توقيت القاهرة المحلي 15:40:10 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أسئلة في فقه الثورة

  مصر اليوم -

أسئلة في فقه الثورة

تامر أبو عرب

الذين قتلوا سيدينا عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب طعنوا في دينهما قبل أن يطعنوا جسديهما. ليس غريبا أن يطعن الإسلاميون في دين معارضيهم، فقد كان التشكيك في الدين دوما أول خطوات التصفية الجسدية، وحسم الصراع السياسي عندما تغيب معايير المفاضلة الجادة. لن يكون أي مصري في التحرير أفضل الإمام الشافعي، الذي قتله شيخ من كبراء أصحاب الإمام مالك المتعصبين لمذهبه، بعدما أهدر دمه واتهمه بالكفر، فحالة الاستقطاب المفزعة التي تشهدها مصر حاليا لن تنتهي بغير تصفية ودماء. إيران التي يعتبر شيوخ السنة شيعتها كفارًا تطلق على نفسها الجمهورية الإسلامية. أي شكل للدولة تريدون؟ ليس كافيا أن تقول نريدها إسلامية، فإيران الشيعية تعتبر نفسها دولة إسلامية، وتركيا العلمانية يعتقد أردوغان أنها إسلامية، وباكستان وأفغانستان والسعودية دول إسلامية. رئيس مصر الآن إسلامي، الجمعية التأسيسية إسلامية، الحكومة إسلامية، ماذا تبقى لتحددوا لنا شكل الدولة الإسلامية التي ترغبون في تأسيسها؟، وما هو وضعكم فيها؟، بشر ممن خلق؟ أم رقباء على البشر؟ خالد بن الوليد تولى قيادة الجيش بعدة أشهر من إسلامه وخلفه كبار الصحابة والسابقون في الإسلام. العبرة في تولي المناصب العامة ليست بحفظ القرآن ولا الانتماء إلى الإخوان، العبرة بالكفاءة والقدرة على أداء المهمة. منذ تولى الإخوان المسلمين الحكم لم يضعوا على رأس أي وزارة أو هيئة أو حتى مركز شباب أي شخص محسوب على المعارضة، ولا أعرف كيف لا يخجلون وهم يفعلون ذلك بعد ثورة يناير التي قامت ضد سيطرة الحزب الوطني على كل شيء. وبعيدا عن المحافظين والوزراء الذين لم نر فيهم أي شخص خارج الإخوان المسلمين وفلول النظام السابق أمثال أحمد زكي عابدين وممتاز السعيد وغيرهما، هناك مخطط يقوده الإخوان المسلمون لاستبدال القيادات الوسيطة في الوزارات والهيئات والمجالس، بأعضاء الجماعة وحلفائها، حيث تقدم الدكتور محمود إبراهيم فتوح، صيدلي بالإدارة المركزية للشؤون الصيدلية بإدارة نواقص الأدوية، ورئيس اللجنة النقابية للصيادلة الحكوميين، بشكوى للنائب العام ضد ممارسات الدكتور محسن عبد العليم، رئيس الإدارة المركزية للشؤون الصيدلية المتعينة في تعيين خريجي شباب الإخوان والسلفيين فقط بالإدارة. كما دخل وكيل مديرية أوقاف أسيوط الشيخ أحمد الصادق في إضراب مفتوح عن الطعام، احتجاجا على استبعاده من منصبه وانتداب الشيخ جمال ضاحي، المحسوب على الجماعة الإسلامية، قبل انتهاء مدة الأول القانونية ورغم أن ضاحي على درجة إمام بالمخالفة للقانون. الله لم يمتدح الكثرة قال تعالى: ''وكثير منهم فاسقون''، ''ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا''، ''وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله''، وفي المقابل قال: ''وما آمن معه إلا قليل''، ''قليل من عبادي الشكور''، ''إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ماهم''، ''فأرسل فرعون في المدائن حاشرين إن هؤلاء لشرذمة قليلون''، ''ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل''. هذا حديث للإسلاميين والمدنيين معًا، العبرة ليست بكثرة العدد، والسياسة لعبة الممكن التي تستدعي الوصول إلى حلول وسط. يا أيها الذين في الحكم. لو كان معارضوكم مليونا فقط لابد من احتوائهم والتقرب إليهم. هؤلاء لو وقفوا في التحرير كل جمعة ستفشل كل خططكم الاقتصادية والسياسية. لن يأتي إليكم مستثمرون ولن تدور لكم عجلة إنتاج، وستنتهي السنوات الأربع دون تحقيق إنجاز واحد، وحينها لن تجدوا أصواتًا تنتخبكم لفترة أخرى. يا أيها الذين في الميدان. لا يختلف على شرفكم وطهركم ووطنيتكم إلا جاحد، لكن العدد أيضا لن يغني عنكم شيئا دون تفاوض. لن تأخذ معارضة من حاكم كل ما تتمناه وإلا تنازل لها عن مقعده لأن هذا أول ما تتمناه. اضغطوا ثم فاوضوا ثم عاودوا الضغط والتفاوض. خذوا بعض المكاسب حتى حين، وإن موعد الانتخابات لناظره قريب. الإسلام دين وأمة وليس دينا ودولة هذا عنوان كتاب للدكتور جمال البنا، وهو للمصادفة شقيق الإمام حسن البنا، مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، يؤكد فيه وهمية ما يسمى بالدولة الإسلامية، ويستدل على ذلك بأن مصطلح ''دولة'' لم يرد في القرآن والسنة أبدا مقترن بكلمة الإسلام أو الإسلامية، وأن مصطلح ''أمة'' هو الذي اقترن دوما بهاتين الكلمتين. الدولة الإسلامية، نجحت في أن تكون إمبراطورية عظيمة قبل ألف عام ويزيد.. نعم. بريطانيا نجحت في أن تكون إمبراطورية لا تغيب عنها الشمس وغالبية سكانها مسيحيون.. حدث. الصين أصبحت تحكم العالم اقتصاديًا وغالبية سكانها ملحدون أو يدينون بديانات وضعية.. فعلًا. إذن الدين ليس شرطا لتقدم الدولة، والعبرة في رغبة حمَلة هذا الدين في الارتقاء، وبقدرة الدولة العصبة الحاكمة على وضع خطط ترتقي بالوطن. والتاريخ يقول أن الإسلام وحده ليس كافيا لعصمة الدولة من الأزمات، ويقول أيضا أن دولة الخلفاء الراشدين نفسها لم تسلم من الأزمات الطاحنة، إذ تعاقب على الحكم 4 خلفاء في ثلاثين عاماً، مات ثلاثة منهم بحد السيف أو الخنجر، واحد على يد غلام المجوسي، وواحد على يد الرعية، وواحد على يد مسلم متطرف، بل إن الخليفة الأخير سيدنا علي بن أبي طالب قضى فترة حكمه كلها في محاولات يائسة لبسط حكمه، وانتهى به الأمر محصورًا في الكوفة داعياً الله أن يبدله خيراً من قومه، وأن يبدل قومه أسوأ منه. الأعوام الثلاثون التي قضاها الخلفاء الراشدون، حفلت بالحروب الأهلية الكبرى، فقد بدأت بها، وانتهت بها، بدأت بحروب الردة في عهد أبي بكر، وانقضت سنواتها الخمس الأخيرة في سلسلة من الحروب الأهلية أولها حرب الجمل بين كبار الصحابة، ثم حرب صفين بين علي ومعاوية، ثم حرب النهروان بين علي والخوارج عليه، ثم سلسلة متصلة من الحروب الصغيرة بين جيوش علي وجيوش الخوارج، وفي النهاية انحازت الرعية لمعاوية بن أبي سفيان، على حساب ابن عم النبي وأبو الحسن والحسين. هذا عن الخلافة الراشدة، أما الخلافتان الأموية والعباسية، ففي التاريخ وأمهات الكتب تفاصيل مفزعة عما كان يحدث فيهما من تجبر للخلفاء وانتهاك للحرمات وكله باسم الدين. الرئاسة من أمور الدنيا في الإسلام، لم يضع الدين لها قاعدة، ولم يحدد طريقة كذلك لمحاسبته إن تجاوز وأخطأ. فتم اختيار أبي بكر ببيعة في سقيفة أبي ساعدة، وهي الطريقة التي خالفها أبو بكر نفسه وترك تولية من يليه إلى المسلمين أو أهل الحل والعقد منهم، وأوصى لعمر بكتاب مغلق بايع عليه المسلمون قبيل وفاته دون أن يعلموا ما فيه، وهو أيضًا ما خالفه عمر في قصر الاختيار بين الستة المعروفين، وهم علي وعثمان وطلحة والزبير وابن عوف وسعد، وهو ما اختلف عن أسلوب اختيار علي ببيعة بعض الأمصار، ومعاوية بحد السيف، ويزيد بالوراثة. هذا دليل جديد على أن أمر السياسة أكثر رحابة من أمر الدين، وأن الصحابة الأولين اجتهدوا في أمر السياسة كثيرا، واختلفوا فيها أكثر، ورفعوا السيف لأجلها أحيانًا.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أسئلة في فقه الثورة أسئلة في فقه الثورة



