موفق مصطفى السباعي
إن صفة الطيبة، وحسن النية التي يتصف بها المسلمون جميعًا، هي من الصفات العظيمة، والسجايا الجميلة، والتي تميزهم عن بقية شعوب العالم الأخرى، وتجعلهم أفضل ، وأعظم ، وأنبل ، وأكرم شعوب الأرض طرًا، كما شهد بهذا رب العالمين ، وخالق البشر أجمعين، والعليم الخبير بما يتصف به البشر حينما قال:
"كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ"
إلا أنها مع كل أسف ولوعة، وحزن وحرقة، تترافق عند بعض منهم - وليس كلهم - بالبساطة في التفكير، والمحدودية في النظر، والسذاجة في تحليل الأمور الحياتية،
إضافة إلى القابلية لأن يُخدعوا، ويُضللوا، ويُضحك عليهم ، وغشهم ، والتحايل عليهم ، وتوريطهم في أمور تعود بالضرر ، والشر المستطير عليهم، علمًا بأن لديهم من التحذيرات الربانية الشيء الكثير ، الذي يحصنهم، ويجعلهم واعين، منتبهين، حذرين، يقظين مما يخطط لهم أعداؤهم، ومما يبيتون لهم من دسائس ومكائد،
فيكفيهم قول ربهم :
لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ،
هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ ۚ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ...
ويكفيهم قول أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه :
لست خبا، ولا الخب يخدعني.
ولكنهم وللأسف مرة أخرى، يتجاهلون كل هذا ويسيرون في الطريق، أو الشِرك الذي نصبه لهم أعداؤهم، فيقعون فيه.. وحينها تكون الطامة الكبرى، والخسران المبين،
وهذا هو الذي يخططه ويفعله أعداء الثورة السورية – التي أعيت كل العالم أن يهزموها أو يكبحوا جماحها أو يخمدوا جذوة لهيبها – في إيهام رئيس الإئتلاف، الرجل الطيب الصالح، الحديث العهد بالقيادة والإدارة، القليل الدراية في دهاليز السياسة الدولية الماكرة الخادعة الملتوية، وقليل المعرفة في طبيعة العدو اللدود الأسدي، بل يكاد يكون جاهلا جهلاً مركبًا، مطبقًا بما يدور على أرض الشام، ومن الذي يدير الحرب الشعواء على السوريين،
إنهم أرادوا أن يستثيروا مشاعره وعواطفه حول السجناء وبخاصة السجينات، ليتحول هدف الثورة من إسقاط النظام وتحطيمه وتدميره من رأسه إلى فروعه وتشعباته ومرتكزاته وداعميه،ليتحول إلى البحث والتفاوض عن طريق من أجل تسهيل رحيل رأس العدو بسلام وأمان، دون عقاب ولا حساب، وتخليف كامل الجسم بأذرعته وأرجله وبطنه وذيله، يعمل كما كان مع بعض الترقيعات والتجميلات الخداعة، وبحجة براقة، لامعة، جذابة، مثيرة للشفقة، وهي : التخفيف عن معاناة الشعب المسكين، وتحرير السجناء والسجينات،
وكأنك يا أبوزيد ما غزيت.
إنها خطة ماكرة، خداعة، قاتلة للثورة، ماحقة لكل الدماء التي سُفكت، ساحقة لكل الخراب والدمار الذي حصل، مهلكة للحرث والنسل، مضيعة لكل التضحيات التي قدمها الثوار،
ولا يغرن بعض الناس الذين تعبوا، وملوا، وسئموا حياة الضنك والجوع والفقر في الخيام والحصار، وأزيز الطائرات، ودوي التفجيرات، أنهم بهذه الخطة التافهة، الصغيرة الممسوخة، اللاهية اللعوبة سيحصلون على الراحة المنشودة، وعلى الحرية والعزة والكرامة المقصودة.
إننا والله نقدر تعبهم وشقاءهم، ونحس بآلامهم، ونتحرق ألمًا على أوضاعهم المأساوية، ولكن ليس هذا الطريق الصحيح للحل النهائي ولا حتى للحل الجزئي أو المؤقت.
إنها تمثل كالمستجير من الرمضاء بالنار، أو كما يقول المثل الشعبي طلعنا من تحت الدلف إلى تحت المزراب، يعني إلى أشد وأسوأ.
إن هذه الخطة الجهنمية، ما هي إلا إلتفاف على الثورة، وخداع وتضليل للمعذبين، المشردين،المضطهدين، وتخديرهم بالأماني العذاب، وبالأحلام الوردية، إنها – والله – سراب في سراب، لا تؤمن الحرية ولا العزة ولا الكرامة ، التي من أجلها كانت كل هذه العذابات والتضحيات... وهذا هو الخسران المبين لكل السوريين.
الحل الوحيد، والأوحد، هو الإستمرار في الجهاد والعمل العسكري إلى النهاية، دون الإلتفات إلى أي حوار مزعوم، خاصة وأن الثوار يتقدمون، ويكسبون يوميًا شيئًا جديدًا، مقابل أن العدو يخسر ما يكسبه الثوار والنتيجة الحتمية، هي تحقيق النصر مهما طال الزمن، ولكن هذا هو الضمان الوحيد للحصول على الحرية والعزة والكرامة كاملة غير منقوصة.