سنابرق زاهدي
هذه الأيام تصادف ذكرى استشهاد أول مجموعة من قادة "مجاهدي خلق" عام 1972 على يد نظام الشاه. و كانت المجموعة مكوّنة من أربعة أعضاء اللجنة المركزية الاولى في المنظمة وهم الشهداء ناصر صادق، وعلي ميهن دوست، وعلى باكري، ومحمد بازرجاني.
هؤلاء هم الذين شقّوا بنضالهم وبدمائهم طريق الثورة ضد "الدكتاتورية" في إيران، وروّوا بدمائهم شجرة الثورة الإيرانية التي قطف "حكم الملالي" ثمارها غصبًا وعدوانًا. وهم الذين رفعوا راية الإسلام الديمقراطي الثوري المستنير.
هذا واضح لكلّ متتبع لتاريخ إيران الحديث. لكن الشيء الذي أوقفني كانت وثيقة تاريخية اطلعت عليها أخيرًا. وهي تقرير من منظمة العفو الدولية الذي يتحدث عن إثنين من هؤلاء الشهداء.
وقد نشرت منظمة العفو الدولية عام 1986 كتابًا أو تقريرًا مطوّلاً أكثر من 200 صفحة شرحت فيه صفوة نشاطاتها في مختلف الدول منذ بداية تأسيس هذه المنظمة، وخصّصت ثماني صفحات من هذا التقرير لإيران. فنقلت بعض الوقائع عن انتهاكات حقوق الإنسان في عهد الشاه، وكذلك ما جرى في السجون الإيرانية خلال الأعوام الأولى من وصول الملالي على الحكم.
ويبدأ هذا التقرير من لقاء حصل في زنزانات سجن "ايفين" في طهران بين بعثة من منظمة العفو الدولية وإثنين من أعضاء اللجنة المركزية في منظمة "مجاهدي خلق" الإيرانية الشهيدين ناصر صادق وعلي ميهن دوست اللذين تمّ إعدامهما مع إثنين آخرين من رفاقهما في 19 من شهر نيسان/ ابريل من العام 1972. وفي ما يلي مقتطفات من ترجمة هذه الوثيقة التاريخية باللغة العربية:
«انتهاكات حقوق الإنسان في إيران
في عام 1972 كشفت منظمة العفو الدولية أن السجناء في سجن "إيفين" في طهران يتعرضون للتعذيب، وشملت أساليب التعذيب المستخدمة حرق الضحايا على طاولة معدنية ساخنة. وقد نظّمت العفو الدولية حملة ضد انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبها "السافاك" طوال عقد السابع من القرن الماضي. وبعد الاطاحة بشاه ايران في شباط من العام I979 واصلت منظمة العفو الدولية تحقيقها بشأن انتهاكات حقوق الإنسان في إيران. وقد واصلت مهمتها بلا هوادة حيث أن آلافًا من السجناء السياسيين لايزالون يقبعون في السجون في إيران، في بعض الأحيان من دون توجيه أية تهمة إليهم، أو إجراء محاكمة، أو بعد محاكمات فورية. كما أن بعضًا منهم بقوا في السجن حتى بعد انقضاء مدة عقوبتهم.
وأضافت: الإجراءات القضائية غالبًا ما تكون تعسفيّة ولا يمكن التنبؤ بها. وتفيد التقارير أن المعتقلين السياسيين يتعرّضون للتعذيب وسوء المعاملة في مئات من مراكز اعتقال سرية في أنحاء البلاد كافة. عمليات الجلد وبتر الأطراف - التي تعتبرها منظمة العفو الدولية من أشكال التعذيب والمعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة – تنفّذ كعقوبات قضائية. وتمّ إعدام آلاف الأشخاص، وفي كثير من الأحيان بعد محاكمات سريعة ومن دون وجود حق الاستئناف.
تقرير لبعثة منظمة العفو الدولية إلى إيران عام 1972 : زيارة المحامي نوري البلا لسجن "إيفين"
... على الرغم من العقبات التي شرحتها في تقريري، استطعت أنا وزميلي "ل" من زيارة ناصر صادق وعلي ميهن دوست. وقد رافقنا مترجمان قدّما أنفسهما من موظفي وزارة الإعلام، وأعلنا في وقت لاحق أنهما كانا تابعين لمكتب رئيس الوزراء، وفي الحقيقة كانا تابعين لفرع خاص من مكتب رئيس الوزراء، أي السافاك.
وقال ناصر صادق أنه ولد في شهر مايو/ أيار 1945 في طهران، وهو مهندس درس الكهرباء، وحصل على شهادته عام 1967، وبعد الخدمة العسكرية عمل في شركة "بارس الكتريك". ألقي القبض عليه في أيلول/سبتمبر عام 1971. ولد علي ميهن دوست في تشرين الأول/أكتوبر 1947 في مدينة قزوين، وهو مهندس ميكانيكي حصل على شهادته عام 1969. وقال إنه منذ ذلك الحين شارك بدوام كامل في الأنشطة السياسية. اعتقل ميهن دوست في شهر تشرين الأول/أكتوبر 1971.
قال لنا ميهن دوست إن أنشطته تركزّت على طهران قبل اعتقاله. وإنه كان يعمل سرّاً وكان عضوًا في مجموعة كانت تستعد للكفاح المسلح ضد النظام. ووجّه له اتهام أنشطة ضد الدولة، والانتماء إلى منظمة (حركة خلق)، و ضلوعه في اختطاف طائرة. عمل صديقه ناصر صادق معه قبل إلقاء القبض عليه وشاركه في القيادة العامة للحركة.
وضعت هذا السؤال أمامهما: أذكر لكم الاتهامات التي وجّهت لكما. هل يمكن لكما أن تقولا من هم الذين وجّهوا لكم هذه الاتهامات؟ فأجاب صادق: السافاك.
لم يلتقِ أي منهما المدعي العام العسكري منذ حوالي منتصف كانون الثاني/يناير. وعندما سألناهما متى رأيا قاضي المحاكم العسكرية للمرة الأولى، فأجابا: "يوم أمس 5 شباط/فبراير". وأودّ أن أضيف أنه بعد إلقاء القبض عليهما، في أيلول/سبتمبر وتشرين الأول/أكتوبر، كان من الواجب مثولهما أمام قاضي التحقيق العسكري خلال 24 ساعة، هذا ما يقرّره القانون الإيراني. وقد استذكر هذا القانون المتحدث باسم المحكمة العسكرية النقيب قوام.
وعندما سألنا ناصر صادق عن التعذيب الذي خضع له، أجاب بردّ طويل باللغة الفارسية. وتمت ترجمة كلامه بشكل مقتضب من قبل أحد المترجمين على النحو التالي: " تعرّضا للضرب في اليوم الذي تم إلقاء القبض عليهما." وأشار صادق إلى أن الترجمة غير صحيحة، ولذا فإنني كرّرت السؤال حتى أصيب المترجمان بالملل بترجمة الموضوع نفسه؛ وأخيرا سألت ناصر صادق: "وهل أصدقاؤك تعرضّوا للضرب؟ فأجاب باللغة الإنجليزية: « لا، قد اكتووا». وهنا قال المترجمان انتهت المقابلة وحان الوقت للذهاب! فأشار صادق إلى أنه يريد التحدث معي، و حين كان "ل" يتكلم باللغة الفرنسية إلى المترجمين الذين كانوا تدفعاننا على الرحيل، أكد صادق لي أنه تعرض للضّرب بعقب مسدس و أن هذا قد تسبّب له في النزيف والإغماء. وصرّح أن مسعود أحمد زاده، وبديع زادكان، وعباس مفتاحي، و بازركان كانوا بين الأشخاص الذين تعرّضوا للحرق بوضعهم على طاولة معدنية تم تسخينها حتى احمرّت، وقد أدّت هذه العملية منذ ذلك الحين بالشلل في الأطراف السفلى لبديع زادكان،،ولايمكن له أن يتحرك إلا بالزحف إلى الأمام باستخدام ذراعيه
العليا. وآخر جملة قالها لي: " فليعلموا أنني سمعت شخصاً رأى بهروز دهقاني قد مات بالقرب منه في غرفة التعذيب".
وأنا قادر على التأكيد أن وصف الطاولة المعدنية التي شرحها ناصر صادق يتوافق تماما مع علامات الحروق المستطيلة التي كنت قد رأيتها في صباح ذلك اليوم نفسه على ظهر مسعود أحمدزادة.
وهنا انتهت الفقرات من تقرير منظمة العفو الدولية لعام 1972. ولاحاجة إلى مزيد من الشرح.
*رئيس لجنة القضاء في المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية*