توقيت القاهرة المحلي 15:40:10 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الثائرون على الديمقراطية

  مصر اليوم -

الثائرون على الديمقراطية

د. مصطفى يوسف اللداوي

اعتدنا أن نسمع عن ثوراتٍ وثائرين على الظلم والجوع والفقر، وعلى القهر والاستبداد وكبت الحريات ومصادرة الحقوق، وعن ثائرين من أجل العزة والكرامة، وباحثين عن الحرية والعدالة والديمقراطية. لكننا لم نسمع يومًا عن ثائرين على الديمقراطية، ورافضين لخيارات الشعوب ونتائج الانتخابات الديمقراطية، بحجة سذاجة الشعب وعدم أهليته وقدرته على الحكم والاختيار، اللهم إلا في الدول الشمولية العسكرية، التي ترفض الديمقراطية وتنقلب على الفائزين، وتصادر حقوقهم وتزج بهم في السجون والمعتقلات، وتتهمهم بالتخربب والفساد والإرهاب، والإضرار بمصالح الدولة والشعب، والارتباط بأنظمة وأجنداتٍ أجنبية، وتلقي مساعداتٍ ورشى من دولٍ وحكومات، وأنظمةٍ وأجهزة، ما يبرر لها الانقلاب على الديمقراطية، والتنكب لنتائج صناديق الانتخابات، أو العمل على إفشال الفائزين وإظهار عجزهم، وبيان ضعفهم، رغم يقينهم أن الفائزين قد ورثوا عن المخلوعين تركةً عفنةٍ فاسدة، وأنهم يتعاملون مع ميراثٍ هائلٍ من الخراب والفساد والسرقة والنهب والتآمر والارتباط والارتهان. ومع ذلك فإن الناقمين على نتائج الانتخابات على اختلافهم، كونهم لم يفوزوا ولم يختارهم الشعب، إذ لم يؤمن بهم ولم يقتنع بشعاراتهم، وقد جرب أكثرهم وعرف حقيقتهم، فإنهم والخاسرين يتألبون ويجتمعون، ويتآمرون ويحركون الفتن والقلاقل لإفشال الفائزين، والحيلولة دون اطمئنانهم واستقرارهم لتطبيق برامجهم، والمضي في إصلاحاتهم، وتحسين ظروف عيش شعبهم، وإصلاح ما أفسدته الطغمة الحاكمة السابقة، وإعادة ما نهبته من ثرواتٍ ومقدرات، ومحاكمة من ثبت فساده وظلمه وتعديه. إلا أن فئةً من الأمة كنا نظن بعضها خيرةً صادقةً، وطنيةً قوميةً ثورية، كانت يومًا معنا، واصطفت إلى جانبنا، وأيدت مواقفنا، واكتوت معنا بظلم الأنظمة ونير الحكام، وكانت شعاراتها البراقة تسبقها وتصقل شخصيتها، وتقودها إلى قلوب الشعب ووعيه، إلا أنها استشاطت غضبًا كونها لم تنجح في الانتخابات، ولأن الشعب اختار غيرها، وآمن في سواها، فقررت ألا تعطي الفائزين فرصة، وألا تنتظر عليهم برهةً لتمكنهم من النجاح، وهي أكثر من يعرف عظم المسؤولية، وعفونة التركة، وأمانة الواجب، إلا أنها انقلبت وانتفضت وثارت بغير وجه حق، فلا صدق ولا براءة، ولا وطنية ولا ثورية، وقد كان الأجدر بها أن تقف إلى جانب شركائها في الثورة، وإخوانها في النصر والمعاناة، إيمانًا منها باحترام نتائج الديمقراطية، ونزولاً عند خيارات الشعوب، التي كانت تحلم كثيرًا أن يكون قادتها من بينها، وأن تكون هي التي تختار وتنتخب، وهي التي تراقب وتحاسب، وهي التي تعزل وتحاكم. ما يحدث في مصر الآن من بعض القوى التي كنا نظن أنها قوىً ثوريةً وطنيةً قومية أمرٌ معيب ومشين، فقد شوهوا الثورة، وأوهنوا الشعب، وأفرحوا الحاقدين، وأسروا المبغضين، وأعادوا الأمل إلى أعداء الأمة التي أيقنت بأن مصر قد ذهبت وحلقت بعيدًا عنهم، وأنها أصبحت إطار العرب وسوار الأمة، وعقدها الفريد، ولكن هذه القوى التي تظن أنها تحسن صنعًا قد أعادت لهم الأمل، بعودة مصر إلى حظيرتهم ضعيفةً كسيرةً ذليلةً حائرة القوى، لا تملك خيارتها ولا قوت يومها، ولا تعرف مسيرها ولا تقدر على اتخاذ قرارها. لعلي في خطابي هذا أتوجه إلى حمدين صباحي أكثر من غيره، وقد عرفناه وطنيًا ثائرًا، وقوميًا مناضلاً، وشهدناه في المؤتمرات والمنتديات يحمل هم مصر، ويتحدث باسم الفقراء والبسطاء وعامة أهل مصر، وعليه علقنا الكثير من آمالنا، وقد كنا به سنرضى لو فاز في الانتخابات الرئاسية المصرية، وحظي بأصوات الشعب وثقته، إذ أن هذه هي أصول اللعبة الديمقراطية التي ارتضيناها حكمًا ووسيلةً للحكم بالتراضي، وقد كان لزامًا على غيره لو فاز برئاسة مصر أن يساعده وأن يقف إلى جانبه، وأن يناصره ويؤيده. لكننا اليوم نراه في الموقع الآخر، وفي المربع المناهض للعدل والحق، متحالفًا مع فلولٍ أساؤوا إليه، وظلموا أتباعه ومؤيديه، وقد كان لبعضهم دورٌ ومهمة في النظام السابق، شاركوا في الظلم أو سكتوا عنه، مارسوا الاعتداء أو سهلوا له، استفادوا وبه استظلوا. ومتعاونًا مع رجالٍ ليسوا مصريين وإن حملوا جنسيتها، وليسوا منا وإن نطقوا بلساننا، ولا يعبرون عن طموحاتنا وإن نادوا ببعض الشعارات النبيلة كذبًا وزيفًا، فهم أكثر المصريين بعدًا عن الشعب والميدان والحارة والحتة والشارع، ممن لا يعرفون شبرا ولم يدخلوا العتبة، وممن لم يأكلوا الفول ولا الطعمية، ولا يعرفون طعم الكشري ولا مذاق لحم ودجاج الجمعية، ممن كان لهم تاريخٌ مسيئ وسمعةٌ غير مشرفة، وتاريخٌ أسودٌ في المؤسسات والمنتديات الدولية، ممن يعترفون بإسرائيل، ويحرصون على انصافها والاعتراف بمحرقتها، والعمل من أجل راحتها وسلامة مستوطنيها. أيها الوطنيون المصريون الكبار، حافظوا على إرثكم ونصاعة ماضيكم، وانفضوا عن أنفسكم غبار الفلول، وتطهروا من رجس المتآمرين المارقين، وكونوا كبارًا عظامًا، رجالاً أطهارًا، اصطفوا إلى جانب بعضكم، وكونوا مع خيارات شعبكم، وأماني وآمال أمتكم، ومكنوا إخوانكم الذين كانوا معكم في الشارع والميدان، وفي السجن والمعتقل، الذين حرموا لسنواتٍ من حقوقهم، وعانوا أكثر من غيرهم، فهم أكثر من يعرف الشعب وحقوقه، وأكثر من يحس بآلامه وأحزانه، وهم اليوم في سدة الحكم مختارين منتخبين، وغدًا قد يكون غيرهم فيكونون مكانكم، وقد يختار شعبكم سواهم، فامنحوهم الفرصة، ومدوا إليهم يد النصرة، وكونا لبعضكم إخوانًا في مواجهة المبتسمين بخبث، والساخرين بحقد، فهذه مصر محط آمال الأمة تتوقع منكم وقفة الرجال، وعقل الحكماء، وحرص الأمهات والآباء.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الثائرون على الديمقراطية الثائرون على الديمقراطية



GMT 16:18 2023 الإثنين ,18 أيلول / سبتمبر

العراق فاتحاً ذراعيه لأخوته وأشقائه

GMT 16:33 2022 الأحد ,13 آذار/ مارس

بعد أوكرانيا الصين وتايون

GMT 13:32 2021 الإثنين ,20 كانون الأول / ديسمبر

عطش.. وجوع.. وسيادة منقوصة

GMT 22:28 2021 الجمعة ,12 آذار/ مارس

التراجيديا اللبنانية .. وطن في خدمة الزعيم

GMT 21:23 2019 السبت ,08 حزيران / يونيو

الثانوية الكابوسية.. الموت قلقا

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 07:41 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه
  مصر اليوم - ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه

GMT 09:43 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

GMT 05:12 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

تصريح عاجل من بلينكن بشأن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة

GMT 09:08 2018 السبت ,24 آذار/ مارس

لعبة Sea of Thieves تتوافر مجانا مع جهاز Xbox One X

GMT 08:25 2024 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

طائرة "مناحم بيغن" تتحول لفندق ومطعم

GMT 21:48 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

بالميراس يقترب من التعاقد مع دييجو كوستا

GMT 18:37 2020 الثلاثاء ,29 كانون الأول / ديسمبر

شركات المحمول تتجه لرفع أسعار الخدمات خلال 3 شهور

GMT 08:43 2020 الأحد ,20 كانون الأول / ديسمبر

منظمة الصحة في ورطة بسبب "التقرير المفقود" بشأن "كورونا"

GMT 07:47 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

تطورات جديدة في واقعة الاغتصاب الجماعي لفتاة داخل فندق

GMT 00:41 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

عمر ربيع ياسين يكشف آخر كواليس معسكر منتخب مصر
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon