هشام المعلم
من السهـلِ أن نُـنَـظِّرَ باسم العقلانيـة و نتكلم كثيرًا بداعي الحكمـة و لكن من الصعبِ جدًا أن تُقنع مظلومًا بالتخلي عن حقـه تحتَ أي مبرر، سمعتُ للكثير ممن ينظرون في أمر ما يحدث الآان على أرض فلسطين المقدسة، سمعتهم يدعونَ بأن ما تقوم به المقاومة الفلسطينية ليست سوى عنترياتٍ و استعراضات لا تغني و لا تُسمنُ من جوع و أنها لم تجر على الشعب الفلسطيني إلا الكثير من الويلات و الثبور، و بأن عقلية المقاومة تُدار بالعقلية القبلية العربية الانتقامية الشخصية لا أكثر و أنها لا تُحسنُ قراءة العواقب و صتم آذانها عن نداءات العقل فتدفعُ بالفلسطيني إلى محرقة الكيان الصهيوني بالكثير من الغباء، تناسى أصحاب هذا الرأي السمــج أرضٌ محتلـة و لم نسمع في تاريخ الإنسانية كله من يُعيبُ على صاحبِ الحق محاولاته في استرداد حقه .
و لو قسنا الأمر بمنظور شخصي فردي بحت لعرفنا أن صاحب هذا الرأي نفسه مثله مثل أي انسان على هذة الأرض لو كان صاحب حقٍ مسلوب مهما تضائل لما تواني للحظة عن عمل أي شئ لاسترداد ذلك الحق حتى أنهُ قد يصلُ به الأمر إلى ارتكاب الحماقات " حسب رأيهم" بالفعل الذي قد يؤدي به إلى المزيد من الخسائر.
نسي هؤلاء أن قطاع غزة واقعٌ تحتَ حصار خانق مُنذُ أكثر من خمس سنوات و لو أنصفنا لقلنا منذ بدايات الإحتلال الصهيوني في منتصف القرن الماضي، غزة يا أصحاب العقول المتنورة و الحكيمة "فقط في ما يخُصُ المقاومة الفلسطينية ضد اليهود" محرومة من كل أسباب الحياة الطبيعية كباقي الشعوب فهي ليس لديها سوى معبرين للتواصل مع هذا الكون الأول معبر " رفح " للدخول و الخروج و عبر"كيرم شالوم" للبضائع و لا يتم ذلكَ إلا عبر تراخيص المحتل لا غذاء و لا دواء و لا شئ من مقومات الحياة الإنسانية الطبيعية
لا شئ هناك في غزة يغري االفلسطينين بالبقاء فيها سوى أنها وطنهم المسلوب و أرضهم و هويتهم، فكاذب مدعي من يتبجح بالقول بأنهم أفضلُ حالٍ منا
لا مستشفيات مجهزة لا صرف صحي لا مطارات، حصار لا يسمح بأي تواصل مع العالم الخارجي.
و تبقى نقطة الفصل أنه لا حياة كريمة لإنسان في ظل الإحتلال، أنت مسلوب الحياة و الإرادة في ظل الاحتلال، فكيف لعاقل أن يدافع عن فكرة الإستسلام للظلم و القهر بداعي التعقل و أن يدعو إلى الرضوخ لمستعمر عفن غزى أرضك و استعمرها بمجموعات مخلفة لقيطة استجمعت من كل أصقاع الأرض لتقيم محلك و لتصبحَ أنتَ بلا وطن.
الفلسطينيون يا صديقي بلا وطنٍ و بلا هوية، لا يمتلكون بطائق شخصية فلسطينية و لا جوازات سفر "لا هوية للفلسطيني سوى تمسكه بأرضه حتى آخر رمق"، الفلسطيني محاصر أينما حل و ارتحل موضوع تحت المجهر حتى من يحمل منهم الجواز الإسرائيلي إذا حل في أرض عربية عومل كأنه إسرائيلي بكل التفاصيل الصغيرة و الكبيرة،
الفلسطيني هنا على أرضه و في وطنه مهددٌ في أي لحظة بتهديم منزله و تجريف أرضه لتحل محله مستوطنة نتنة ليهود جدد و عليه أن يوسع لهم الدار و ينزوي في أقل مربع ممكن، السجون الإسرائيلية تعجُ بالآلاف من المعتقلين و الأسرى يمن تتباكى على المدنييين اليهود و تنظر ان صاروخ المقاومة قد يُصيبُ مدنيين عزل ربما يكونون حسب رأيكَ مناهضين للصهيونية، تناسيت تمامًا أنهم محتلين على كل حال،
إسرائيل و معها من يناصرها من دول الغرب و أمريكا و التخاذل العربي لا تقبل حتى مجرد طرح فكرة أن تكون فلسطين دولة ناقصة العضوية في مجلس الأمن، إسرائيل يا صديقي تجد مناصرة من قبل أمريكا بقيادة " أوباما حسين!!" كأول بشائر ولايته الجديدة فيعلن دعمه الكامل في حق إسرائيل الدفاع عن نفسها ضد المقاومة و أوروبا تطالبها بالرد " المتكافئ" بمعنى إضربوهم ولكن لا تقسو عليهم، ثم تأتي أنت لتجهز عليهم بعقلانيتك التي تدعي بها أن المقاومة هي من تعرضُ الفلسطينين للخطر بتصرفاتها الهوجاء.
ما لم تقم المقاومة بما تقوم به الآن فلن تحصل على حق أبدا لن يقف معها أحد و ما تدفعه الآن أقل بكثير مما تدفعه طوال سنينها الماضية تحت الإحتلال و لك أن تراجع عدد ضحايا الحصار و كم بيت هدم وكم أسرة شردت فليس الأمر بجديد و ليست صواريخ المقاومة سوى حجة واهية لتركيع الشعب الفلسطيني و استمرار سياسة التوسع الصهيوني.
تصيبك الدهشة و التعجب حينَ تقرأ أو تسمع أن هذا الرأي يتبناه بعض من وضعوا أنفسهم في خانة الثوريين على أنظمتهم الحاكمة، و نسألهم كيف سمحت لنفسك يا صديقي بأن تثور و تنقلب على نظام حكم في بلدك ثائرًا عليه مضحيًا بمئات الأراوح الطاهرة و غامرت باستقرار بلدك و أمنه و اقتصاده مادامت تلك نظرتك لمن يريد أن يحرر بلده من الإحتلال، لم قامت الثورات على وجه الأرض سواءًا ضد الأنظمة الظالمة أو ضد المحتلين، لو أن الأمور تحسب بالشكل الذي ترتئيه أنت، فقل لي إذن : لم سميت الأوطان و لم صارت كل أرضٍ لساكنيها، و لم تغضبُ من حكامك المفسدين و تسلط المشيخ و لماذا تنزعجُ من تدخلات دول الجوار و غي الجوار في بلدك، لماذا تثور من اجل حقوقك المسلوبة، لقد عشنا طويلًا حتى رأينا اللوم يقع على الضحية و سمعنا دعاة التحرر و المثقفين يدافعون عن الجلاد و يعتبون على الضحية.
لسنا دعاة حرب و لسنا مع الحرب و لا نريد الحرب فقط نريد للفلسطينين أرض تلمهم و وطن يحتويهم و هوية واحدة تجمعهم كسائر شعوب الأرض ليعيشوا فيها و عليها بأمن و سلام.
أخيـرًا فلسطين هي القضيـة و هي وحدها مفتاح الحل، هي القضية التي لا لبس فيها و التي يجبُ أن يتفق على مناصرتها الجميع كواجبٍ إنساني على أقل تقدير.
ملحوظة:
أتمنى من القارئ أن يراجع تقرير الأمم المتحدة مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأرض الفلسطينية المحتلة "خمس سنوات على الحصار: الوضع الإنساني في قطاع غزة".