن تجمع بحجة ملاحقة "الإرهابيين" . ولكن إلى أي مدى يمكن لهذه الحرب أن تستمر؟ وهل ستستكمل باجتياح بري شامل شبيه بما حصل في عملية "الرصاص المصبوب"؟ وإذا كان ثمة أوجه تقارب بين الحربين، فهناك اختلافات أيضًا، فالعدوان الجديد يأتي في ظرف مختلف عربيًا وفلسطينيًا، وخصوصًا بعد موجة الربيع العربي والحضور المصري اللافت، فضلاً عن تقارب بين حركة حماس وحركة فتح، وبين السلطة في رام الله وحكومة حماس في غزة، على الرغم من التصدع في الوحدة الوطنية الفلسطينية الذي لا يزال مستمرًا . ولهذا فإن الاحتلال "الإسرائيلي" لا يمكن أن يسقط من حساباته معادلة المتغيّرات العربية في وضع غزة، ومن هنا فقد تكون عملية عمود السحاب "مجرد" اختبار أول لكنه مهم، بعد الربيع العربي، ف"إسرائيل" قد لا تفكّر في الوقت الحاضر في توسيع ساحة المواجهة ورقعة الصراع، وكذلك في إطالة أمد المجابهة العسكرية، لأن الأوضاع الجديدة في العالم العربي قد لا تكون لمصلحتها، ولهذا فقد تكتفي بعمليات عسكرية جوية لاستعادة "قوة الردع"، ولمنع حركة حماس من إقامة قواعد جديدة في جبهة المواجهة . وحسب وزير الخارجية "الإسرائيلي" أفيغدور ليبرمان فإن "أهداف عمليتنا هي تعزيز قدراتنا على الردع وتدمير القذائف، وحين تتحقق هذه الأهداف ستنتهي العملية" . لعل توقيت عملية "عمود السحاب" جاء مختلفًا عن عملية "الرصاص المصبوب"، فالأخيرة جاءت في ظل نكوص عربي عام وصراع فلسطيني  فلسطيني حاد، وهيمنة مصرية "مباركية" على الوضع الفلسطيني ممالئة ل"إسرائيل"، ووضع إقليمي أقل ما يقال عنه، فيه الكثير من السكوت على ارتكابات "إسرائيل"، ووضع دولي، ولاسيما من جانب الولايات المتحدة، مؤيد لسياسات "إسرائيل" ومزاعمها بشأن "إرهابية" حركة حماس والمقاومة بشكل عام، وإن كانت "إسرائيل" استغلت في العام 2008-2009 وحاليًا، فترة ما بعد انتخابات الرئاسة الأمريكية، مثلما استغلت غياب سوريا عن المواجهة وانشغالها بحرب داخلية . لكن الوضع العربي هو اليوم أكثر حساسية ورهافة من السنوات السابقة احتضانًا للفلسطينيين، خصوصًا مصر بعد الثورة، فضلاً عن صعود قيادات جديدة بعد الثورات العربية مختلفة عن سابقاتها التقليدية . من جهة أخرى أظهرت "عملية عمود السحاب" والعدوان على غزة مفاجآت فلسطينية لم تكن بالحسبان، وهكذا وصلت صواريخ حماس إلى القدس بعد صواريخها وصواريخ حركة الجهاد إلى "تل أبيب" وإصابة عدد من الطائرات "الإسرائيلية" . لعل من جملة أهداف "إسرائيل" من هذا العدوان اختبار قدرات المقاومة الفلسطينية، مثلما تريد اختبار رد فعل القيادة المصرية المنتخبة بعد الثورة، إضافة إلى إمكان تنامي الدعم العربي . وحتى الآن فإن حماس استطاعت استيعاب الضربة الأولى، ونقلت جزءًا من الرعب إلى داخل "إسرائيل"، لاسيما باستخدام صاروخي جديد، ولعلها هذه المرة الأولى التي تفكر "إسرائيل" جديًا بتحاشي الصواريخ الفلسطينية، وهو ما يذهب إليه بعض المحللين العسكريين والباحثين الاستراتيجيين من أن هذا يعد خطوة جديدة في استراتيجية الطرفين، خصوصًا أن نحو ثلثي سكان "إسرائيل" دخلوا الملاجئ، وأن بعض المواقع العسكرية اعتبرت تحت خط نيران المقاومة، وهو الأمر الذي دعا "إسرائيل" إلى الاعلان عن بدء تجنيد 75 ألف جندي . إن قصف "تل أبيب"، وكذلك ضرب محيطها بعشرات الصواريخ ومن ثم قصف القدس، أدخل الردع "الإسرائيلي" في مأزق، وتخطى الأمر عملية اغتيال أحمد الجعبري ورد الفعل إزاءها، وهو ما دفع "إسرائيل" إلى شن عملية عمود السحاب وتدمير مقر حكومة حماس وتسويته بالأرض، كما أنها، وإن تعمدت إظهار جبروتها وعنفها اللامحدود إزاء شعب أعزل، لكنها بدت أكثر حذرًا من حربها المفتوحة في عملية "الرصاص المصبوب"، خصوصًا في موضوع استهداف المدنيين . من السذاجة بمكان اعتبار عملية "عمود السحاب" رد فعل لإطلاق صواريخ من قطاع غزة على "إسرائيل"، ولاسيما بعد اغتيال أحمد الجعبري، كما أن السعي إلى التوظيف الانتخابي هو غير كاف لشن حرب بحجم عملية عمود السحاب، وليس هناك من مبررات كافية للقول إن هذه العملية العسكرية كانت رد فعل مسبق إزاء توجه محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة للحصول على عضوية دولة فلسطين وفقًا لحدود العام 1967 وما يرتبه ذلك من اعتبار الأراضي الفلسطينية "أراضي" محتلة وفقًا للقانون الدولي واتفاقيات جنيف لعام 1949 وملحقيها لعام 1977 . ولكن كل ذلك يمكن أن يدخل في الحساب "الإسرائيلي" على خلفية تعزيز نظرية الرعب بتحطيم البنية التحتية للمقاومة الفلسطينية واختبار ما بعد الربيع العربي من ردود فعل . واستهدفت "إسرائيل" من حربها على غزة دفع الولايات المتحدة إلى المزيد من التطابق معها، لاسيما إزاء الموقف من الفلسطينيين ومن الدبلوماسية الفلسطينية في الأمم المتحدة، خصوصًا أن شعار الدولتين الذي تبنّاه الرئيس بيل كلينتون في السنتين الأخيرتين من ولايته، إضافة إلى تأييد الرئيس جورج دبليو بوش في الأشهر الأخيرة من ولايته الثانية، والذي كان  الرئيس بارك أوباما متحمّسًا له منذ توليّه المسؤولية في البيت الأبيض، لكن هذا الشعار تراجع في الواقع العملي حتى إن واشنطن استمرت في ضغطها على السلطة الفلسطينية للامتناع من التقدم إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة للحصول على موافقتها لعضوية فلسطين، والتي من المقدر أن يصوّت لها نحو 150 دولة من مجموع 193 دولة عضو في الأمم المتحدة . ولكن ماذا بعد عملية "عمود السحاب"؟ هل ستكون نتائجها مثل نتائج عملية "الرصاص المصبوب" التي لم تحقق فيها "إسرائيل" أهدافها الأساسية؟ حتى وإن دمّرت البنى التحتية وألحقت خسائر بشرية مادية ومعنوية بسكان غزة؟ كل ذلك سيكون اختبارًا ومجسًّا جديدًا لدول الربيع العربي، ولاسيما في مدى استعدادها لتحقيق أهداف ثوراتها الشعبية التي انتفضت بسببها على الأنظمة السابقة، وبضمنها الموقف من القضية الفلسطينية وعدوان "إسرائيل" المتكرر على الأمة العربية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

غزة وعمود السحاب غزة وعمود السحاب



GMT 16:18 2023 الإثنين ,18 أيلول / سبتمبر

العراق فاتحاً ذراعيه لأخوته وأشقائه

GMT 16:33 2022 الأحد ,13 آذار/ مارس

بعد أوكرانيا الصين وتايون

GMT 13:32 2021 الإثنين ,20 كانون الأول / ديسمبر

عطش.. وجوع.. وسيادة منقوصة

GMT 22:28 2021 الجمعة ,12 آذار/ مارس

التراجيديا اللبنانية .. وطن في خدمة الزعيم

GMT 21:23 2019 السبت ,08 حزيران / يونيو

الثانوية الكابوسية.. الموت قلقا

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 07:41 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه
  مصر اليوم - ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه

GMT 09:43 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

GMT 05:12 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

تصريح عاجل من بلينكن بشأن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة

GMT 09:08 2018 السبت ,24 آذار/ مارس

لعبة Sea of Thieves تتوافر مجانا مع جهاز Xbox One X

GMT 08:25 2024 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

طائرة "مناحم بيغن" تتحول لفندق ومطعم

GMT 21:48 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

بالميراس يقترب من التعاقد مع دييجو كوستا

GMT 18:37 2020 الثلاثاء ,29 كانون الأول / ديسمبر

شركات المحمول تتجه لرفع أسعار الخدمات خلال 3 شهور

GMT 08:43 2020 الأحد ,20 كانون الأول / ديسمبر

منظمة الصحة في ورطة بسبب "التقرير المفقود" بشأن "كورونا"

GMT 07:47 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

تطورات جديدة في واقعة الاغتصاب الجماعي لفتاة داخل فندق

GMT 00:41 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

عمر ربيع ياسين يكشف آخر كواليس معسكر منتخب مصر
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon