أحمد كرفاح
ماهو الربيع العربي؟ وما الذي دعا إلى فكرة إعادة هيكلة وبناء الأنظمة الديمقراطية في العالم العربي ؟ وما الذي يعنيه الربيع العربي في تاريخ الأنظمة الديمقراطية؟ وما الذي يبشر به الشعوب العربية ؟ وكيف يمكنه التأثير على العالم الخارجي ؟ كل هذه الأسئلة طبعًا تشغل عامة الناس في العالم اليوم.
وتجري مناقشتها في هذه المرحلة الحرجة التي يمر بها العالم العربي، وسنبدأ في الإجابة عنها، علما بأن الكمال لله والغيب لا يعلمه إلا الله والعصمة للأنبياء فقط.
عند دراسة أصول الربيع الديموقراطي العربي أعتقد أن شيئا واحدا مهما يجب أن يؤخذ في الحسبان والاعتبار فالربيع الديموقراطي العربي اليوم، ليس نزوة لدى بعض الأفراد في المجتمع العربي الطموحين أو مجموعة من المعارضين ولوكان كذلك لما كان بمقدور هذا الربيع أن يعصف بالدول العربية الأكثر دكتاتورية كما حدث في ليبيا الجارة الشقيقة مثلا وبشكل متزايد مع مرور الشهور والسنوات.
فالربيع العربي ضرورة حتمية وملحة نشأت من عمليات التطور العميقة في المجتمعات العربية. فهذه المجتمعات أصبحت ناضجة وقابلة للتغيير وتتوق إليه منذ أمد بعيد وأن التأخير في بدء الربيع كان بالإمكان أن يؤدي إلى تفاقم الوضع الداخلي للمجتمعات العربية في المستقبل القريب.
وهذا ما كان سيحمل في طياته إذا ما تم الحديث بصراحة عن أزمات إجتماعية واقتصادية وسياسية خطيرة. لقد توصلت وخلصت إلى هذه الإستنتاجات من النظرة الواسعة الأمد والأفق وكذا التحليل العام والصريح للوضع العربي الذي تطورت المجتمعات العربية بحلول القرن الجديد القرن الواحد والعشرين.
وهذا الوضع وما نجم عنه من مشاكل قد يواجه القيادات العربية التي قد تأتي بعد هذا الربيع الديموقراطي بالتدرج خاصة في السنوات الأولي بعد هذا الربيع. وأود أن أناقش الآن هذه النتائج الأساسية لهذا التحليل الذي كان علينا من خلاله أن نعيد تقييم أشياء كثيرة ونعيد النظر في تاريخنا القريب والبعيد نسبيا على السواء. فالعالم العربي الذي يعيش هذه السنوات ربيعا ديموقراطيا هو عالم كبير ومترامي الأطراف وذو تاريخ حافل بالإبتكارات والإنجازات والأحداث الفاجعة.
حيث هناك الكثير من الإكتشافات والشخصيات العربية البارزة التي ساهمت في إيجاد هذه الحضارة المعاصرة. كما أن العالم العربي فيه كثير من الدول الفتية التي لا مثيل لها في التاريخ أو في العالم الحديث.
فخلال العقود الأخيرة والتي تعتبر فترة قصيرة في تاريخ الحضارة البشرية إجتازت الدول العربية تاريخا يعادل قرونا وأضحى العالم العربي قوي بإمتلاكه قوة إنتاج ضخمة وقدرة فكرية جبارة وثقافة رفيعة ومجتمعات عربية فريدة عالم يضم أكثر من أربعين دولة ويرتفع على منطقة خصبة وذات ثروات طبيعية خارقة للعادة.
ثم أعود فأقول إن الربيع الديموقراطي العربي الحالي يفرض على بلادي الجزائر إعادة هيكلة جديدة بمعنى إعادة النظرفي النظام الديموقراطي القائم اليوم خاصة في هذه المرحلة الحرجة والصعبة التي تمربها الجزائر حيث تأتي نظرتي هذه بعد مرور خمسة عقود على إستقلال الجزائر من جهة وإعادة الهيكلة والبناء تشكل ثورة في المواقف والأفكاروالممارسة من جهة ثانية.وهذا مما تتطلب تغييرا جذريا في السياسة الداخلية والخارجية الجزائرية على السواء. فإعادة الهيكلة والبناء هي المرحلة الثانية في تاريج النظام الموجه في الجزائر والتي ينبغي أن يشجع فيها بقوة بين أبناء الجزائر الشعور بالمسؤولية خاصة في هذه المرحلة الحرجة والصعبة التي يمربها العالم العربي.
وكذا المبادرة وروح التعاون من خلال إحساس حقيقي بالمشاركة الشخصية. إنها مخطط وبرنامج لتغيير في الجزائرلم يسبق له مثيل كما يمكن أن يكون له مغزى عميقا للعالم. إلاأن هذا يفرض علينا الإتسام بالصراحة في نقد الماضي وفي الحسم بالنسبة للحاضر والمستقبل. كما أننا مصرين على أن إحياجات العالم العربي لا تنفصل عن احياجات الجزائر.
إذا أننا نسعى إلى عالم عربي خال من الفقر والتخلف والسعي إلى الإلتحاق بالعالم المتحضر وهذا يعني أن إعادة الهيكلة والبناء ينبغي أن تكون قضية عربية تتطلب تعزيز قضية التفاهم والتسامح. إن دول العالم العربي مختلفون تماما لكن قد يكون هذا الأختلاف طيب ومفيد إذا وجد بينهم حوار بناء يؤدي إلى ميلاد أفكار جديدة تخدم عالمهم العربي. فإستقرار العالم ثمرة يمكن أن يكون الربيع الديموقراطي ثمرتها.
فالربيع الديموقراطي هو رؤية جديدة قد تكون متواضعة ومتماسكة وملهمة للمسرح السياسي العربي الحافل والمنقسم خاصة في هذه المرحلة وبشكل لم يسبق له مثيل. وبالتالي فهذا الربيع قد يعتبر أحدى الوثائق السياسية المهمة في أيامنا الربيعية هذه وكذا في المستقبل القريب وحتى البعيد. وأنا لا أقول هذا من أجل أن تبدو بلادي الجزائر أفضل من غيرها مما كانت عليه أو مما هي عليه الآن ولا أريد أن أكون مدافعا عن بلدي ننظر إلى مايهم بلدي فقط وأن بلدي هو الأفضل والأرقى دون أن تكون لدي دلائل حقيقية بل إن ما أقوله سواء عن الجزائر أو عن عالمي العربي هو الواقع الفعلي والحقيقة الأكيدة والنتاج الواضح لعمل أجيال عديدة من شعوبنا العربية.
ومن الواضح أنه بات بالمثل أن يقدم عالمنا العربي غدا ممكنا بفضل هذا الربيع الديموقراطي بإعتباره النظام السياسي والإقتصادي والإجتماعي الجديد ونتيجة الخيار التاريخي للشعوب العربية.
إن هذا الربيع الديموقراطي يستند إلى إلى مأثر آبائنا وأجدادنا وملايين العرب الذين أخذوا على عاتقهم منذ عقود زمنية قد مضت المسؤولة عن مستقبل بلدانهم.
وهذا مما يفرض على القارئ الكريم أن يتدبر كل هذا وإلا فسيكون من الصعب عليه أن يرى ما حدث وما يحدث في مجتمعاتنا العربية. وسوف أعود إلى الجوانب التاريخية للتطور العربي فيما بعد لكن سأوضح قبل ذلك الوضع المعقد والذي تطور في كثير من البلدان العربية في بداية هذا القرن الجديد القرن الواحد والعشرين والذي جعل الربيع الديموقراطي العربي مسألة ضرورية وحتمية. يتبع