GMT 16:18 2023 الإثنين ,18 أيلول / سبتمبر

العراق فاتحاً ذراعيه لأخوته وأشقائه

GMT 16:33 2022 الأحد ,13 آذار/ مارس

بعد أوكرانيا الصين وتايون

GMT 13:32 2021 الإثنين ,20 كانون الأول / ديسمبر

عطش.. وجوع.. وسيادة منقوصة

GMT 22:28 2021 الجمعة ,12 آذار/ مارس

التراجيديا اللبنانية .. وطن في خدمة الزعيم

GMT 21:23 2019 السبت ,08 حزيران / يونيو

الثانوية الكابوسية.. الموت قلقا

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 07:41 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه
  مصر اليوم - ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه

GMT 09:43 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

GMT 05:12 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

تصريح عاجل من بلينكن بشأن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة

GMT 09:08 2018 السبت ,24 آذار/ مارس

لعبة Sea of Thieves تتوافر مجانا مع جهاز Xbox One X

GMT 08:25 2024 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

طائرة "مناحم بيغن" تتحول لفندق ومطعم

GMT 21:48 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

بالميراس يقترب من التعاقد مع دييجو كوستا

GMT 18:37 2020 الثلاثاء ,29 كانون الأول / ديسمبر

شركات المحمول تتجه لرفع أسعار الخدمات خلال 3 شهور

GMT 08:43 2020 الأحد ,20 كانون الأول / ديسمبر

منظمة الصحة في ورطة بسبب "التقرير المفقود" بشأن "كورونا"

GMT 07:47 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

تطورات جديدة في واقعة الاغتصاب الجماعي لفتاة داخل فندق

GMT 00:41 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

عمر ربيع ياسين يكشف آخر كواليس معسكر منتخب مصر
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon